في ظل بعض الإجراءات التي تفرضها الدول جراء فيروس كورونا، وتخفيف أوقات الصلوات في المساجد، وتحديد وقت صلاة التراويح بفترة قصيرة، جمعاً بين إحياء السنة واحترازاً من كثرة المخالطة بين الناس خشية انتشار الفيروس، فقد رأى بعض أئمة المساجد أن يكتفوا بصلاة أربع ركعات جماعة في المسجد، مع الوتر.
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى بالصحابة ثلاث ليال، ثم امتنع خشية أن تفرض عليهم، واختلف في عدد ركعات صلاة التراويح، ما بين إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة، أو إحدى وعشرين ركعة، أو ست وثلاثين ركعة.
ومع كون الكمال بن الهمام من الأئمة الأحناف الذين يرون أن صلاة التراويح عشرين ركعة، إلا أنه رأى أن السنة إحدى عشرة ركعة، فقال (شرح فتح القدير على الهداية 1/ 333 – 334 ط الأميرية – بولاق ): قيام رمضان سنة إحدى عشرة ركعة بالوتر في جماعة، فعله النبي صلى الله عليه وسلم ثم تركه لعذر، أفاد أنه لولا خشية فرضه عليهم لواظب بهم، ولا شك في تحقق الأمن من ذلك بوفاته صلى الله عليه وسلم فيكون سنة، وكونها عشرين ركعة سنة الخلفاء الراشدين، وقوله صلى الله عليه وسلم: ” عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين”، ندب إلى سنتهم، ولا يستلزم كون ذلك سنته؛ إذ سنته بمواظبته بنفسه أو إلا لعذر، وبتقدير عدم ذلك العذر كان يواظب على ما وقع منه، فتكون العشرون مستحباً، وذلك القدر منها هو السنة، كالأربع بعد العشاء مستحبة وركعتان منها هي السنة، وظاهر كلام المشايخ أن السنة عشرون، ومقتضى الدليل ما قلنا فيكون هو المسنون، أي فيكون المسنون منها ثماني ركعات والباقي مستحب”.
وربما يشهد له ما ورد في الصحيحين عن أبي سلمة: «أنه سأل عائشة: كيف كانت صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رمضان؟ قالت: ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً لا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً، قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله، أتنام قبل أن توتر؟ فقال: يا عائشة، إن عيني تنامان، ولا ينام قلبي».
وقال المالكية: القيام في رمضان بعشرين ركعة أو بست وثلاثين واسع أي جائز، فقد كان السلف من الصحابة – رضوان الله عليهم – يقومون في رمضان في زمن عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنه – في المساجد بعشرين ركعة، ثم يوترون بثلاث، ثم صلوا في زمن عمر بن عبد العزيز ستاً وثلاثين ركعة غير الشفع والوتر.
وتأسيساً على مذاهب الفقهاء مع اختلافهم في عدد الركعات (11-13- 20-23-36)، فإنه يجب التفريق بين حالات، كما يلي:
أولاً: أن صلاة التراويح سنة مؤكدة، فيجوز للإنسان فرداً أن يصليها كلها أو يصلي جزءا منها، ولو ركعتين، أو أربعاً، أو كيف يشاء، سواء صلى مع الإمام في المسجد، أو صلاها في بيته.
ثانياً: أما إقامة التراويح في المسجد، فلا يجوز الخروج عما ورد من هيئاتها وعددها، فلا يجوز صلاتها أقل من إحدى عشرة ركعة، وذلك لما يلي:
- ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من أنه لا يجوز استحداث رأي جديد في مسألة قديمة، قال صفي الدين البغدادي الحنبلي: (قواعد الأصول (ص: 137): “وإذا اختلف الصحابة على قولين: لم يجز إحداث قول ثالث عند الجمهور”.
وقال القاضي أبو يعلى: (العدة في أصول الفقه (4/ 1113):” إذا اختلفت الصحابة على قولين، لم يجز إحداث قول ثالث، نصَّ عليه في رواية عبد الله وأبي الحارث: “يلزم من قال: يخرج من أقاويلهم إذا اختلفوا، أن يخرج من أقاويلهم إذا أجمعوا” وقال أيضاً في رواية الأثرم: “إذا اختلف أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يختر من أقاويلهم، ولا يخرج عن قولهم إلى من بعدهم”. وهو قول الجماعة. خلافاً لبعض الناس في قوله: “يجوز إحداث قول ثالث”.
- أن القول بالمنع يتوافق مع سد الذرائع؛ خشية أن يظن أن هذا من السنة، كما أنه مخالفة للهدي، فإن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وسلف الأمة وخلفها لم يصلوا التراويح جماعة أقل من إحدى عشرة ركعة.
- أن الفقهاء مختلفون في أفضلية صلاة التراويح في المسجد، كما هو رأي جمهور الفقهاء، وذهب المالكية إلى استحباب صلاة التراويح في البيت، واستدلوا بحديث مسلم: ” عليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة”.
- بدلاً من تغيير هيئة السنة، يمكن الاكتفاء بصلاة العشاء جماعة، وليصل الناس في بيوتهم صلاة التراويح جماعة مع ذويهم بهيئتها الشرعية.
- أن الأصل في عدد ركعات الصلوات توقيفية، وهي ليست محلاً للاجتهاد.
- أنه يمكن صلاة التراويح ثماني ركعات مع الوتر ويقرأ الإمام بضع آيات فيها، إقامة للسنة في الجماعة، على مذهب جمهور الفقهاء، ثم من شاء أن يصلي في بيته من الليل ما يشاء فليفعل.
وقد ذهب الإمام الكاساني الحنفي إلى تخفيف القراءة في صلاة التراويح جمعاً للمسلمين، وهذا في زمانه، فكيف بزماننا، وكيف بما حل بالناس من الأوبئة وفرض الحظر عليهم.
قال الكاساني (بدائع الصنائع 1/ 289 ط المكتبة العلمية ـ بيروت) : ما أمر به عمر – رضي الله تعالى عنه – هو من باب الفضيلة، وهو أن يختم القرآن أكثر من مرة، وهذا في زمانهم، وأما في زماننا فالأفضل أن يقرأ الإمام على حسب حال القوم، فيقرأ قدر ما لا ينفرهم عن الجماعة؛ لأن تكثير الجماعة أفضل من تطويل القراءة”.