أكد عدد من خبراء الإعلام أن ما يجري مع إعلاميي السلطة في مصر مثل عمرو أديب وتامر أمين وريهام سعيد يمثل نوعاً من الانقلاب للسلطة على إعلامييها وعقابا لهم، وهو ما حدث من قبل مع عدد آخر ممن ناصروا النظام وأيدوه في كل خطواته منذ أحداث 3 يوليو 2013م، ولم يشفع لهم ما قدموه من خدمات، وهو ما يعد انقلابا للسحر على الساحر.
وأكد الخبراء أن هذا يعد درساً لكل من يناصر الباطل، ويهلل له، مؤكدين أنها طبيعة الانقلابات في العالم كله وسلوك معروف قائم على التخلص من كل من يؤيد ويناصر حتي تخلو الساحة تماماً للسلطات، وتعيد إنتاج رجالها وإعلامها حسب رؤيتها دون النظر لأي شيء آخر.
وكانت لجنة الشكاوى بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام حققت مؤخراً مع الإعلامي عمرو أديب مقدم برنامج “الحكاية” على قناة إم بي سي مصر، في شكوى من صيدلي يتهمه فيها بإهانة الدواء المصرى مما تسبب فى إحباط المرضى بحديثه عن بعض الأدوية؛ وهو ما يعد مخالفة للمعايير الإعلامية” بحسب الشكوى.
وكان كل من الإعلامية ريهام سعيد والإعلامي تامر أمين قد مثلا أمام الأعلى للإعلام في شكوى من المجلس القومي للمرأة بتهمة التهكم على المرأة، وتم إيقافهما عن العمل.
بين الاستغناء والتأديب
وفي تعليقه على هذا الامر يقول مصطفى خضري -رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام-: “إن الاستمرار في بلاط الطغاة يمثل أكبر المعضلات التي تقابل العاملين في حقل الإعلام؛ فالصحفيون والإعلاميون الذين يستمرئون خدمة السلطة المستبدة، خاصة في بداية صعودها على العروش يمر عليهم بعض الوقت الذي يصدقون فيه أنهم شركاء لها، ولهم عليها حقوق، ومنهم من يخونه لسانه في الجلسات الخاصة فيصرح بما فعله ويفعله لصالحها، وهنا تبدأ السلطة في عمليات الاستغناء عن فريق وتأديب آخر، ويصل الأمر أحيانا إلى أكثر من ذلك فيما يعد بمثابة انقلاب السحر على الساحر”.
ويضيف خضري في تصريحات خاصة لـ”المجتمع”: “لقد تخلص النظام من إعلامييه؛ وهذا ليس بدعاً في التاريخ؛ فالعلاقة بين الطغاة وبلاطهم تخضع دائماً لقاعدة (كلما زاد القرب زاد العقاب)، وعندما يكون الحاكم عسكرياً تزيد على ذلك قاعدة أخرى تقول: (استقرار خدم البلاط يفتح الطريق للانقلاب على الحاكم)، وعلى ذلك أصبح تدوير خدم البلاط خوفاً من مراكز القوى هو ديدن الطغاة على مر العصور”.
ويؤكد خضري أن النظام لا يحفظ جميلاً لأحد، ولا يوجد في السياسة ما يسمى بـ”الجميل”؛ فالعمل السياسي مبني على تبادل المصالح، وقد استفاد كل إعلاميي السلطة طوال الفترة السابقة مالياً وأدبياًَ، وجاء الآن وقت دفع الفواتير المتأخرة.
وينهي كلامه بالقول: “هذا النظام الذي أصبح علامة فارقة في تاريخ مصر الحديث، خاصة أنه أتى بعد ثورة ٢٥ يناير، التي تنسم المصريون فيها هواء الحرية، ومع تدني هذا النظام فقد ألحق ببلاطه كل مرتزق في كل المجالات، وجاءت النتائج مبكراً؛ فقد أضحى كل ما يقوم به هؤلاء المرتزقة عبئا على النظام نفسه، وكل ما أراد أن يتخفف من هذا العبء استبدل به من هم أكثر تدنياً، وهكذا أصبح النظام يتخبط في أرازل بلاطه، ويعاني من تدني مستواهم الفكري والإنساني”.
تغيير المشهد برمته
أما الكاتب الصحفي خالد الشريف فيقول: “هؤلاء الإعلاميون الذين باعوا ضمائرهم بثمن بخس، زيفوا الحقائق، وساندوا الظلم، وباركوا الدماء وقتل الحريات، ونافقوا الحاكم.
اليوم انتهى دورهم والسلطة تريد تغيير المشهد برمته حتى الرموز الإعلامية المساندة والداعمة، وهذه طبيعة تلك الأنظمة يأكل بعضها بعضاً، وهذه من المبشرات؛ حيث أن الثورة تتسع وغضب الجماهير يتصاعد والطغيان يتآكل”.
ويضيف الشريف في تصريحات خاصة لـ”المجتمع” أنه من الغريب بعد أكثر من عشر سنوات يتم اكتشاف أن هؤلاء يرتكبون مخالفات مهنية، وأنهم ليسوا أعضاء نقابة فجأة، مع أنهم من أركان كهنة المعبد، لكنه الخداع المستمر للشعب الذي يعي الحقائق جيداً، وأعتقد أن السلطة تحتاج لوجوه جديدة في المشهد الإعلامي الذي سيكون مشهداً أكثر نفاقا وشمولية وتمجيدا للسلطة”.
تخبط إعلامي
ومن جانبه يقول الإعلامي مصطفى إبراهيم في تصريحات خاصة لـ”المجتمع” إن إحالة الإعلاميين للمحاكم هو أصدق تعبير عن حالة التخبط الإعلامي بعد أحداث 3 يوليو”، مبرراً ذلك بأن “ما قالته ريهام سعيد بحق البدينات والبدناء سبقها إليه مسؤول كبير، بالحديث عن أوزان الناس وضرورة عمل ريجيم إجباري للشعب والمشي على الأقدام للتخلص من البدانة ومع ذلك تم إيقافها”.
وأشار إبراهيم إلى أن واقعة إحالة الإعلامييْن تعد تلميعاً لوجه النظام الذي بدأ يشعر بتراجع تأثير أذرعه الإعلامية، وقد اعترف بذلك توفيق عكاشة في برنامجه التلفيزيوني مؤخراً، حيث تحسر على فقدان تأثير الوسائل الإعلامية التابعة للسلطة على عقول ووعي الجمهور بعدما أصبح الانهيار هو السائد في كل مناحي الحياة في مصر، وهو ما كشف زيف وكذب ونفاق المنظومة الإعلامية.
وتوقع أن يتم التعامل مع هؤلاء الإعلاميين بطرق ملتوية لاستكمال عملية خداع الشعب المصري بعد تنفيس الغضب وتوجيهه للأدوات الإعلامية وليس إلى السلطة القائمة، متوقعاً أن تتم تسوية أوضاعهما وقيدهما بنقابة الإعلاميين، ونقلهما إلى قنوات أخرى بأسماء برامج جديدة، أو عودتهما إلى منابرهما الإعلامية الحالية لكن بعد فترة، وبعد هدوء الأوضاع ونسيان الجمهور ما حدث.