أصدر مفتي أستراليا السابق د. إبراهيم أبو محمد بياناً عقب مغادرته لمنصبه بعد أن أكمل دورتين كاملتين مدة ست سنوات مفتيا للقارة الأسترالية.
وعقد مجلس الأئمة الفدرالي الأسترالي وهو المرجعية الدينية والإسلامية للمسلمين في أستراليا أمس اجتماعا، ضم ثمانية عشر إماماً، لانتخاب الشيخ عبدالعظيم عفيفي مفتياً جديداً لأسترالي لدورة مدتها ثلاث سنوات.
وجاء في بيان المفتي السابق:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين وبعد
سيدى سماحة المفتي الجديد، أبارك لك هذا الاختيار الموفق وأدعو لك بالتوفيق والسداد، وأقول للإخوة الذين ترشحوا ولم يحالفهم الحظ، لقد انتصرتم أيضا حين اخترتم الديمقراطية والانتخابات وسيلة للتغيير.
هذا اليوم هو يوم من أيام المجد للمجتمع المسلم الأسترالي ولشيوخه وأئمته وعلماء أستراليا عموماً.
أيها السادة العلماء لقد ظن بعض الناس “خطأ” أن تولى الشخص لموقع كبير يصنع منه شخصية عظيمة، المواقع لا تصنع رجلا، وإنما المواقف هي التي تصنع الرجال، وتمجد سيرتهم وتخلد ذكراهم دائما حتى بعد أن يتركوا مواقعهم، وحتى بعد أن يغادروا هذه الدنيا، فلنتذكر ذلك جيداً ولنصحح مواقفنا لكي نسمو ونرتفع بمواقعنا. وأشكر كل الزملاء الذين أبدوا رغبتهم وكانوا مصرين على تغيير الدستور وبقائي في المنصب لفترة ثالثة لأن الدستور ليس قرآنا يتلى كما قالوا، ولكني رفضت ذلك بشدة ورجوتهم، بل وتوسلت إليهم ألا يفعلوا ذلك لأمرين اثنين:
الأول: أن أوجه رسالة للمسلمين ولغير المسلمين وللعلماء والعامة أننا نحترم الدستور ونحرص على تأكيد مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص، وأننا قد اخترنا الديموقراطية وسيلة للتغيير، ونحترم قواعدها وقوانينها وأن وجودنا في أستراليا ليس فقط إضافة أخلاقية ودينية، وإنما إضافة حضارية وديمقراطية أيضاً.
الأمر الثاني: أن يكون شخص المفتي مثالاً للعالم الشريف الذي ترفعه المواقف لا المناصب، ويعلو به علمه وفكره وأداؤه، الحضاري وليس موقعه، ثم إني لست زعيما يتشبث بالكرسي ويبقي في المنصب حتى الموت أو العزل، وإنما أنا قبل أن أتولى الإفتاء أكاديمي عاشق للدعوة مسكنون بالثقافة والفكر كتابة وخطابة وتأليفا، وقد اشتقت إلى العودة لهذا الميدان لأخدم فيه.
وأمر ثالث أكثر أهمية أردنا أن يشهد التاريخ أن مفتي أستراليا ومعه مجلس الأئمة بأعضائه والمنتسبين إليه ليسوا تجار شعارات وإنما هم أكثر المؤسسات الإسلامية حرصا على السلم العام، وأكثر المؤسسات الإسلامية حرصا على وحدة الجالية المسلمة ومؤسساتها من الفتن والتقسيم والشرذمة، وليسجل المجلس بأئمته ومفتيه موقفا يثبتون فيه بأننا كبار.
ولن نكون كباراً إلا بخدمتنا لديننا وولائنا له، لن نكون كباراً إذا سمحنا لأطماعنا ورغباتنا وللعصبية القبلية أو الجنسية الضيقة أو الطائفية الممقوتة أن تحكم عقولنا وتقود مسيرتنا فقد نبهنا إلى خطورتها نبينا حين دعانا أن نتركها لأنها جاهلية ولأنها منتنة.
لن نكون كبارا إلا إذا اعتمدنا أولوية ديننا وخدمة مجتمعنا الإسلامي وحفظنا على التوازن بين قيمنا وقيم المجتمع الكبير المجتمع الأسترالي الذي نعيش فيه ونعتز به.
لن نكون كبارا إلا إذا أدركنا بالوعي خطورة التشرذم والانقسام وحافظنا على وحدة جاليتنا وألا يستجيب بعضنا لدعاة الإثم والسوء والبذاءة والرويبضة أن يدلوا بآرائهم في أمهات القضايا العلمية، وأن يتدخلوا بين إمام وأخيه.
o أيها السادة العلماء، لقد كنت خلال مدة ولايتي للمنصب مصراً على تحقيق الفرق بين الوجود والحضور، أن تكون موجوداً فهذا يعني أنك مجرد رقم في العد والإحصاء بالزيادة أو بالنقص لا فرق، بينما أن تكون حاضرا فهذا يعني أنك جزء من المعادلة وأن لك حضورا مشهودا وأن لك بصمة وتأثيرا وأن الآخرين يحسبون حسابك ويقدرون حضورك ويعلمون يقينا أن غيابك وتجاهلك مشكلة، وأن حضورك جزء من الحل في أي مشكلة أو أزمة، و لذلك كان شخص المفتي وأنتم شهود الإثبات على ذلك، وكذلك كان موقع المفتي وقلمه ومكتبه نصيرا لقضايا العدالة داخل محيط مجتمعنا في أستراليا وحتى في خارجه، فلم ننفصل عن قضايا أمتنا الإسلامية، ولم نحبس في محطينا الديني فقط، وإنما أسسنا علاقات محترمة مع كل التمثيل الدبلوماسي لسفارات الدول العربية والإسلامية في أستراليا، وبنينا صداقات متينة ما زالت مملوء بالمحبة والاحترام وتقدير دور المفتي ورسالته.
خلال هذه المدة أقمنا مع قادة ورؤساء المؤسسات الهامة في الدولة ورجالها على مستوي الوزارات في الأحزاب المختلفة وبخاصة الثلاثة الكبار الحزب الليبرالي الحاكم وأحزاب المعارضة حزب العمال وحزب الخضر بنينا علاقات بناءة ومحترمة، وشيدنا جسورا مملوءة بالتفاهم والاحترام والتقدير، وقد حرصت خلال فترة وجودي في موقع المفتي أن ألا أكون فقط عالم دين كبير يشكل رمزا ورأسا ومرجعية دينية كبرى فقط، وإنما أردت أيضا أن أثبت أن عالم الدين والرمز الإسلامي الكبير يمكن أن يكون رجل دولة من الوزن الثقيل، فتحاورنا مع الجميع واختلفنا في أقل القليل، واتفقنا في الكثير من الأمور وتفاهمنا وتم ذلك كله لا من موقع التابع المتلقي وإنما من موقع الشريك في حماية ورعاية مصالح ديننا ودولتنا، وبهذه المناسبة أوجه تحية تقدير وشكر لقادة الأحزاب وأعضاء البرلمان والسينتورز وقادة المؤسسات والأجهزة المختلفة الشرطة ورجال القضاء والإعلام وأنوه هنا أنني في لقاءاتي معهم كنت حريصا أشد الحرص بأن أحفظ لموقع المفتي مكانته السامية، وبأن يكون خطابي شديد القوة، شديد العزة والاعتصام بالله، شديد المنطقية، وشديد الأدب.
ولعل هذا هو الذي رشح مفتي أستراليا ممثلاً في شخصي الضعيف وعلى مدار مرتين خلال فترة ولايتي ليكون في المرة الأولي في المركز السابع والشخصية العربية الوحيدة ضمن خمسين شخصية هي الأكثر تأثيرا في المجتمع الأسترالي، وكان ذلك في عام 2013 بينما في المرة الثانية في عام 2015 كان ترتيب المفتي هو رقم 11 ضمن أكثر مائة شخصية هي الأكثر تأثيراً في المجتمع الأسترالي.
أيها السادة، كان لنا مع بعض وسائل الإعلام أيضا جولات، ومن هذه الجولات حققنا صداقات مع الشرفاء منهم الذين يحرصون على الحقيقة ويؤمنون بالتعددية الثقافية ويحترمون الحريات.
ودخلت في صراع مع بعض وسائل الإعلام بعد أن هاجمتني بغير حق، وانتصرت، وكان سندى في تحقيق هذا الانتصار هو الحقيقة، ووقوفكم بجانبي، وبراعة فريق مكتب المحاماة برئاسة المحامي النابه الأستاذ مصطفي الخير ونزاهة القضاء في أستراليا. ولذلك أوجه إليكم وإلى مكتب المحاماة وإلى القضاء الأسترالي كل التحية والتقدير.
سيدي المفتي الجديد أيها السادة العلماء والأساتذة الحضور.
خلال هذه المدة كثرت الادعاءات المزيفة التي حاولت أن تزج بالإسلام العظيم في مجال التطرف وأن تلصق به تهم الإرهاب والعنف فكان مكتب المفتي وموقعه بالتعاون مع مجلس الأئمة سدا منيعا دون تصديق هذا الزيف ولم نتوان لحظة في إدانة وتجريم كل فعل مشين، كما كانت رسائل المفتي ضوءاً كاشفاً لكل التزييف وسيفا حادا ومنطقا حاسما في دحض تلك الأكاذيب ومن اليوم سأعود إلى ميداني الذى أحبه ضمن ميادين الخدمة وهو ميدان الكتابة والمحاضرات والتأليف والنشر، وستكون كل جهودي لخدمة الدين الذي آمنت به وشرفني الله بالا نتساب إليه، ورفع هامتي وقامتي بين الأمم، وملأ قلبي حبا للوطن والإنسان وشغل عقلي ووجداني بقضايا البشر وحقوقهم في الحرية والعدالة والكرامة بصرف النظر عن الدين أو اللون،
وأرجو أن تسمحوا لي أن نوجه شكرا خاصا إلى الأخوة الشرفاء أبناء هذا الوطن العزيز أستراليا من غير المسلمين الذين يؤمنون بالحرية والعدالة، وأن البشر متساوون في الحقوق والواجبات، فباسمي وباسم كل المسلمين في أستراليا أشكركم لرفضكم الشديد لدعوات العنصرية والتعصب وردودكم المفعمة بالعاطفة والعقل على دعاة الكراهية، وأذكركم أيها الشرفاء من أبناء أستراليا وكل الشرفاء في العالم بأن المشروع الإنساني برمته في خطر شديد ويحتاج إلى تعاونكم ووحدتكم حيث بلغ غرور القوة مداه فلم تعد تعمل إلا للتمزيق والتفريق والعبودية، ومازالت تمارس القتل الممنهج ضد شعوب تحملت من المعاناة مالم يقبله أحرار البشر في القرن الواحد والعشرين، وليس من المقبول دينا ولا من المعقول شرفا ومروءة أن نوجه وجوهنا نحو الله بينما ندير ظهورنا للمظلومين في الداخل و الخارج معا، في فلسطين وسورية وبخاصة في الغوطة والروهينجا ومانيمار وآراكان، كما لا يجوز للشرفاء والأحرار من أبناء أستراليا أن يظلوا صامتين عما يحدث للمحتجزين في مراكز اللجوء، فكرامة البشر أعلي وأغلي من المصالح الحزبية وأجندات السياسة، ومن ثم فقد آن الوقت ليتحدث الشرفاء.
أقدم كل الشكر لمن ساعدوا وساندوا من أبناء جاليتنا الإسلامية جمعيات ومنظمات، ومراكز ومساجد ولمن وقفوا مع مكتب المفتي ليؤدي دوره ورسالته من الأخوة الأئمة والعلماء أعضاء المجلس جميعا وفي مقدمتهم الشيخ شادي والشيخ عبد السلام زود والشيخ خالد طالب والشيخ محمد خميس والشيخ طاهر والشيخ أبو عدنان والشيخ عمر البنا وبقية المشايخ الفضلاء.
كما أخص بالذكر أيضا الأستاذ سمير بن قاضي والمهندس مخلص صلاح والمهندس إياد أبو عرجة والمهندس سعيد عطا الله، وشكر خاص للمحامي الأستاذ عبد الله الرحال الذى كان أول من تولى مدير مكتب المفتي في الدورة الأولى وكذا المهندس عبدالله العزاوي والمهندس حسام البطيخي والدكتور عرفة يحي والأستاذ حسني السيد والأستاذ معاذ الحاج والأستاذ إسماعيل سرداح والمهندس ناصر الخطيب والأستاذ محمد شناق والشيخ عارف شاكر والشيخ أحمد عبدو ثم المحامية الأستاذة سروي عبد الرحيم التي قامت بأعمال السكرتيرة ومديرة مكتب المفتي وكذا المحامية الأستاذ رامية عبدو والتي تولت مهمة الأستاذة سروي أثناء سفرها والأخت بث ريتش التي تولت تنسيق الحوار بين مكتب المفتي ورؤساء ة الأديان في أستراليا. وأخص بالشكر كل هؤلاء القادة الذين ربطتنا بهم صداقات وبنينا علاقات محترمة وعملنا معا مع الأتباع على حفظ السلم الاجتماعي وحماية وتنمية التعددية الثقافية والدينية والحضارية.
أيها السادة العلماء، لعل هذا يكون مستغربا أن يصدر من مفتي شكر لزوجته، أكرر أقدم خالص شكري وتقديري لسلطانة قلبي الدكتور نهلة الغزاوي صاحبة العقل الراشد والرأي السديد والإدراك الواعي التي وقفت بجانبي وكانت ولا زالت نعم الزوجة والصديقة والمشيرة.
كما لا يفوتني أن أشكر أسرة إذاعة القرآن الكريم ومجلس إدارتها وكل العاملين فيها على تعاونهم مع مكتب المفتي.
هناك أيضاً جنود مجهولون أعرف أنهم لا يريدون أن نذكر أسماءهم، لأنهم يعملون للإسلام بعيدا عن الظهور والشهرة سأحترم رغبتهم، لكنى أفوض الله ربى أن يجازيهم خير الجزاء، وأن يرفع أقدارهم في الملأ الأعلى.
طبتم وطاب مساعكم، ورزقكم الله السداد والتوفيق وصلاح الحال والمآل. أشكركم مرة أخرى وندعو الله أن تنعم كل شعوب الأرض بنعمة السلام والأمن، وأن يحفظ الله أستراليا -بشراً وأرضاً- من كل سوء وشر، وأن يطهر مجتمعاتنا من جراثيم التطرف والكراهية والعنصرية. وليبارك الله جهودكم ليبقى الإسلام كما عرفناه وأمنا به وتعلمناه، إشراقا يحتضن الدنيا، ونهاراً لا يعرف ليلاً.
والسلام عليكم ورحمة الله.