لا أحد ينكر فضل الإنترنت في نشر العلم والمعرفة للجميع على حد سواء، وكذلك الفضل في اكتشاف الكثير من مواهب البعض وإعطائهم الكثير من الفرص لصقلها، كما أنها أتاحت لجميع شرائح المجتمع العديد من مختلف وسائل الترفيه المجاني أو قليل التكلفة.
ولا ننسى أن الإنترنت وما به من إمكانيات التواصل قد ساعد على توفير طرق لا تعد ولا تحصى للتواصل والدردشة مع الكثيرين في شتى بقاع العالم بالمجان، لكن مع كل هذه الإيجابيات والفوائد للإنترنت كان له جانب مظلم كئيب له من الأثر السلبي على حياتنا وعلاقاتنا الشيء الكثير.
لنتوقف قليلاً ونفكر في حياتنا في الماضي كيف كانت تبدو قبل غزو الإنترنت لبيوتنا ومجتمعاتنا؟ قبل وقوعنا فريسة لما يسمى بمواقع التواصل الاجتماعي!
ففي الماضي كنا نجلس جميعاً مع بعضنا البعض قلباً وقالباً جسماً وعقلاً، لم يكن هناك إنترنت، لم يكن هناك هواتف محمولة تشغلنا عن أحبائنا وتضعنا في عالم وهمي لا نهاية له.
إذا نظرنا إلى حالة معظم العائلات اليوم، تجد الأب والأم منشغلين بهواتفهم بدلاً من جمع أبنائهم من حولهم، والتحدث إليهم وتبادل الضحكات والنكات أو النصائح والإرشادات. تجد الأبناء منشغلين بألعابهم الإلكترونية أو أنهم يقضون معظم أوقاتهم على مواقع التواصل بدون أن يشعروا أنهم يضيعون وقتهم بلا فائدة في أغلب الأوقات.
لقد أصبح هناك نوع جديد من الإدمان بين الناس ألا وهو إدمان الإنترنت كل بطريقته الخاصة؛ فهناك الكثير الكثير من البرامج التي ترضي كل ذوق وتصنع من الناس مدمنين جدداً.
ليس هناك عمر محدد لهذا النوع من الإدمان فقد يكون طفلاً صغيراً يدمن اللعب الإلكتروني أو قد يكون شاباً أو كبيراً بالسن يدمن الإنستغرام أو الفيسبوك أو غيره من البرامج التي لا تعد ولا تحصى. أصبح هوسنا فيما يسمى بالواي فاي يلاحقنا أينما ذهبنا، فسؤالنا عن توفره أينما ذهبنا يسبق سؤالنا عن أي شيء آخر، فإن وجد رضينا واستأنسنا!!
لا أدري هل أقول المضحك أم المحزن في الأمر هو أن عواطفنا أصبحت زائفة. فلقد أصبحنا نوهم من نتحدث معه عبر الإنترنت بأننا سعيدون أو حزينون أو خجلون أو نظهر أياً من العواطف الزائفة بوضع رسومات افتراضية ووجوه تعبر عنا وعن أحوالنا!
لا أدري ما الذي يجري لنا؟ أصبحنا نعيش حياة غريبة، أصبحنا نتصرف كمن يشكو من انفصام في شخصيته، فلكل شخص منا ألف طريقة وطريقة في التواصل تتناسب مع طبيعة علاقاتنا مع الناس.
أصبحنا نتزاور بالواتساب ونشكو همومنا على الفيسبوك وننشر أخبارنا وصورنا على السناب، ونتفاخر في صور طعامنا وشرابنا وملابسنا على الإنستغرام وغيره الكثير الكثير.
نسينا أهمية رؤيتنا لبعضنا البعض، نسينا أهمية شعورنا مع بعضنا البعض، والأعظم من ذلك أنه وفي زحمة التصوير والعرض والتفاخر والتباهي نسينا مشاعر الفقير وبدأنا بعرض موائدنا الخلابة، نسينا مشاعر المحروم من نعمة المال فأخذنا نعرض كافة مقتنياتنا الثمينة متناسين فئة المحتاجين وكذلك فئة الحساد!
ألا تخافون الله في أنفسكم وفي أبنائكم؟ ألا تخافون زوال النعم؟ ألا تلاحظون ارتفاع نسبة الاكتئاب والضجر في مجتمعاتنا؟ فرغم أننا نستطيع الحصول على العديد من الأصدقاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن كل ما نحصل عليه هو صداقات مزيفة لا يعلم صدقها إلا الله.
أصبحت الزوجة تتمنى تواصل زوجها لشدة انشغاله بهاتفه النقال، أصبح الأهل يتمنون جلوس أبنائهم من حولهم لتجاذب الأحاديث الشيقة!
الشاهد من الأمر هو أننا أصبحنا عبيداً لهجوم الإنترنت العنيف، أصبحنا كمن هو تحت تأثير التخدير فلا نحن نعي ما نقوم به ولا ما يحصل لنا، قد نصادق رفقاء سوء وقد نتعرض للنصب والاحتيال فنحن في بعض الأحيان لا نعرف حقيقة مع من نتعامل أو مع من نتواصل، ناهيك عن إضاعة الوقت فبدلاً من القيام بعمل نافع، تستهلك منا الإنترنت وبالأخص مواقع التواصل الاجتماعي الساعات الطوال بدون أن نشعر بالزمن.
لقد أثبتت الكثير من الدراسات والأبحاث أن الإدمان على استخدام الإنترنت قد يؤدي إلى الكثير من الاضطرابات والأمراض النفسية التي نحن في غنى عنها، فنحن نتعرف على الكثير من الناس ونتحاور معهم ونقضي الساعات الطوال نتحاور ونتحدث في شتى المواضيع وفي ذات الوقت لا نعرفهم، فهم ضربٌ من العالم الافتراضي مما يؤدي بنا إلى الإحساس بمشاعر سيئة من عدم الاستقرار أو عدم الشعور بالأمان والتي قد تقودنا إلى حالة من القلق والوسواس الشديدين.
فلنتق الله في أنفسنا ولنعتدل في استخدامنا للإنترنت، وألا نستخدمه إلا فيما فيه خير لنا وللبشرية جمعاء، فهو سيف ذو حدين وعلينا أن نكون حذرين عند التعامل معه لنضمن حياة سوية طبيعية خالية من مشاعر العزلة والاكتئاب والأمراض النفسية.
—
* المصدر: موقع بصائر تربوية (بتصرف في العنوان).