– “الإخوان” أكبر مؤسسة أهلية في العالم لكنها تعرضت لخلافات نالت من مصداقيتها
– الظروف التي تعرضت لها الجماعة تسببت في تباين وجهات النظر
– هناك تعمد من قبل السلطات بالإمعان في الإساءة للسجناء والتشفي فيهم
– لا بد من حملة دولية للإفراج عن السجناء وإجراء تحقيق بشأن مقتل العريان
– اعتصام رابعة كان رمزاً للحرية وتم التعامل معه بعنف غير مسبوق
– علينا أن نتجاوز البكاء على الماضي والبحث عن آلية لرد حقوق الشهداء
– تجربة برلمان الخارج كانت لفضح السلطات وليس مؤسسة بديلة
– دعوات المصالحة يمكن تفعيلها إذا صدقت النوايا وقدمت التنازلات
– المعارضة لم تعد قادرة على مواجهة السلطة وتحتاج إلى التوحد
– ضعف الأداء في مواجهة قوى الثورة المضادة وإحسان الظن بهم كان خطأ إستراتيجياً
قال القيادي بجماعة الإخوان المسلمين د. جمال حشمت: إن جماعة الإخوان المسلمين تعد من أكبر الكيانات الأهلية في العالم، وتتمتع ببناء متين ومؤسسات قوية، ولكن الظروف التي تعرضت لها مؤخراً أدت إلى تباين وجهات النظر وصلت لخلافات نالت من مصداقية الجماعة.
وحول ما يعانيه السجناء داخل مصر من أبناء الجماعة وكافة التيارات، أكد حشمت، في حواره لـ”المجتمع”، أن هناك تعمداً من قبل السلطات بالإمعان في الإساءة للسجناء والتشفي فيهم، وعدم التعامل معهم طبقاً لأي معايير، بل محاولة قتلهم بكل الطرق، وهو ما حدث مع د. عصام العريان مؤخراً، ومن قبله د. مرسي بمنع الأدوية عنهم، هناك خطة ممنهجة للخلاص من السجناء وعلى رأسهم القيادات.
وطالب، في الذكرى السابعة لفض اعتصام رابعة والنهضة، بتجاوز الآلام وعدم البكاء على أحداث الماضي والبحث عن آلية للقصاص للشهداء واستعادة حقوقهم، واصفاً ما جرى بأنه عنف مقصود لإخافة الشعب المصري.
كما وصف الأوضاع بأنها تسير من سيئ إلى أسوأ، وأن السلطات تمارس القمع ضد المصريين بشكل ممنهج، وتمارس عليهم الجباية بأبشع الطرق، وتتآمر على مقدرات البلاد والعباد.
كما تناول الحوار عدة موضوعات أخرى سواء ما يخص توحيد المعارضة أو برلمان الخارج وغيرها.
جماعة الإخوان
نبدأ بملف الجماعة، كيف ترى وضع جماعة الإخوان المسلمين الآن بعد مرور 7 سنوات على هذه المحنة؟
– “الإخوان” هم أكبر مؤسسة أهلية في العالم، وهي منظمة قائمة على فكرة إسلامية خالصة تجمع على قدر اجتهادها بين الأصالة والمعاصرة، وما زالت الشخصيات التاريخية في قيادتها لهم التأثير الأكبر على مسارها، وهو أمر لا يخلو من اجتهاد خاطئ أحياناً أو اندفاع نادراً ما يحدث، ولا يمكن السيطرة عليه حتى منذ أيام الإمام الشهيد المؤسس (حسن البنا)؛ لذلك بعد هذه الصدمة الكبرى التي أصابتهم بعدما شاركوا في ثورة يناير وحازوا ثقة الشعب المصري وصار منهم أول رئيس مدني منتخب بحق منذ آلاف السنين، وتحركت ركائز الثورة المضادة وقيادات العسكر المصنوعين على أعين أعداء الأمة، وباختيارهم في كل المستويات، وفي ظل تآمر إقليمي ودولي وجهل شعبي تبنى تشوهات الإعلام المصري الذي تم شراؤه، ثم أعقب ذلك حملة تخوين وتشويه واعتقالات للإخوان موسعة شملت كل مستوياتهم وأغلب مؤيديهم، ثم تجاوز الأمر لكل من ينتقد نظام العسكر حتى من بين المؤيدين للسلطات في بداياته، وتحولت مصر إلى سجن كبير.
وماذا عن الانقسامات والخلافات داخل الجماعة؟
– لا شك أن هذا المناخ أثَّر في الجماعة بشدة، وانقسمت الآراء في كيفية التعامل مع الموقف، وحدثت خلافات نالت من مصداقية الجماعة أحياناً في بعض المواقف، لكنها لم تفتتها، بل حافظت على موقف ثابت اتفقنا أو اختلفنا عليه، لكن ما زالت محاولات عديدة للتغيير والإصلاح قائمة عسى أن تستعيد الجماعة وحدتها وقوتها وتأثيرها على كل المستويات، إن شاء الله.
المعتقلون
ننتقل إلى ملف المعتقلين، كيف ترى هذا الملف وإمكانية الإفراج عنهم؟
– أعداد المعتقلين في ظل السلطات الحالية هم المادة التي تشغل الجميع؛ سواء الأمن لمزيد من التوحش، أو الشعب لمزيد من القمع وفرض الصمت، ولمن يود ممارسة المعارضة للعظة والاعتبار، ولأهالي المعتقلين للإشغال وإشاعة الحزن واليأس في قلوبهم وقلوب دوائرهم القريبة.
فقد تم إهمالها بالكامل، وترك للأمن أن يتشفى فيهم ويسيء معاملتهم ويحرمهم وأهاليهم من حقوقهم، بل وتعذيبهم وقتلهم بالإهمال الطبي أو التعذيب.
ماذا عن إمكانية الإفراج عن هؤلاء أو تحريرهم كأسرى؟
– تحرير الأسرى له وسائل متعددة، منها:
1- الحل السياسي، وقد تم تطبيقه بين أمريكا وأفغانستان مع “طالبان”.
2- وقد يشمل التفاوض المالي كفدية، مثلما حدث في سفارة أمريكا بإيران.
3- أو تبادل للأسرى، كما حدث مع الكيان الصهيوني ولبنان و”حماس”.
4- وهناك في ظل الاستسلام الكامل، مثل ما حدث بين نظام مبارك والجماعة الإسلامية.
5- العمليات العسكرية المحدودة، مثل تحرير رهائن مسرح موسكو.
6- العمليات الاستخباراتية، مثل عبدالناصر وتحرير السراج في سورية.
7- اقتحام للسجون في ظل ثورة شعبية، مثال الباستيل في الثورة الفرنسية، وبعض سجون مصر أثناء ثورة 25 يناير.
8- اقتحام عنيف لسجون في ظل حرب أهلية، كما حدث في أفغانستان والعراق.
9- التدخل العسكري الذكي، ومثاله مايكل كولينز، ونموذج الجيش الإيرلندي.
10- وأخير ممارسة الضغوط الدولية بفضح سياسة الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري وتعذيب المعتقلين في حملة تتجاوب معها المراكز الحقوقية والمحاكم الدولية.
وأعتقد أن الأوضاع في مصر ربما لا تتحمل سوى الإجراء الأخير الذي يحتاج لتجميع الجهود والسعي الجاد لتحرير المعتقلين من السجون.
وكيف ترى ما جرى للدكتور عصام العريان مؤخراً ووفاته بالسجن؟
– ما حدث للدكتور عصام هو جريمة قتل مكتملة الأركان، يجب فيها إجراء تحقيق دولي لوقف هذا العبث والانتقام الطفولي الذي يسيطر على مصر بعد 3 يوليو 2013.
اعتصام رابعة والنهضة
كيف ترى اعتصام رابعة والنهضة في ذكراه السابعة؟
– اعتصام رابعة كان نموذجاً لدولة الحرية والعدل والمساواة التي رغب فيها الشعب المصري ولم يحصل عليها، وقد كانت البدايات بعد انتخاب د. مرسي الذي كان مهيأ بطبيعته ليمثل الطهارة الثورية والرغبة الحقيقية للتغيير المطلوب لمصر بما يناسب آمال ثورة يناير، لكن ضعف الأداء في مواجهة قوى الثورة المضادة وإحسان الظن بهم كان خطأ إستراتيجياً، وربما هذا كان يناسب طبيعة جماعة الإخوان الإصلاحية.
وكيف ترى حجم العنف الذي تم التعامل به من جانب السلطات ضد المعتصمين؟
– مواجهة الاعتصام السلمي بهذا العنف المبالغ فيه كان مقصوداً للردع ونشر الخوف والفزع لإتمام السيطرة على المصريين، وستبقى مجزرة رابعة والنهضة وكل الوقائع في طول البلاد وعرضها نماذج للإبادة الجماعية التي لن تسقط وقائعها بالتقادم، وسيظل الأحياء من المسؤولين عنها تحت الطلب للمحاكمة والقصاص.
كيف يتم التعامل مع الحدث في ذكراه السابعة؟
– أرى أنه يجب أن يتحول من البكاء والندم والحزن على من استشهد وما طال الأحرار من بعدها إلى دافع وحافز لفضح المسؤولين، والسعي وراء محاكمتهم، وأن نتجاوز صور الحرق والقتل والتمثيل بالجثث إلى التركيز على القضية الأم؛ وهي الحرية والكرامة للشعب، يجب أن ندرك أن شهداء الثورة المصرية قد فازوا بعدما قدموا أغلى ما يملكون من أجل دينهم ووطنهم وحريتهم.
ماذا عن ملاحقة المسؤولين؟
– لا بد أن نراجع ما تم في العام الماضي من ملاحقة للمتسببين في هذه الجرائم، والانتصار لأسر الشهداء والمعتقلين للإفراج عنهم ولتخفيف المعاناة عن أهاليهم، ولتكريم كل من صار على درب حماية الحقوق والحريات على مستوى العالم، وذلك عن طريق مؤسسات متخصصة تنشأ لهذا الغرض.
برلمان الخارج
نذهب إلى نقطة أخرى متعلقة بتجربة برلمان الخارج، ولماذا فشلت تجربته، وأنت كنت رئيسه؟
– تجربة البرلمان المصري في الخارج لم تفشل في أداء المطلوب منها، فإذا تصور البعض أن المطلوب منها اعتراف الدول بها وتمثيل الشعب المصري بشكل كامل فهو واهم، لقد تمت انتخابات البرلمان المصري في الخارج في وقت لم يكن بمصر أي برلمان بعد حل مجلس الشعب بحكم محكمة السلطات، وكذلك حل مجلس الشورى بقرار من السلطات، وكلاهما حل بسلطة استثنائية، وفي عرف القانون الدولي فهو حل باطل، وتم البدء في عمل أنشطة متعددة بعضها تناول القرارات الرئاسية وتفنيدها وتوضيح الخطورة فيها، وكذلك رفضها باعتبارها باطلة من سلطة باطلة بما فيها التفريط في ثروات البلاد.
هل تحرك هذا البرلمان بشكل دولي وعملي لفضح الجرائم؟
– طبعاً حدث هذا، وتمت زيارة 9 برلمانات رئيسة لشرح القضية والتناقض الذي وقعت فيه دول تدعي الحرية والديمقراطية، منها بلجيكا وهولندا والنمسا والنرويج والسويد والبرلمان الأوروبي ونواب في فرنسا ولندن وإيطاليا، وعند زيارة الكونجرس الأمريكي والإدارة الأمريكية هاجت الدنيا في مصر، وأصدرت الخارجية المصرية بيانات الشجب والرفض للسماح بمقابلات ومؤتمرات تم إثناؤها.
ماذا عن الهدف من هذا التحرك؟ هل هو الاعتراف به؟
– لم يكن الهدف اعترافات رسمية، فهذا عمل سياسي تختص به الإدارات الحكومية لا البرلمانات، وندرك كم الديون التي كبلت مصر، وتحول البرلمان المصري الآن إلى منتدى “برلمانيون من أجل الحرية” يجمع كل النواب الشرعيين الذين تم انتخابهم في آخر انتخابات شعبية حقيقية.
دعوات توحيد المعارضة
كيف ترى دعوات توحيد المعارضة التي انتشرت مؤخراً؟
– دعوات توحيد المعارضة ستستمر طالما هناك الحاجة لإيجاد صف واحد في مواجهة السلطات، ولاختلاف التوجهات والرؤى سيبقى الاختلاف على الأسس التي يقوم عليها أي تحالف، وهذا يستوجب كما طالبت من قبل بوجود حالة وعي وإرادة للنجاح في المهمة.
ما ضمانات نجاح هذه الدعوات؟
– لنجاح مثل هذه الدعوة لا بد من تغليب روح الجندي المجهول لإنجاح المحاولات الجادة المنصفة للجميع، واليقين بأنه يجب أن يكون هناك تنازلات من كل طرف لحين عودة السلطة للشعب المصري، كذلك يجب الحذر من تكرار التجارب السابقة التي مرت على المصريين منذ بداية ثورة يناير وحتى 3 يوليو 2013.
ماذا عن “الإخوان” ودورهم تجاه هذه الدعوات؟
– لا شك أن وجود الإخوان المسلمين شرط لازم في قلب الجماعة الوطنية لوقف استهداف الاستئصال للجماعة وللفكرة الإسلامية كلها من المشهد الوطني، وبالتأكيد سيساعد على نجاح هذه الفكرة، خاصة أن الإخوان قوة معترف بها من جانب كافة التيارات، ولها حضورها وتواجدها في الشارع المصري رغم كل ما يقال من جانب السلطات.
الأوضاع داخل مصر
ننتقل إلى الأوضاع في مصر، كيف تراها في هذه الفترة؟
– الحقيقة أن الأوضاع بمصر ليست على ما يرام، والسيطرة تتم بشكل قهري بإفقار الناس، فلم تكتف السلطات بالتوسع في الاستدانة، بل قررت استنزاف أكبر قدر من أموال المواطنين، وقد وصل الدين الخارجي أكثر من 125 مليار دولار، وبدأت تصدر قرارات وقوانين بزيادات في الأسعار وجباية لكثير من الخدمات، فطالبت بزيادة رغيف العيش، ولم تترك المترو ولا سيارات المواطنين وبيوتهم التي أنفقوا عليها كل ما يملكون، فيتم ابتزازهم بقرار “رسم جدية التصالح” الذي جلب لهم بأثر رجعي أكثر من مليار جنيه حتى 7 أغسطس الماضي.
لكن السلطات ترى أن هناك قدراً من الاستقرار، ماذا تقول؟
– في ظل السلطات الحالية علينا أن نتخيل كيف هي الحياة، وما معنى الاستقرار، وكيف هي حالة الأمن والأمان في بلاد تساق ضد رغبة أبنائها وتحقق مصالح أعدائها!
هل ما جرى في سبتمبر العام الماضي من مظاهرات يمكن أن يكون مؤشراً قوياً على الغضب تجاه السلطات؟
– طبعاً، إن انتفاضة يوم 20 سبتمبر بعد فضح المقاول محمد علي للعسكر وقائدهم في الإنفاق والسرقة والنهب الذي اعترفوا به دليل على ذلك، لكن للأسف لم يستمر الحراك كما ينبغي، في المقابل لم يستثن أحد في العقاب، فبدلاً من مكافأة من لم يستجب بدأت الشواية في حرق الناس جميعاً معيشياً لمزيد من الإشغال والاعتماد على المنظومة الاقتصادية للعسكر التي تضخمت بشكل مهول وسحقت القطاع الخاص، ما عدا الداعمين الذين سمح لهم بمشاركته في كعكة اقتصاد البلاد.
هل هذا يعني أن المعارضة غير قادرة على المواجهة؟
– المعارضة في مصر ما زالت لم تتوافق أو يشتد عودها لمواجهة السلطات في ظل قوانينها وسيطرتها، وكافة الممارسات التي أفرزت حالة من الخوف والرعب.