لا تزال معاناة المصريين مستمرة خاصة محدودي الدخل منهم وتحديداً المرضى الفقراء، حيث طال لهيب الأسعار هذه المرة الأدوية، ومنها أدوية لأمراض منتشرة بين المصريين؛ كالضغط والسكر وغيرهما من الأمراض المزمنة، ولم يقف الأمر عند ارتفاع الأسعار، بل اختفاء بعض الأدوية مثل بنج الأسنان مما تسبب في معاناة كبيرة.
ومؤخراً، أكد رئيس شعبة الأدوية علي عوف، في مداخلة متلفزة، أنه جرى تحريك سعر بعض أصناف الأدوية جراء ارتفاع الدولار وتجاوز 19.30 قرشًا، موضحًا أن نسبة الزيادة بلغت بحد أقصى 20% لـ500 صنف تقريبًا.
وكان بنج الأسنان قد اختفى بشكل مفاجئ من الأسواق؛ مما أدى إلى شكوى كبيرة من مرضى وأطباء الأسنان، حيث توقف العمل ببعض العيادات بسبب هذا العجز.
وأرجع مختصون ارتفاع الأسعار لفوضى التسعير والعشوائية المتبعة، فضلاً عن سوء الإدارة في الإنفاق بمجالات أخرى، كمل أن ارتفاع سعر الدولار أثر على كافة السلع في البلاد، ولذلك تأثر القطاع الدوائي بطبيعة الأمر، مشيرين إلى أن عملية تسعير الدواء تتدخل فيها مجموعة عوامل سواء أسعار الخامات وآخر موعد تسليم والشحن وغيرها، ويصل عدد الأصناف الدوائية والعقاقير إلى 17 ألف عقار، وفق إحصاء هيئة الدواء المصرية؛ ما يعني أن الارتفاع الأخير شمل أكثر من 800 صنف دوائي وليس 500 فقط.
فوضى وعشوائية التسعير
وفي سياق تعليقه، قال وكيل وزارة الصحة المصرية الأسبق د. مصطفى جاويش: إن مصر تعاني من فوضى دوائية بسبب عشوائية التسعير، حيث التسعيرة الجبرية للدواء تخضع للقرار رقم (499) لسنة 2012، الذي يرتكز على وضع سعر للدواء في مصر بحيث يقل بنسبة 35% عن مثيله في 36 دولة على مستوى العالم، وبالتالي فهو تسعير عشوائي لا يخضع لمعايير حساب التكلفة الفعلية من مستلزمات الإنتاج والعمالة والتصنيع والنقل وهامش الربح، وتلك هي المشكلة الحقيقية، خاصة وأن 95% من مستلزمات الإنتاج في مصر مستوردة من الخارج، بداية من المواد الخام وحتى العبوات الدوائية والكرتون وأحبار الطباعة، ومن ناحية أخرى، فإن 60% من سوق الدواء في مصر تتحكم فيها شركات كبرى متعددة الجنسيات، ونسبة 36% بالقطاع الخاص، وبالتالي فإن الهيئة المصرية للدواء تعاني فعلاً من ضغوط حقيقية.
وأضاف جاويش لـ”المجتمع”: الحل، من وجهة نظري، هو إلغاء قرار وزير الصحة المشار إليه الذي صدر زمن حكم المجلس العسكري، وقيام هيئة الدواء المصرية بدورها في صياغة قرار جديد، خاصة وأنها هيئة مستقلة تتبع مجلس الوزراء مباشرة، حسب القانون رقم (151) لسنة 2019 والخاص بإنشائها، ويمنح رئيسها درجة الوزير ولها صلاحيات واسعة في ضبط سوق الدواء المصرية.
وأوضح أنه لحين تحقيق ذلك التعديل فلا بد من ضخ تمويل حقيقي من موازنة الدولة لدعم سعر الدواء بدلاً من الاعتماد على موارد صندوق الطوارئ الصحية والقائم أساساً على فرض رسوم على المواطنين وعلى جمع التبرعات.
سوء إدارة وسَفه غير مبرر
ومن جانبه، قال الخبير الصيدلي د. أحمد رامي: بالنسبة لارتفاع الأسعار، رغم أنها تتم داخل مصر، ويتم إنتاجها محلياً، فإنها تعتمد بصورة أساسية على استيراد المواد الخام من الخارج في ظل تدهور الجنيه المصري وارتفاع سعر الدولار نتيجة الأوضاع الاقتصادية الراهنة، فينعكس ذلك على أي مكوّن مستورد، فترتفع نسبة الإنتاج على المصانع، وأن ذلك طبيعي في ظل غياب تأمين صحي سليم، رغم أن النظام قد وعد أكثر من مرة بإنشاء منظومة للتأمين الصحي؛ وبالتالي فإن المواطن يدفع تكلفتها من دخله الخاص، ويجعل من ذلك عبئاً على المواطن المصري.
وأضاف رامي لـ”المجتمع”: أما بالنسبة لمشكلة بنج الأسنان، فإنه اختفى كلياً من المستشفيات التابعة لوزارة الصحة والحكومة، والمورد الرئيس له هيئة الشراء الموحّد برئاسة اللواء بهاء زيدان، وامتنعوا عن التوريد للمستشفيات نتيجة قلة الموارد في ظل إنفاق الأموال في سفه وترف، إلا أنه ليس هناك مخصصات لهذه الأمور، ولذلك اختفى البنج كلياً حتى من بعض العيادات وتم توقف العمل بها.