نبذة تاريخية عن الصراع
ظهرت كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية نتيجة التنافس بين الحكومات المؤقتة للسيطرة على شبه الجزيرة التي تم تقسيمها بواسطة الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي.
في 10 أغسطس 1945م ومع استسلام اليابان الوشيك لم تكن الحكومة الأمريكية واثقة من التزام السوفييت باقتراح الولايات المتحدة؛ حيث إنه قبل ذلك بشهر قام كل من الكولونيل دين راسك وبونستيل – وفي جلسة مقتضبة دامت حوالي نصف ساعة – برسم الخط الفاصل بين القوات الأمريكية والسوفييتية عند خط عرض 38 متخذين خريطة لمنظمة ناشيونال جيوجرافيك كمرجع لهم وقد علق راسك – الذي أصبح وزيراً للخارجية بعد ذلك – معللاً أن القوات الأمريكية المتواجدة هناك تواجهها صعوبات تتمثل في عاملي الزمان والمكان مما يعوق أي تقدم نحو الشمال دون أن تسبقهم القوات السوفييتية، ولقد أوضح التاريخ أن السوفييت قد أوفوا بالتزاماتهم وتوقفوا عند خط عرض 38 رغم قدرتهم على احتلال كل الأراضي الكورية، وقبل السوفييت هذا التقسيم مع القليل من التساؤلات لدعم موقفهم في التفاوض بشأن أوروبا الشرقية.
وطبقاً لهذا التقسيم يقوم اليابانيون شمال هذا الخط بالاستسلام للاتحاد السوفييتي وفي الجنوب للقوات الأمريكية، وهكذا ودون استشارة الكوريين تقاسمت القوتان العظمتان شبه جزيرة كوريا لتتحول إلى منطقتي احتلال واضعين الأساس لحرب أهلية.
بدأت الحرب الكورية حرباً أهلية في شبه الجزيرة الكورية بين عامي 1950 – 1953م، كانت شبه الجزيرة الكورية مقسمة إلى جزأين شمالي وجنوبي، الجزء الشمالي يقع تحت سيطرة الاتحاد السوفييتي، والجزء الجنوبي خاضع لسيطرة الأمم المتحدة بقيادة الولايات المتحدة، كانت بداية الحرب الأهلية في 25 يونيو 1950م عندما هاجمت كوريا الشمالية كوريا الجنوبية وتوسع نطاق الحرب بعد ذلك عندما دخلت الأمم المتحدة بقيادة الولايات المتحدة، ثم الصين أطرافاً في الصراع، انتهى الصراع عندما تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في 27 يوليو 1953م.
حصلت كوريا الشمالية على دعم واسع النطاق من جمهورية الصين الشعبية، ودعم محدود من الاتحاد السوفييتي في مجال المستشارين العسكريين والطيارين والأسلحة، دعمت كوريا الجنوبية من قبل قوات الأمم المتحدة، التي كان معظمها يتكون من قوات أمريكية، وشاركت عدة دول بقواتها في الصراع.
منذ 23 يونيو 1951م وبعد سنة من المعارك الحامية أصبح الصراع الكوري بين طرفين لا غالب ولا مغلوب بينهما، فلا الأمريكيون وحلفاؤهم دحروا المد الشيوعي في شبه الجزيرة ولا الشيوعيون الكوريون وحلفاؤهم الصينيون استطاعوا توحيد شطري كوريا تحت اللون الأحمر، وقد عرض ممثل الاتحاد السوفييتي في الأمم المتحدة إلى وقف لإطلاق النار، ولم يتم التوصل إلى اتفاق بين الأمم المتحدة والصين إلا في 27 يوليو 1953م بقرية “بانمونغوم” الواقعة على خط العرض 38 الفاصل بين الكوريتين وعلى الرغم من انتهاء الحرب فإن النزاع الحدودي ما زال مستمراً بين الطرفين حتى هذا اليوم.
خطورة الوضع الراهن
عبَّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن قلقه من تصاعد التوتر في شبه الجزيرة الكورية، وقال: إن نشوب صراع فيها قد يسبب دمارًا يفوق كارثة تشرنوبيل النووية في عام 1986م.
وقال بوتين في مؤتمر صحفي مشترك مع المستشار الألمانية أنجيلا ميركل: “لن أخفي قولاً بهذا الشأن.. نحن قلقون بسبب التصعيد في شبه الجزيرة الكورية لأننا جيران”.
وأضاف: “وإذا وقع أمر لا سمح الله فإن كارثة تشرنوبيل التي نعلم جميعنا الكثير عنها قد تبدو كقصة خيالية للأطفال مقارنة به.. هل هناك مثل هذا التهديد أم لا؟ أعتقد أن هناك تهديدًا.. أحث الجميع على الهدوء.. والبدء في حل المشكلات التي تراكمت لسنوات عديدة هناك على طاولة التفاوض”.
وأظهر تقرير ياباني هو الأول منذ عقد أن طوكيو تعتقد بأن المخاطر الأمنية والإستراتيجية العسكرية التي ستعترضها في المستقبل تأتي من سلوك كوريا الشمالية ومشاريع التحديث البعيدة عن الشفافية في الصين، بينما هددت بيونج يانج من أن الحرب المقبلة مع جارتها الجنوبية ستكون نووية وتتجاوز حدود البلدين.
ويدعو التقرير الياباني إلى تغيير في أولويات الخطط العسكرية بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك عبر نقل الوحدات العسكرية من الشمال حيث الحدود مع روسيا إلى المناطق الجنوبية الأقرب إلى الصين وكوريا الشمالية، وكذلك زيادة التجهيزات العسكرية، وخاصة على صعيد الغواصات.
وقال بيتر بيك، المحلل السياسي الكوري والأستاذ بجامعة “كيو” لـ”CNN“: إن هذا التقرير هو أول إعلان رسمي ياباني يشير إلى أن طوكيو لا تستبعد تطور الأوضاع بين الكوريتين إلى حرب شاملة.
ويعتبر التقرير أن حصول اجتياح للأراضي اليابانية “احتمال ضعيف”، ولكنه يشير إلى أن الخطر الأساسي سينبع
من الخلافات حول السيادة، في إشارة إلى النزاع مع دول الجوار، مثل الصين وروسيا، حول بعض الجزر.
وفي كوريا الجنوبية، نقلت وكالة “يونهاب” الرسمية أن الجارة الشمالية حذرت من أن أي حرب أخرى في المنطقة، سوف تشمل الأسلحة النووية وتنتشر إلى ما وراء شبه الجزيرة الكورية.
ونقلت الوكالة عن “أوريمينزو كغيري،” الموقع الرسمي لكوريا الشمالية عبر الإنترنت أن الحرب في شبه الجزيرة الكورية “ما هي إلا مسألة وقت فقط”، وأضاف الموقع: في حال اندلاع حرب، فإن من شأنها أن تؤدي إلى حرب نووية.”
الإمكانيات التقريبية للجيش الكوري الشمالي:
عدد الجنود العاملين: 1.3 مليون جندي عامل.
عدد الجنود الاحتياطيين: 8.2 مليون جندي احتياط.
عدد المواطنين المناسبين للتجنيد: 10 ملايين مواطن.
عدد الدبابات: 5.500 دبابة.
عدد المدرعات: 2.600 مدرعة.
المدفعية: 5.000 – 7.000.
قاذفات الصواريخ: 1.600 – 3.000.
أنظمة هاون محمولة: 2000.
أنظمة توجيه مضادات الدروع: 17.000.
مركبات الدعم اللوجيستي: 38.000.
عدد الطائرات: 1.700 (أضعف الأجنحة في الجيش الكوري).
عدد المروحيات: 237.
البحرية: 710 قطعات منها 70 غواصة.
القدرات النووية: تمتلك كوريا أسلحة نووية غير معلن عن تفاصيلها.
القدرات الكيميائية: تمتلك كوريا أسلحة كيميائية غير معلن عن تفاصيلها.
القدرات الصاروخية: تعتبر القدرات الصاروخية لكوريا الشمالية هي التهديد الأكبر لأي دولة في العالم، فبالرغم من غياب التفاصيل المعلنة؛ فإن كوريا الجنوبية قالت: إنها قد رصدت مدى الصاروخ الكوري الشمالي في التجربة الأخيرة، ووصل مداه وحمولته إلى أكبر من 10.000 كيلو متر، وقادر على حمل 600 كيلوجرام من المتفجرات.
العلاقات الإقليمية مع القوى العسكرية بالمنطقة: علاقات قوية مع الصين وروسيا وإيران ومصر وفيتنام.
تحليل
يقول المحللون: إن كوريا الشمالية الآن تطلق نوعاً جديداً من أنواع الحروب هي مزيج من حروب الاستنزاف والحرب المحدودة والحرب الإعلامية، ويمكن توصيف ما تفعله كوريا بأنها الحرب التي تقتل وتلحق خسائر بالعدو وتغضبه دون أي حسم.
العقلية الكورية أنتجت الآن الحرب الباردة بنسختها الجديدة، حيث أعلنت عن خطتها العسكرية (وضع خطين تحت أن يعلن أحدهم عن خطته السرية)، وقامت بتحريك صاروخين داخل كوريا وإصدار إعلان بإخلاء السفارات الأجنبية فتداعت الأحداث فعمدت كوريا الجنوبية إلى رفع حالة الاستعداد، وأمريكا شرعت تتأهب وتستدعي حلفاءها، والفلبين ودول أخرى تفتح أراضيها لأمريكا لمواجهة تهديدات كوريا الشمالية.
هذه حرب استنزاف تستند إلى ممارسة ما يعرف في حقل نظريات السياسة الدولية بنظرية المباريات أو إستراتيجية اللعب في العلاقات الدولية، فهناك خليط من مفاهيم نظريات السياسة الدولية تمارس دورها في الصراع والتصعيد الدائر في شبه الجزيرة الكورية.
كوريا لا تريد الحرب، ولكنها تريد أن تفرض إرادتها على أمريكا، وترسل رسالة قوية لبعض أعدائها القريبين وهي تعلم أن ما تدفعه من ثمن في حربها الاستنزافية مع أمريكا يتناسب مع ما ستحققه من مكاسب.
كوريا تريد أن توصل إلى أمريكا فهماً مفاده أنها تملك خطة إستراتيجية دفاعية وتريد جر أمريكا لصراع طويل الأمد يأخذ شكل الحرب الباردة، ويهدف إلى إجبار أمريكا على تبديد طاقتها واستهلاك مواردها وخلق إقناع مؤكد لديها أن ثمن الإصرار على معاداة كوريا هو ثمن فادح.
النظرية الكورية تقوم على مفهوم إشغال العدو، وفي نطاق هذه النظرية فإنه ليس لزاماً أن يكون الهدف تحقيق انتصارات عسكرية مدوية، ولكن بالمحافظة على استمرار الصراع وتصاعده المنظم ليتزايد ثقله وعبئه على الجانب الآخر شيئاً فشيئاً اعتماداً على فرض ظروف قاسية ومواقف صعبة باستخدام وسائل محدودة، ولكن بأساليب تتسم بالمهارة والمرونة مع استمرار الضغط المعنوي، وهذه أشياء من المعروف أنها تؤثر على عناصر القوة العسكرية للعدو وتؤدي إلى خلق حالة بلبلة عامة في جميع أجهزة الدولة الأمريكية.
الأهداف والمبررات الكورية لتسخين وتنشيط جبهة الصراع والمواجهة والقتال العسكري هو استغلال ذلك كوسيلة لإقناع المجتمع الدولي بوجود أزمة ساخنة تؤثر على السلم والأمن العالمي.
كوريا ستستفيد على المستوى الداخلي من هذا التصعيد فهو يقود إلى تماسك الجبهة الداخلية وتشتيت انتباه أمريكا ومجهودها إلى أكثر من مكان، وهذا يعني أن كوريا تعمل في شيء قد لا تعلن عنه في الوقت القريب، وستستفيد أيضاً من إعادة بناء صورة الجيش الكوري أمام العالم وأداء كوريا الدولة.
المصدر: “ANN“ شبكة الأخبار العربية.