“شيرين.. نزلت تحجز كعك فرحها مع والدتها ومرجعتش ومش عارفين مكانها”.. بهذه الجملة، واصل نشطاء وناشطات مصريون حملتهم على صحفتهم على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” تحت عنوان “معاً لمحاربة خاطفي الأطفال” لمواجهة الظاهرة المتصاعدة في مصر في الفترات الأخيرة، خاصة في شهر رمضان المعظم، مع حديث مقلق مع ارتباط الظاهرة بجريمة سرقة الأعضاء البشرية، التي تعترف الحكومة بخطورتها وأصدرت بمساعدة البرلمان تعديلاً تشريعياً جديداً لمواجهة الخطر.
قصص متواترة
شيرين رمضان شعبان، طالبة بالصف الثاني الثانوي الصناعي، في مدرسة بيلا الثانوية الصناعية بكفر الشيخ، خرجت من المنزل منذ 5 مايو الجاري لحجز كعك فرحها ولم تعد مرة أخرى إلى المنزل، حالة من الرعب والخوف يعيشها أهل شيرين عقب اختفاء ابنتهم، أثناء ذهابها للمدرسة لأداء امتحانات نهاية العام، ويقول أحد أقاربها: “راحت مع أمها يحجزوا لتجهيزات الكعك والبسكويت عشان فرحها بعد العيد، وبعدها سابتها وراحت امتحانها”، مضيفًا أن أهالي القرية كلهم في حالة قلق بسببها.
البداية كانت يوم 5 مايو الجاري، عندما توجهت شيرين برفقة والدتها لقرية الكراكات، التابعة لمركز بيلا، للاتفاق مع متخصص في صناعة وخبز الكعك والبسكويت، للتجهيز لزفافها، الذي تحدد في عيد الفطر المقبل، وأمرتها والدتها، بالتوجه لمدرستها، لأداء الامتحان، وفي نفس هذا اليوم، تلقت والدتها اتصالًا من زميلاتها، يستفسرن عن سبب تخلفها لأداء الامتحان، ما أصاب والدتها بالدهشة، وأبلغتهن أنها توجهت فعلًا للامتحان، ولكن زميلاتها أبلغن والدتها، أنها لم تحضر الامتحان، وكان الاتصال حوالي الساعة الواحدة ظهرًا، لتنقلب الأمور، رأسًا على عقب، وبدأت عملية البحث عنها، على مدار 4 أيام، ولم يظهر لها أثرً”، وعلى الفور توجه أهالي شيرين لمركز شرطة بيلا، وحررت الأسرة المحضر رقم (2486 لسنة 2018، إداري مركز شرطة بيلا)، بشأن غيابها، وجاري أنها إجراءات عمل تتبع لهاتفها المحمول، وتفريغ آخر مكالمات أجرتها.
وتقول شيرين السيد مسؤولة بالحملة: “نعم إنها ظاهرة، ومن يقول غير ذلك فقد ضلل العالم أجمع، عندما تقول كلمة خطف أطفال في أي مكان في العالم سوف يقول لك على الفور مصر، عندما تدخل على “جوجل” من داخل وخارج مصر سوف يعطي لك النتيجة خطف الأطفال في مصر، حتى من قبل عدة سنوات كانت تشاركنا الكارثة تونس والجزائر ولكنها استطاعت التغلب على ذلك ووقف الخطف الذي كان بنسبة خفيفة جداً، ورغم ذلك اعتبروه كارثة واستطاعوا التخلص منها، ولم يبق في العالم كله خطف وبيع وشراء أطفال إلا داخل جمهورية مصر العربية”.
وكثير ما يتداول المدونون والمغردون على مواقع التواصل الاجتماعي قصصاً عن الخطف، تتبعها تحذيرات من الإهمال في متابعتهم والحفاظ عليهم من مافيا الأعضاء البشرية وطالبي الفدية، ويتداول النشطاء في الأيام الأخيرة قصة متواترة عن سيدة في منطقة روكسي بضاحية مصر الجديدة أحد الأحياء الراقية في مصر، تتحدث مع أخرى بحدة وعصبية قائلة: “الناس مبقتش تنزل بعيالها أعملكوا إيه أروح أخطفهم من بيوتهم”! وكيفية إنقاذ طفل من الخطف بعد هذه المحادثة.
ومن أشهر حالات الاختطاف في مصر، خطف حفيدي رجل الأعمال المصري الشهير عثمان أحمد عثمان، مؤسس شركة المقاولون العرب، التي أسدلت محكمة الجنايات الستار عليها في أبريل الماضي بإصدار حكم رادع ضد الخاطف الذي طلب قبل توقيفه دفع فدية مالية بلغت ٥ ملايين جنيه، وقضت برئاسة المستشار عادل أبو المال، بالسجن المؤبد للمتهم حسين محمد تهامي في القضية رقم (4348 لسنة 2012 جنايات الجيزة).
الدراسات تكشف
وفي دراسة ميدانية حديثة لمركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية المقرب من السلطات عن عمليات خطف الأطفال، كشفت عن أن هناك 856 حالة “خطف وطلب فدية” خلال عام 2012، أما في عام 2013 وصل العدد إلى 1860 حالة “خطف”، بالإضافة إلى نحو 1700 حالة في عام 2014، وأن آخر رقم رسمي كان من خط نجدة الطفل عام 2015 وهو 412 حالة، بمعدل حالتين في اليوم، ولم تصدر بعدها أي أرقام من أي جهة رسمية، كما أشارت الدراسة إلى أن هناك أكثر من 3 آلاف طفل مفقود في مصر حتى هذه اللحظة، مؤكدة أن 30% فقط من حالات الخطف يتم الإبلاغ عنها في حينها، و70% تتأخر مما يعطل الإجراءات الأمنية خوفاً على أرواح المختطفين، و88% تكون بسبب طلب فدية وابتزاز دون معرفة سابقة بأسرة المختطف، وأن 95% من حالات الخطف لغرباء ورجال أعمال لطلب فدية مرتفعة، و70% كانوا يستجيبون لمطالب دفع الفدية.
وبحسب رئيس المركز د. عادل عامر في دراسة أخرى موجزة له بعنوان “ظاهرة خطف الأطفال في مصر” أن ظاهرة اختطاف الأطفال ليست وليدة اليوم، ولكنها تزايدت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة التي أعقبت الثورة نتيجة انشغال الأمن بمحاربة الإرهاب؛ ما أعطى فرصة للخاطفين للقيام بأعمالهم الإجرامية؛ لأن تلك الظاهرة تهدد المجتمع بأكمله، خاصة أن هناك تقصيرًا في تطبيق القوانين في مصر برغم من كون تلك القوانين كافية لحل الأزمة لأن ظاهرة حالات اختفاء وخطف الأطفال قد ازدادت في الآونة الأخيرة.
ووفق تقرير ميداني صادر عن “المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة” في عام 2015، احتل الريف المرتبة الأعلى في معدل انتشار الظاهرة، وذلك نتيجة تدني مستويات الخدمات وارتفاع مستوى الفقر نسبة إلى المدن، وشهد الريف 70% من حالات اختطاف الأطفال مقابل 30% فقط في الحضر والمدن.
تعديل تشريعي
الأزمة وصلت إلى البرلمان الحالي منذ مطلع العام الجاري، بعدما شهدت الفترة الأخيرة مطالبات عديدة بوضع عقوبات رادعة لكل من تسوّل له نفسه خطف طفل من أسرته، الأمر الذي دفع مجلس النواب إلى الموافقة بشكل نهائي على تعديلات قانون العقوبات خصوصاً الإجراءات المتعلقة بتنفيذ عقوبة الإعدام في حالة مواقعة المخطوف أو هتك عرضه، ضمن تعديلات المادة (289) من قانون العقوبات للحد من جرائم الخطف في مصر.
وكانت الحكومة قد تقدمت بتعديلات على قانون العقوبات، خلال العام الماضي ووافقت عليه اللجنة التشريعية بالبرلمان، قبل التعديل النهائي الذي وافقت عليه في يناير الماضي ونص فيما يخص الخطف على أن: “كل من خطف من غير تحايل ولا إكراه طفلاً يعاقب بالسجن المشدد مدة لا تقل عن عشر سنوات، أما إذا كان الخطف مصحوباً بطلب فدية فتكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن خمس عشرة سنة ولا تزيد على عشرين سنة، ومع ذلك يُحكم على فاعل جناية الخطف بالإعدام أو السجن المؤبد إذا اقترنت بها جريمة مواقعة المخطوف أو هتك عرضه”.