للشهر الثاني من العام 2018 تتصاعد وتيرة الانتهاكات والإجراءات القمعية لحرية الصحافة والإعلام في مصر، تصدرتها حملة مشتركة من قبل وزارة الداخلية والنيابة العامة والهيئة العامة للاستعلامات ضد وسائل الإعلام والصحافة والصحفيين والإعلاميين على خلفية بث قناة “بي بي سي” البريطانية تقريراً حول الاختفاء القسري في مصر، بالتزامن مع القبض التعسفي علي 5 صحفيين وإعلاميين جدد لأسباب تتصل بعملهم المهني واستمرار إصدار أحكام معيبة شكلت قضية الزميلة الراحلة ميادة أشرف نموذجاً لها، بجانب تواصل فرض قيود سافرة على النشر والتعبير، وفقاً للمرصد العربي لحرية الإعلام.
وشهد شهر فبراير 2018 بحسب تقرير صادر، اليوم الخميس، عن المرصد ووصل “المجتمع” نسخة منه وقوع 29 انتهاكاً وفق ما أمكن رصده،ـ وقد تنوعت الانتهاكات بين اعتقال وحبس وإخفاء قسري وإهمال طبي وتحقيق ووقف برامج وقيود علي النشر، تصدرتها انتهاكات الحبس بـ8 انتهاكات، والسجون بـ8 انتهاكات، وحل في المرتبة الثانية المحاكمات المعيبة (5 انتهاكات)، وقيود النشر (5 انتهاكات) ثم الانتهاكات النقابية (3 انتهاكات).
وبنهاية شهر فبراير بلغ عدد المحبوسين 95 صحفياً وإعلامياً ومراسلاً صحفياً حراً (تعاون مع فضائيات ومؤسسات صحفية مستقلة أو معارضة)، بعد استمرار دوائر الإرهاب غير المختصة قانوناً والمخالفة لصحيح القانون والدستور في العصف بحقوقهم في الوقوف أمام قاضيهم الطبيعي وتطبيق معايير المحاكمة العادلة بحقهم، بجانب حالة الإخفاء القسري المستمرة بحق الصحفي حسام الوكيل بحسب ما وثق المرصد.
وأكد المرصد أن صدق مؤشرات الشهر الماضي، التي رصدها وتحدثت عن عدم تراجع النظام الحالي عن موجة القمع المستمرة ضد الصحفيين والإعلاميين تلقي مجدداً بتبعية ثقيلة على كل المعنيين بحرية الإعلام لتفعيل كل الآليات المتاحة نقابياً وقانونياً وحقوقياً في الداخل والخارج للدفاع عن حرية الإعلام.
وأوضح المرصد أنه على الرغم من أن الشهر الماضي شهد الحكم بالبراءة أو إخلاء سبيل 6 صحفيين بعضهم بقيود التدابير الاحترازية التي باتت تشكل عدوانا بطريقة التفافية على حرية الصحفيين المفرج عنهم تحت شرط التدابير، فإنه شهد أيضاً احتجاز وحبس 8 آخرين، تضمنت القبض على 5 صحفيين جدد، وصدور حكم قضائي بحبس صحفي وصحفية، وصدور قرار حبس احتياطي من النيابة بحق أحد الصحفيين الذي كان مختفيا من قبل، وكأن النظام يحاول المحافظة على وتيرة الاعتقالات في مستوى معين بالتزامن مع استمرار حبس الصحفي هشام جعفر خارج إطار القانون بعد تجديد حبسه 45 يوماً دون سند من القانون رغم انتهاء الفترة القصوى للحبس الاحتياطي المقررة بعامين في أكتوبر 2017.
انتهاكات السجون
وكشف المرصد في تقرير تواصل انتهاكات السجون بشكل ممنهج، ما بين إهمال طبي ومنع من الزيارة، والاعتداء البدني واللفظي، ووصلت إلى 8 انتهاكات وفق ما هوا مرصود لدينا، وهي انتهاكات تُعبّر عن برامج تعذيب ممنهجة تمارسها مصلحة السجون بوزارة الداخلية دون احترام للقانون والدستور ، وذكر حالات لذلك منها المصور الصحفي عمرو جمال -معتقل على ذمة القضية رقم (٦٤ لسنة ٢٠١٧ جنايات شمال القاهرة العسكرية) المعروفة إعلامياً بقضية النائب العام المساعد– الذي يتعرض للإهمال الطبي، حيث يعاني ارتفاعاً في صفراء الدم والتهاب المرارة وأنيميا شديدة، ونقص نسبه الحديد في الدم ويحتاج لكشف طبي ضروري، بالإضافة إلى فقده الكثير من وزنه ومعاناته من الدوالي، بجانب حالات انتهاك مستمر لكل من الصحفي والباحث هشام جعفر، والصحفي رضا غانم (جريدة “فيتو”)، والكاتب الصحفي محسن راضي، والصحفي أحمد عبدالمنعم زهران، مدير تحرير مجلة “المختار” الإسلامي، والصحفي إبراهيم الدراوي، والصحفي أحمد عبد العزيز، والمصورة الصحفية علياء عواد.
وأكد المرصد أن دوائر الإرهاب تواصل جلساتها المعيبة غير المتصلة بالقانون واستقلال القضاء، مشيراً إلى حكم لإحدي دوائر الإرهاب بشأن مقتل الصحفية ميادة أشرف، حيث تجاهل الحكم الجاني الحقيقي وهو من الشرطة وعاقب بعض المتظاهرين، وهو ما دفع المرصد للمطالبة بفتح تحقيق جديد في محاكمة تتوافر فيها شروط المحاكمات العادلة تمنع إفلات المتهمين الحقيقيين من العقاب، فضلاً عن إحالة حبس الباحث والصحفي إسماعيل الإسكندراني لمحاكمة عسكرية في انتهاك خطير لعدم جواز محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، كما كشف المرصد عن تغيير القرارات الصادرة بالإخلاء، واصفاً إياه بأنه “نمط بات رائجاً بحسب المحامين والمتابعين في دوائر الإرهاب بالتعاون مع نيابة أمن الدولة العليا”، حيث فوجئ المحامون من بينهم محامي المرصد في 25 فبراير الماضي بإلغاء تأييد قرار إخلاء سبيل الصحفية شيرين بخيت بتدابير احترازية وتجديد دائرة جديدة لحبسها في غير حضور المحامين، فيما انتقد استمرار حبس المصور الصحفي محمود شوكان رغم تخطيه المدة القصوى للحبس الاحتياطي المقررة بعامين ودخول محاكمته التعسفية عامها الخامس.
وحول قيود النشر رصد المرصد 5 انتهاكات جديدة خلال شهر فبراير، لاحقت حرية الرأي والتعبير للصحفيين والإعلاميين في مصر، مؤكداً أنها تأتي في سياق مناخ يبدو أنه قمعي لا يعطي أي مساحة بيضاء لإبداء الرأي ووفق ما رصد، واتهم د. ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، بتصدر ما وصفه بـ”بورصة فرض القيود على وسائل الإعلام” بدلاً من ممارسة دوره القانوني بتسهيل عمل الإعلاميين والصحفيين خاصة الأجانب.
وانتقد المرصد هجوم رشوان على قناة “بي بي سي عربي”، ودعوته إلى مقاطعتها في 28 فبراير 2018، رغم المقاطعة الرسمية المسبقة ورفض المسؤولين التعاون مع القناة، على خلفية فضحها لوقائع خطيرة في جريمة الإخفاء القسري التي تلاحق النظام المصري في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، موضحاً أنه طال التربُّص ليصل الأمر بوزير الخارجية المصري سامح شكري إلى التحدث عن القناة في كلمته أمام مجلس حقوق الإنسان، وهو ما أثار سخرية دولية بحسب وصف المرصد من حالة الارتباك التي وصل إليها المعنيون في مصر في مواجهة حقائق بثّتها قناة مشهود لها بالمهنية.
غياب نقابي
واستنكر المرصد تواصل غياب نقيب الصحفيين عن الأزمة المستمرة للزميل الصحفي هشام جعفر رغم وصولها إلى حد غير مسبوق عبر اعتداء رئيس مباحث سجن العقرب يدوياً عليه، ووقف كل إجراءات علاجه على نحو يشكل خطراً صريحاً على صحته، وتشكيله ما يشبه اللوبي لتمرير التصعيد غير القانوني من النيابة العامة المصرية بحق الإعلام والصحافة وعدم التفاعل مع المناشدات المقدمة من أسرة الصحفي إبراهيم الدراوي بإنهاء صرف مستحقاته المالية لدى مؤسسته.