تواجه الأقليات المسلمة في العصر الحديث عددا من التحديات المتنوعة والمتعددة في ضوء تزايد أعداد تلك الأقليات -سواء في تلك البلاد القاطنة فيها تلك الأقليات بالفعل وتشكل مكونا رئيسا من مكوناتها القومية كما في بعض دول إفريقيا على سبيل المثال والصين، أو تلك البلاد التي هاجر إليها المسلمون منذ عقود واختاروا تلك البلاد للعيش الدائم فيها هم وأسرهم كما في بعض بلدان الغرب واستراليا- وقد شكلت المتغيرات المعاصرة نحو المسلمين بصفة عامة والأقليات بصفة خاصة عاملا من عوامل تهديد الهوية الإسلامية والتنشئة على مبادئ العقيدة والثقافة الإسلامية.
إن واقع الأمر فيما يتعلق بالحالة الثقافية للأقليات المسلمة يؤكد لنا وجود العديد من التحديات والمعوقات التي من شأنها إضعاف العمل الثقافي الإسلامي في نفوس أبناء الجاليات والأقليات المسلمة. إذ أن الحقل الثقافي يعتبر أبرز الحقول المتأثرة بالمتغيرات والتحولات الدولية الراهنة خاصة على مستوى اشتداد الصراع الثقافي وسيادة الثقافة الغربية في كل الميادين…وهذا الأمر يزداد تفاقمًا عندما يتعلق بأبناء الجاليات والأقليات المسلمة التي تعيش في بيئة غير إسلامية حيث يتم تنشئة الأجيال الجديدة من أبناء المسلمين في مؤسسات لم توضع لهم أصلاً[2].
من هذه التحديات التي تواجهها الأقليات المسلمة ما يعرف بتحدي التشريعات السياسية والتي تعمل على مواجهة النشاط الثقافي والتربوي للأقليات المسلمة، كذلك التحدي الإعلامي المتمثل في تأجيج الشعور بالكراهية ضد الأقليات المسلمة فيما عرف بظاهرة “الإسلاموفوبيا”، والتحدي الثالث وهو التحدي الأكثر خطورة وهو تحدي الهوية والثقافة، والذي يشكل التعليم الديني – موضوع هذه الحلقات مرتكزا رئيسًا لمواجهة هذا التحدي-.
نقصد بالتعليم الديني – هنا – تعليم الأصول الإسلامية التي لا يستقيم إيمان المسلم إلا بتعلمها وهذه الأصول هي القرآن الكريم والسنة النبوية، بالإضافة إلى ما يشكل الجانب الثقافي للشخصية المسلمة من السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي، وكذلك ما لا يسع المسلم جهله من الأحكام الفقهية الضرورية لممارساته العبادية مثل الصلاة والزكاة والصوم والحج ووجوه المعاملات الاقتصادية والاجتماعية… وكل ذلك لا يمكن أن يتأتى إلا من خلال نظام تربوي وتعليمي واضح المعالم من حيث الفلسفة والمقررات والمؤسسات المجسدة.
إن التعليم الديني بالنسبة للمسلم ليس مجرد مجموعة من المعلومات النظرية والمعارف الأخلاقية بغرض الحصول على شهادة مدرسية أو جامعية، ولكنه في حالتنا هذه مدخل مهم للإنسان المسلم يظهر في مجالات سلوكه وتفاعلاته اليومية، وأنشطته الاجتماعية والفكرية والفنية، ومن ثم فإن مجرد العمل على توفير حاضنة للتعليم الديني، وإغفال العمل على توفير مناخ يسمح ويقبل: فضلاً عن أن يعزز هذا السلوك وذلك النشاط، أمر يصبح جدواه قليل بالنظر إلى المقاصد الرئيسة للتعليم الديني. ومن ثم فإن رؤيتنا لهذا النوع من التعليم ومتطلبات وجوده يقوم على اعتباره – أي التعليم الديني – بمقاصده المذكورة في حالة من التفاعل مع مؤسسات اجتماعية قائمة ومجسدة ومناخ يسمح بتحقيق ثلاثة قيم رئيسة هي القبول، والتعزيز، والتنمية.
نناقش في عدد من الحلقات ما يتعلق بطبيعة هذه الإشكالية وأبعادها في أوساط الأقليات المسلمة في العالم الحديث، كما نطرح عددًا من الحلول التطبيقية والتربوية لمواجهة هذه التحديات، بما يُمَّكِن لممارسة التعليم الديني لدى الأقليات المسلمة. ونتناول في الحلقات القادمة الموضوعات التالية، بإذن الله..
- نبذة عن خارطة الأقليات المسلمة في العالم والعوامل المؤثرة فيها.
- التعليم الديني والهوية الإسلامية للأقليات.
- التحديات التي تواجه التعليم الديني لدى الأقليات المسلمة.
- مقترحات لمواجهة تحديات التعليم الديني لدى الأقليات المسلمة.
يتبع إن شاء االله تعالى..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] أستاذ أصول التربية المساعد- جامعة دمياط.
[2] المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة: استراتيجية العمل الثقافي خارج العالم الإسلامي، 2009، ص14.