مرت عقارب الساعة ببطء قاتل على الأم “أماني شُرّاب”، وهي تنتظر عودة طفلها “عزّام عويضة” (15 عاماً)، من منطقة الحدود، التي توجه لها صباحا، للمشاركة في مسيرات العودة.
وبعد غروب الشمس، قررت هي ووالده، البحث عنه في المشافي؛ لكنّ بيانات الجرحى والشهداء، كانت خالية من اسمه.
ووسط مشاعر القلق والخوف التي انتابت الأم (35 عاماً)، أبلغها محيطون، بوجود صورة متداولة على صفحات موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، لجريح “مجهول الهوية”، ويعاني من إصابة بالغة الخطورة، لتكتشف أنها لولدها “عزام”.
قرابة الساعة العاشرة ليلا، توجهت الأم “أماني” وزوجها “هلال عويضة”، للمستشفى الأوربي، جنوب القطاع، للاطمئنان على ابنهما، ولكنّ وضعه الصحي لم يكن مطمئنا البتّة، فقد كان مصابا بجراح مباشرة في رأسه، سببت تهتكا كبيرا في الجمجمة.
وما هي إلا ساعات ومع بزوغ فجر اليوم السبت، حتى أُعلن عن استشهاد الطفل “عزام”، ليرحل تاركا خلفه ألما في قلب والديه وذويه، لن تمحوه الأيام.
ويقول الطبيب صلاح الرنتيسي، مسؤول الوحدة الطبية التي أقامتها وزارة الصحة، في منطقة خزاعة الحدودية، لوكالة “الأناضول”: إن الطفل “عويضة” أُصيب برصاصة أطلقها قناص إسرائيلي على رأسه مباشرة.
وقال شهود عيان، لمراسل وكالة “الأناضول”: إن الطفل عويضة، كان يمشي وسط مسيرة تضم مئات الأشخاص على شارع يبعد قرابة 300 متر، بموازاة السياج الحدودي، قبل أن يصاب برصاصة في رأسه أسقطته أرضا، فيما تناثرت أجزاء من دماغه على الأرض.
واستُشهد 44 فلسطينيًا وفق وزارة الصحة في قطاع غزة، منذ انطلاق مسيرات العودة، في الثلاثين من مارس الماضي “يوم الأرض”، بينهم خمسة أطفال، دون سن 18عامًا، فيما أصيب أكثر من 7 آلاف فلسطيني.
تذكار الطائرة الورقية
وفي منزل عائلته بحي “الشيخ ناصر”، وسط مدينة خانيونس، جلست والدته، تبكي بحرقه، محتضنة طائرة ورقية، بدأ صغيرها في إعدادها، لكنّ رصاص الجيش “الإسرائيلي” منعه من إكمالها.
وتقول الأم الثكلى لمراسل وكالة “الأناضول”: إن ابنها كان يحب صناعة الطائرات الورقية، ويقوم بإطلاقها في الهواء، من فوق سطح منزلهم.
وتضيف إنه بدأ ليلة الخميس (قبل إصابته بيوم) في صناعة الطائرة، من ثلاثة عيدان خشبية وخيطين، وعلقها في الصالون، ولم يُكمل العمل بها.
ومازح الطفل عويضة والدته قائلا:” سأذهب للحدود وإذا استُشهدت انظري (للطبق/الطائرة)، وتذكريني”، قبل أن تنهره، وتطلب منه ألا يكرر هذا الحديث، داعية الله أن يحفظه من كل سوء.
لكنّ نبوءة ولدها تحققت، وتحولت المزحة إلى حقيقة، حيث رحل الطفل، وترك وراءه تذكاراً مؤلماً مكون من عيدان وخيوط.
وتقول والدته: كل جمعة يذهب ويشارك في التظاهرات السلمية، ويتمنى أن ينال الشهادة؛ فلا أعلم ما الدافع الذي يجعل طفلا كهذا يُفكر في طلب الشهادة.
وتضيف: كما أنني لم أتوقع أن يتم قتل طفل بريء أعزل، رغم أن الاحتلال سبق أن قتل كثيراً من الأطفال، ونحن أمام عدو لا يرحم أحدًا.
وتساءلت وهي تبكي بُحرقة: ما الذنب الذي اقترفه ابني ليتم قتله بهذه الفظاعة، بإطلاق النار على رأسه.
وتضيف: كيف لهؤلاء الجنود الجرأة أن يقوموا بهذا الفعل، ألم يُفكر الجندي الذي أطلق النار أن لديه أطفال كما نحن؟!
وأكملت: جيش الاحتلال لا يمتلك لا رحمةً ولا شفقةً ولا ضميرًا.
أما هلال عويضة (40 عامًا)، والد الطفل الشهيد، فبدت عليه علامات الصدمة، جليةً.
فالطفل عويضة كان الذراع الأيمن لوالده، حيث كان يعمل معه في ورشة ميكانيكا السيارات بعد أن ترك الدراسة.
ويقول عويضة لمراسل وكالة “الأناضول”: ابني كان ذكيًا وشُجاعًا، فالصفات التي تتوفر به، أكبر من سنه.
ويشير إلى أنه يمتلك ثلاثة أطفال فقط، أحدهم الشهيد عزام، وشقيقة له تكبره، وطفل لم يتجاوز الثامنة من عمره.
ويقول: الاحتلال أوغل في دماء شعبنا، فلم يترك الطفل، ولا الحجر، ولا الشجر، ولا الصحفي، ولا المرأة.
وأضاف: لا يكاد يخلو منزل فلسطيني من شهيد أو جريح أو أسير.
وأكمل مُتسائلاً: ما هو ذنب ابني، ما الجُرم الذي اقترفه، أيُعقل أن يُقتل طفل في مسيرة سليمة من ترسانة عسكرية وجنود مدججين بالسلاح؟!
وبعد أن صمت للحظات، استجمع فيها قواه، قال عويضة رافعاً نبرة صوته: ابني ليس خسارة في فلسطين وترابها، ابني فداء للأقصى، وسنبقى مستمرين ونقاوم حتى عودتنا لأرضنا.