أجبرت الأزمة السورية المستمرة منذ 8 سنوات اللاجئين الفلسطينيين على “الهجرة” من جديد، بل وأعادت لهم ذكريات “نكبة” لم يندمل جرحها منذ 71 عامًا.
فلم تكن مخميات اللجوء، الممتدة من جنوبي سورية وحتى شمالها، بمنأى عن الأزمة السورية واكتوى بنيرانها جميع اللاجئين، الذين وضعوا على مقصلة اللجوء مجددا.
وشكلت محطات اللجوء الجديدة بالنسبة لأغلب اللاجئين الفلسطينيين، مكان إقامة مؤقتا ريثما تضع الحرب أوزارها، وتسنح الفرصة لهم بالعودة إلى المخيمات الفلسطينية في سورية.
ويعد لبنان من أوائل الدول التي لجأ إليها “فلسطينيو سورية”، فقد بلغ عددهم قرابة 55 ألف نسمة وذلك في ذروة اللجوء قادمين من مخيمات دمشق ودرعا قبل أن ينخفض هذا العدد إلى 28 ألفًا بحسب آخر إحصائية لمنظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”.
وذكرت الوكالة الأممية أن قسمًا من اللاجئين الذي وصلوا لبنان عادوا إلى سورية، فيما هاجر غالبيهم إلى دول الاتحاد الأوربي بعد حصولهم على “لَم الشمل”، في حين كانت مصر وتركيا خيارًا لبعضهم.
أسوأ من الجحيم
وبيّن الناشط الاجتماعي والإغاثي محمود الشهابي -وهو فلسطيني من مخيم “اليرموك” للاجئين الفلسطينيين، الواقع إلى الجنوب من العاصمة السورية دمشق، مقيم في لبنان- أن الوضع المعيشي الصعب الذي يعيشه الفلسطينيون لعب دورًا في انخفاض أعداد اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سورية.
ووصف الشهابي في حديث لـ “قدس برس” الوضع بأنه “أسوأ من الجحيم، في ظل تفشي البطالة بينهم، والتي وصلت لأكثر من 90 في المائة في حين كانت تقديرات الأونروا للبطالة بين لاجئي فلسطينيي سورية في لبنان بـ 50 في المائة.
وتحدث الشهابي عن جوانب مما يعانيه الفلسطينيون السوريون في لبنان ومنها حرمانهم من العمل في عدة قطاعات بموجب القانون اللبناني رغم وجود اختصاصات وكفاءات بمختلف المجالات.
واستدرك بأن السلطات اللبنانية تغض الطرف أحيانًا بسبب الأزمة الخانقة التي تمر بها البلاد.
ونوه إلى ضعف أجور العمال التي يتقاضاها القلة الذين تمكنوا من الحصول على عمل وتتراوح بين الـ 10 دولارات إلى 20 دولارًا يوميًا في الوقت التي تصل فيه إيجارات المنازل من 200 دولار إلى 500 دولار شهريًا دون فواتير الكهرباء والماء.
وأوضح الناشط الفلسطيني أنه رغم أن الأونروا تقدم لكل عائلة مبلغ 100 دولار شهريًا بالإضافة لـ 27 دولار بدل طعام فإن أغلب الفلسطينيين السوريين متأخرين في دفع إيجارات منازلهم عدة شهور.
وأشار إلى تقصير الجهات الرسمية والمنظمات تجاه اللاجئين الفلسطينيين “الذي اقتصر دعمهم على الشهور الأولى لوصولهم إلى لبنان”.
وأشاد الشهابي بـ “التلاحم والتآخي بين فلسطينيي لبنان وسورية رغم الأوضاع المأساوية التي يعيشها فلسطينيو لبنان بالأساس”.
ونفى ما تتداوله بعض الصفحات “من وجود تنافر بين الطرفين”، مشيرا إلى أن ذلك لا يتعدى حالات طبيعية ناتجة عن الضغط النفسي على الجميع، وفق قوله.
واستبعد عودة اللاجئين في الوقت الراهن إلى سورية في ظل الدمار الهائل الذي طال المخيمات وبنيتها التحتية.
ويشكل اللاجئون الفلسطينيون بشكل عام ما نسبته 10% من مجموع اللاجئين في لبنان، بحسب الأونروا، وما نسبته 11 في المائة من مجموع السكان.
ويقيم أكثر من نصفهم في 12 مخيمًا منظمًا ومعترفًا به من قبل الأونروا؛ أشهرها مخيم “نهر البارد” و”البداوي” و”برج البراجنة” و”عين الحلوة”؛ الذي يصفه فلسطينيو لبنان بأنه عاصمة الشتات.
وكانت الأونروا تشرف على 16 مخيمًا رسميًا، دمرت منها ثلاثة أثناء سنوات الحرب وتحديدًا منذ عام 1974 وحتى عام 1976 ولم تتم إعادة بنائها من جديد وهي: مخيم “النبطية” في جنوب لبنان، ومخيم “دكوانة” (تل الزعتر) و”جسر الباشا” في بيروت، ومخيم رابع هو مخيم “جرود” في بعلبك تم إجلاء أهله منه ونقلهم إلى مخيم “الرشيدية” في منطقة صور.