شهدت أفغانستان منذ تولي الرئيس الأمريكي الجديد منصبه وفريق عمله تصعيداً خطيراً وعمليات قتل عشوائية استهدفت المدنيين العزل في مناطق مختلفة من أفغانستان.
ولوحظ أن الهجمات العشوائية وعمليات القتل البربري في أفغانستان ارتفعت بشكل خطير جداً منذ وصول ترمب، ولوحظ أن عمليات استهداف المدنيين رداً على عمليات “طالبان” قد ارتفعت بشكل خطير ومقلق دون أن يعرف سبب استهداف السكان المحليين بدعوة محاربة المقاتلين الأفغان ومطاردتهم.
ويقول المحلل الأفغاني أحمد سلطان: إن الأمريكيين فيما يبدو يريدون بسياستهم الجديدة إرعاب السكان المحليين الذين يتهمونهم بأنهم قواعد لوجستية لـ”طالبان”، وأنهم يمثلون الحديقة الخلفية لهم لا غير، وإلا فما الحاجة التي تحمل الطائرات الأمريكية إلى قصف بشكل عنيف ومن دون تمييز للمناطق السكنية ولدور العبادة والمرافق العامة ومناطق السكان المحليين.
وفي رأي سلطان؛ فإن مقتل أكثر من 50 مدنياً في يومين فقط في أفغانستان وإصابة أكثر من 150 آخرين أغلبهم من النساء والأطفال يشير إلى نوايا خطيرة تحملها الإدارة الأمريكية الجديدة ضد الشعب الأفغاني، وتريد معاقبة السكان والانتقام منهم بعد هزائمهم في أفغانستان وإخفاقاتهم.
الأمريكيون يعزلون الحكومة ويرفعون من شعبية “طالبان”؟
من جهته، قال المحلل في “وكالة الأنباء الأفغانية” فهيم الله: إن هذه العمليات الانتقامية وأعمال القتل التي تمارسها إدارة ترمب في أفغانستان ستنقلب على القوات الأجنبية، وستمد “طالبان” بوقود جديد ودعم كبير لهم، وستجد الحكومة بقيادة أشرف غني الموالية للأمريكيين التي اختارت الصمت ستجد نفسها معزولة ومهمشة ومنبوذة من قبل الشارع الأفغاني.
وحسب وجهة نظر فهيم الله؛ فإن صمت الحكومة لا يفسر سوى بأنه رضا بعمليات قتل المدنيين، وبأن صمتها وعدم تنديدها سيزيد في عزلتها بين الأفغان، وسيرفع من رصيد “طالبان” الشعبي لا غير.
ويقول: كان بإمكان حكومة أشرف غني استغلال هذا الأمر سياسياً وشعبياً لرفع شعبيتها وإنهاء عزلتها بين الأفغان، وتقديم نفسها على أنها لا تتفق مع ما تقوم به إدارة الرئيس الأمريكي الجديد من تخويف السكان وإرهابهم بعمليات قتل عشوائية وإعدامات جماعية في صفوف النساء والأطفال وتدمير بشكل كامل لدور عبادة ومرافق تعليمية وصحية وبيوت السكان العزل.
لكن الذي حدث كان العكس؛ إذ روجت السلطات الأفغانية لاستهداف إرهابيين مندسين بين السكان، وبررت ما قام به الأمريكيون من قتل المدنيين باتهام “طالبان” بأنها المتسبب الرئيس في هذه الخسائر المدنية؛ لأنها نفذت هجماتها ثم لجأت إلى السكان المحليين لتحتمي بهم، وأن الأمريكيين طاردوهم وقصفوا مناطقهم، وكانت مناطق في ولاية هلمند قد شهدت تصعيداً كبيراً في الآونة الأخيرة قادته “طالبان” خلّف مقتل العشرات من الجنود الحكوميين ومن الأمريكيين أنفسهم، وسقطت طائرتان كانت تلاحق المسلحين في المنطقة، وشن الأمريكيون بعدها هجمات انتقامية على مديرية سنجين في ولاية هلمند جنوب أفغانستان في 10 فبراير 2017م أدت إلى مقتل 30 مدنياً غالبيتهم من النساء والأطفال قتلوا وهم نائمون، وأسفرت أيضاً عن تدمير مسجد وعشرات البيوت، وشنت غارة أخرى بعدها بيوم واحد على المنطقة نفسها أدت إلى مقتل 15 مدنياً غالبيتهم من النساء والأطفال ودمرت عدداً كبيراً من البيوت والمساجد.
وتقول بعض المصادر والسكان المحليون في المنطقة: إن الأمريكيين استخدموا طائرات “بي52” المقاتلة وطائرات عمودية في قصفهم المنطقة.
وقال فهيم الله: إن الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان التزمت الصمت ولم تعلق بعد على هذه العمليات الدموية في صفوف المدنيين، وكأن من تم قتله هم أُسر الإرهابيين الذين يستحقون معاقبتهم وإنزال العقاب في حقهم، وفي رأيه فإن التصعيد الأمريكي الجديد يمثل سياسة جديدة للمسؤولين الأمريكيين الجدد، وعلى رأسهم رئيس القوات الأمريكية في أفغانستان الذي يريد أن يفتتح حقبته بعمليات إعدام بشعة في حق السكان الأفغان، والغرض منها هو إشاعة جو من الرعب والخوف والهلع بين السكان وتحذيرهم من مغبة مواصلة دعمهم مقاتلي “طالبان” وإيوائهم وحمايتهم.
وتقول “طالبان” على لسان المتحدث باسمها قاري يوسف: إنها لا تتخذ من بيوت السكان معاقل لها ولا مخابئ تلجأ إليها، وأنها تشن عملياتها من معاقلها المحصنة في الجبال والمناطق الوعرة، وإن الأمريكيين على علم بمعاقلهم، ويبدو أن قرارهم قصف القرى الآهلة بالسكان كان إجراءً متعمداً ولم تكن أخطاء ارتكبتها القوات الأمريكية؛ لأنها لم تقدم اعتذارها للأفغان بعد قصف قراهم وبيوتهم، ولم ترَ أن فعلته كان خلافاً لقواعد الاشتباك في المنطقة.
“طالبان” تعلن معارك الربيع في أنحاء أفغانستان
ويقول الخبير في شؤون أفغانستان رحيم الله يوسف زي: إن الأمريكيين فيما يبدو يريدون استباق الأحداث وقطع الطريق على “طالبان” التي أعلنت سلسلة من الهجمات ضد القوات المحتلة لأفغانستان، والتي سارعت إلى تخيير الإدارة الأمريكية الجديدة بين سحب قواتها أو انتظار الأسوأ، وفيما يبدو فإن الأمريكيين يريدون سباق الزمن بشن غارات نوعية لفرض الأمر الواقع بمفهومهم الخاص على الشعب الأفغاني.
ومعناه إما أن يؤيدوا الحكم الموالي للأمريكيين ويوافقوا على التواجد الأمريكي في بلادهم أو انتظار القتل والتدمير، كما أن أهداف الأمريكيين من التصعيد الجديد يهدف إلى قطع الطريق على “طالبان” وإفشال هجماتها.
وكانت “طالبان” قد أعلنت عن خطة جديدة أعدت لها 1000 فدائي أغلبهم من الشباب الذين لا تزيد أعمارهم عن سن الرشد، وأعدتهم في الأشهر الماضية لتخوض بهم هجمات في أنحاء مختلفة من أفغانستان تستهدف خلالها القوات الأمريكية وحلفاءها في أفغانستان.
وأضاف يوسف زي: إن “طالبان” أعلنت عن أنها ستسقط نظام الحكم الحالي بقوة السلاح، ورغم أنها لا تستطيع البقاء مسيطرة على المدن بسبب امتلاك الأمريكيين لسلاح الجو، لكنهم قرروا أن يبثوا جواً من الهلع والفزع في صفوف القوات الحكومية والأمريكية على السواء، وذلك من خلال قيامهم باقتحام مدن بأكملها في مناطق مختلفة من البلاد، وهجماتهم على القواعد الأمريكية وغيرها في أفغانستان.
وتقول “طالبان” على لسان المتحدث باسمها: إن المعارك الحقيقية ستدخل فيها أفغانستان بداية من شهر أبريل 2017م بعد ذوبان الثلوج في المنطقة، وبعد أن تسهل عمليات التحرك على الأرض، وأن تركيزهم سينصب على العاصمة كابول التي يخطط مقاتلو الحركة لتحويلها إلى ساحة حرب حقيقية في صيف العام الجاري؛ وذلك حتى يبعثوا برسائلهم إلى القوات الأمريكية وقيادتها السياسية الجديدة بأنهم لن يستسلموا، ولن يوقفوا هجماتهم، وأنهم صبروا 15 عاماً وتحملوا المصاعب وقدموا عشرات الآلاف من التضحيات، وسيستمرون في تضحياتهم وفي تقديم الفدائيين حتى يرغموا أنف أمريكا في التراب ويحملوها على الانسحاب من بلادهم.
ويبدو أن رد الأمريكيين الذي جاء سريعاً بإعلانهم عن إعادة عدد من فيالقهم العسكرية إلى أفغانستان من جديد، ورفع حجم سلاحهم الجوي، وقيادتهم لعمليات عسكرية قادمة ضد “طالبان”، سيدخل فعلاً المنطقة لتشهد أحد أخطر فصولها المأساوية والدموية، وحتى تضمن نجاحها في المعارك القادمة قرر الأمريكيون الضغط على دول الجوار لأفغانستان وعلى رأسها باكستان وإيران وروسيا؛ حيث قررت الإدارة الجديدة ممارسة جميع الضغوط عليهم لحملهم على وقف دعمهم أفغانستان وتحديداً حركة “طالبان”؛ حيث يرون أنهم بمحاصرتهم الحركة وتطويقها ومنع الدعم اللوجستي التي تحصل عليه من دول الجوار سجعلها تستسلم وتقبل بالأمر الواقع وترضخ إلى مطالب الأمريكيين وشروطهم.
وجهة النظر
وتقول “طالبان” على لسان المتحدث باسمها قاري يوسف: إنها تدرك أن المرحلة القادمة ستكون صعبة، وأنها تعرف المؤامرات التي سيلجأ إليها الأمريكيون؛ حيث يروجون للانشقاقات في صفوفها ويتحدثون عن تمرد داخلها ضد أميرها الملا هيبت الله.
كما يدركون المخطط الأمريكي الذي يهدف إلى تفجير حرب استنزاف بينهم وبين “تنظيم الدولة” الذي انتشر مثل الهشيم في أفغانستان في السنوات الماضية، ويعرفون أن أمريكا لن تستسلم بسهولة من بلادهم لكنهم يقولون: إنهم سيواجهون المؤامرات جميعها، وسيتصدون لمشروع “داعش” وسيفشلونه في أفغانستان، وسيؤكدون أنهم قيادة واحدة ويد واحدة ضد أعدائهم.