لم يمر عيد الأضحى في مصر دون اعتقالات جديدة، طالت هذه المرة قيادات وكوادر محسوبة على مظاهرات 30 يونيو 2013، التي دعمت في وقت سابق رئيس النظام المصري الحالي عبدالفتاح السيسي، على خلفية مبادرة سياسية أطلقها السفير معصوم مرزوق، كانت سبباً في توقيفه وآخرين وحبسهما في وقت لاحق بعد العيد 15 يوماً على ذمة تحقيقات أشعلت الحديث عن التوحد في صفوف المعارضة بالتزامن مع تضامن لافت من تيار دعم عودة د. محمد مرسي ورفض الإطاحة العسكرية به في 3 يوليو 2013.
التوقيف طرح سؤالاً بات رائجاً في أوساط الساسة وهو: هل تكون اعتقالات العيد سبباً في توحد المعارضة المصرية أم يستمر المقام بالسجون؟!
أحالت “المجتمع” السؤال إلى فاعلين وبارزين في المشهد المعارض، وكانت إجاباتهم كاشفة عن اختلاف مستمر لكنه يتمسك بروح التغيير، كل حسب رأيه انطلاقاً نحو إنقاذ مصر.
هي الحل
“المجتمع” سألت القيادي الطلابي البارز أحمد البقري الذي أحالته تغريداته حول التضامن مع السفير معصوم مرزوق إلى متهم بقيادة مخطط إخواني لتوحيد قوى المعارضة، بحسب صحف السلطات المصرية، فقال: “لا سبيل أمام رفقاء يناير للتخلص من هذه السلطة القمعية الفاشية إلا التوحد، فإن استمرار الانقسام والتشرذم واستدعاء أخطاء الماضي دون وعي وإدراك أن الفاعل الرئيس في كل أحداث الوقيعة بين الجميع كان قيادات العسكر خطر شديد على مصر ومستقبلها”.
وأضاف أنه “بالفعل توحدت المعارضة داخل السجون فلم يفرق حكم الجنرال بين إسلامي وليبرالي وعلماني وحتى عسكري سابق جميعهم في السجون لمجرد أن قالوا له: “ارحل يا فاشل”؛ وبالتالي فالاصطفاف إن لم يكن اليوم فسيكون حتماً غداً، ولكن هل سندرك هذا بعد تفريط النظام في قطعة أرض مصرية أخرى؟!”.
القاضي محمد سليمان، أحد ما يعرف بـ”قضاة البيان” لرفض انقلاب 3 يوليو 2013 غير الدستوري كما يراه، الذي كان سبباً في الإطاحة به من منصبه في السلطة القضائية، يرى في تصريح خاص أن اعتقالات العيد تزيد السخط على نظام السيسي، وتكشف تعاظم قمعه ضد معارضيه جميعاً حتى من غير التيارات الإسلامية.
رغم ما سبق، فإن القاضي سليمان يؤكد أن “هذه الاعتقالات لن توحد المعارضة إلا عندما يعترف الليبراليون وأنصار التيار المدني بحقيقة الوضع، وأن شيطنتهم لفصيل الإخوان المسلمين كانت بغير حق، مضيفاً أنهم ذاقوا من الظلم مثلما يذوق الإخوان من عشرات السنين في صراعهم في الأنظمة العسكرية الدكتاتورية، فإذا تنبهوا لذلك وأدركوا حقيقة الصراع وأن 3 يوليو كان انقلاباً دعمته “إسرائيل” وأمريكا والغرب تآمرا على مصر حينها يمكن الحديث عن توحد في مواجهة ذلك النظام الباطش، أما دون ذلك فلن يحدث توحد وليس لها من دون الله كاشفة”.
ضبط المرحلة أولاً
رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري في الخارج د. عمرو عادل، طرح اتجاهاً مغايراً للتفاعل مع سؤال الساسة الحالي، قائلاً: “الآن حان وقت ضبط الأسئلة قبل الإجابات، وأعتقد أن إعادة صياغة السؤال مهمة لتكون: هل ضبطت الاعتقالات الأخيرة موجة الاستجداء التي عبر عنها سيل المبادرات التي اندلعت منذ عامين أم سيستمر عرض سيرك المعارضة المصرية أمام العسكر؟”.
د. عادل يرى أن المسار الثوري أجدى في ظل واقع غير قابل للعمل السياسي، ويقول: “نحن فقدنا ما يقرب من ثلاث سنوات في محاولات بائسة لفرض مسار خاطئ وحصار الشارع بفكرة أن ما يحدث أزمة سياسية قابلة للحل بأدوات العمل السياسي، ونحن لن نلتفت لكل هذا العبث ثانية، وسنركز على المسار الثوري الذي ندعو له منذ ثلاث سنوات ونبني أنوية بالداخل لتفعيل العمل الثوري الحقيقي، أما المعارضة التي ستكمل في هذا المسار فهي تستمتع بالسجون لأسباب مجهولة يسألون هم عليها وبالتالي لا يلام المستمتعون”.
المخرج الشاب عز الدين دويدار الذي حضر حراك الثورة المصرية من يناير 2011 حتى فض اعتصام رابعة العدوية في عام 2013، يميل كما يقول إلى الواقعية، ويضيف: “رغم يقيني أن الخلافات بين قوى المعارضة أكبر من أن تسمح بالتوحد أو التلاحم في مشروع واحد في مواجهة النظام العسكري، فإنني لا أرى أن المعارضة المصرية تملك في الأصل شيئاً تقدمه للثورة أو للمصريين سواء كانت منفردة أو مجتمعة”.
ويرى دويدار أن كل فصيل مصري معارض الآن لديه ما يكفي من مظاهر التحلل الداخلي بما لا يسمح لها أن تضع نفسها في معركة حقيقية مع النظام العسكري، فالموجودون في السجون من كل التيارات في حال من العجز لا يسمح بالتعويل عليهم، والموجودون خارج السجون من المعارضين المصريين في حال من قلة الحيلة وانعدام الرؤية وانعدام الأمل وانعدام الإرادة بما لا يسمح بالتعويل عليهم، وفق رأيه.
وأضاف أن أي حديث الآن عن الوحدة والتوحد والاصطفاف وغيرها من الشعارات هو من قبيل الانفصال عن الواقع، وعدم إدراك الواقع الجديد بعد انقلاب 2013 وتغير أدوات وقواعد الميدان.
الحرية للجميع
عملياً في المعسكر الآخر للمعارضة بات لافتاً مع الاعتقالات الأخيرة اتجاه الحركات الليبرالية واليسارية إلى خطاب تجميعي، بحسب المراقبين، وهو ما ظهر في بيان للحركة المدنية الديمقراطية (تجمع ليبرالي – يساري) في تعقيبها على اعتقالات العيد بقولها: “إن حملة القبض الأخيرة التي طالت مواطنين مصريين شرفاء، هي جزء من سياسة ممنهجة يتبعها النظام لإخراس أي صوت معارض لسياساته القمعية المعادية للحريات، يداري بها على فشله اقتصادياً واجتماعياً، بالادعاء المستمر أن هناك مؤامرات تحاك في الظلام ضد البلاد”.
الحركة دعت في بيان وصل “المجتمع” إلى الإفراج الفوري عن جميع من شملتهم الحملة الأمنية الأخيرة من أصحاب الرأي، والإفراج عن جميع المحتجزين بالسجون من المعارضين السياسيين السلميين غير المدانين في أي من قضايا العنف أو الإرهاب، في خطوة جديدة -بحسب المراقبين- في المطالبة بالإفراج عن قيادات الإخوان المسلمين وتحالفات رفض ما جرى في 3 يوليو 2013 في مصر وفض اعتصام رابعة العدوية.
حمدين صباحي المرشح الرئاسي الأسبق يرى، من جانبه، أن السلطة في مصر معادية لمصالح الشعب المصري، وتقبض على أصحاب الرأي وتودعهم في السجون لمجرد أنهم أظهروا كلمة حق في وجه سلطان جائر، مؤكداً أن تغيير هذه السلطة واجب على كل مصري.