وسط تحركات موازية للتحريض على الغضب، لجأ المصريون إلى عدد من الطرق للتغلب أو التعايش أو التحايل على رفع الأسعار الذي زاد بنسب متفاوتة بعد عيد الفطر المبارك، إثر قرارات حكومية برفع جديد لما تبقى من دعم على المحروقات في مصر أثر، بحسب المراقبين، على أسعار جميع السلع والمنتجات، بينما لم تعلن الحكومة عن أي برامج حماية اجتماعية للطبقة الفقيرة والمتوسطة التي تتأثر بهذا البرنامج الذي تتبناه الحكومة لمواصلة الحصول على قرض صندوق النقد الدولي البالغ 12 مليار دولار.
الطرق الموازية
لجأ معظم السائقين إلى الاتفاق على تعريفة موازية للركوب مع الركاب، رغم الإعلان الحكومي على ضبط المواقف العامة والميكروباصات، الذي وصل إلى إعلان مركز معلومات مجلس الوزراء تعريفة الركوب في محافظات الجمهورية بعد قرار زيادة أسعار الوقود قبل إصدارها من جانب المحافظين.
وقال محمد حسن موظف لـ”المجتمع”: “الناس بتاكل في بعض وربنا يستر، التعريفة زادت في الأول بعد زيادة أسعار البنزين بنسب 20% و30% بطرق ودية أو حتى بعد مشاجرات مع الركاب، والكلام الخاص بتعريفة الحكومة كلام للإعلام فقط والناس بتركب لأن الوقت ليس في صالحها للمشاجرات كل واحد فيه اللي مكفيه”.
وأشار إلى قصة حدثت معه فعلياً تكشف التعريفات الودية لرفع الأسعار قائلاً: “أنا فوجئت أن أحد المسؤولين عن الموقف في محيط سكني يبلغنا بالقرار الرسمي للتعريفة بعد الزيادة، لكن السائق لم يعلق عليه وانتظر حتى خروجنا من الموقف وتكلم مع الركاب بطريقة استعطاف وظروف الأسعار والبنزين وزاد على تعريفة الموقف مبلغ إضافياً ورجا الركاب أن عند أي نقطة بوليس عدم الحديث عن التعريفة التي وضعها بنفسه، وفي مرات أخرى حدثت مشاجرات أمامي بسبب جنيه زائد أو جنيهين”.
محافظ القاهرة، وهي العاصمة، أصدر بياناً رسمياً، بعد أيام من الزيادات، معترفاً بوجود أزمة لكنه أحال الأمر إلى ما أسماه “جشع بعض السائقين، الذين يستغلون الارتفاع الطفيف في سعر المواد البترولية لتحقيق مكاسب إضافية لهم”، مؤكداً أن جميع الأجهزة التنفيذية بمحافظة القاهرة تحارب هذا الجشع.
تقشف البيوت
ولمواجهة الزيادات التي جاءت للمرة الرابعة خلال 4 سنوات منذ تولي الرئيس المصري الحالي عبدالفتاح السيسي لسدة القرار، اتجهت البيوت المصرية إلى خطة جديدة للتقشف لتلافي الآثار السلبية للغلاء الذي وصفته مني عبدالحميد، ربة منزل، بأنه غلاء فاق كل التوقعات.
السيدة مني عبدالحميد كغيرها من ربات البيوت “شالت الهم بزيادة”، بحسب قولها، بعد رفع الأسعار، مضيفة بلغة عامية مصرية: “إحنا مش عارفين نعمل إيه ولا إيه، ولسه لما المدراس تدخل في شهر 9 (سبتمبر)، الهم هيكون صعب، ودلوقتي مفيش (لا يوجد) قدامنا في البيت زي ما اتفقت مع جوزي على تقليل النفقات والبروتين على الأخص من لحوم ودواجن وخلافه، ومش بعيد نكون زي ناس كتير مش بتشوف اللحوم إلا في العيد الكبير (الأضحى)، مفيش قدامنا غير كده”.
إسلام سامح عمارة، طالب جامعي، قرر التوفير بالمشي في مواجهة رفع الأسعار، وحكى قصة قراره على حسابه بموقع “تويتر” قائلاً: “كنت راكب تاكسي النهاردة من حي الجامعة لكلية طب وكان عايز ياخد ١٥ جنيهاً! دا أنا أخدها مشي أحسن”.
وكشفت إحصاءات رسمية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أنّ 27.8% من سكان مصر فقراء ولا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية من الغذاء وغير الغذاء، منهم 57% من سكان ريف الوجه القبلي فقراء في مقابل 19.7% من ريف الوجه البحري، و10.8% من السكان أي ما يصل إلى أكثر من 11.8 مليون مواطن هم في أدنى فئة إنفاق في مصر.
البحث عن عمل
البحث عن فرصة عمل في الظروف الطبيعية في مصر صعبة، لاعتبارات عديدة بحسب مراقبين، لكن في ظل الغلاء الجديد باتت أصعب، ولكن بحسب محمد صلاح، موظف بإحدى الشركات الخاصة، فإن البحث عليها ضروري، لاستكمال مصروفات البيت حتى آخر الشهر وسداد أي ديوان بينية خلاله، مؤكداً أن كثيراً من زملائه يتصلون به للاستفسار عن عمل إضافي بشركته التي تعاني بالأساس من أزمة في الفترة الماضية بسبب الركود والارتفاع المسبق للأسعار في فترات سابقة.
إبراهيم الطاهر، الكاتب المتخصص في الشأن الاقتصادي، يرى أن معدل الطلب على العمل في مصر سيزيد في الفترات المقبلة لكن دون وجود كيانات تستقبل هذه الزيادات أو قدرة مالية لدى أي كيان لإضافة عبء مالي عليه في ظل أسعار البنزين الجديدة، مشيراً إلى أن هناك قرابة 3.6 ملايين شخص عاطلون في مصر وفق آخر التقديرات الرسمية، بينما يكشف الواقع الاقتصادي عن إغلاق آلاف المنشآت في مجالات عديدة خاصة المرتبطة بالسياحة والتصدير التي كانت تستوعب ملايين من فرص العمل.
الحنين للماضي
الحنين للماضي بات سمة كثيرين من المصريين عقب الزيادات الأخيرة، والحكايات كثيرة، كما يقول عبدالله، صاحب العمر الأربعيني، الذي اشترط قبل الحديث عدم ذكره اسمه كاملاً؛ خوفاً من الملاحقات، مشيراً إلى أنه يتذكر أيام الرئيس د. محمد مرسي وكيف أنه رفض زيادة الأسعار عن طريق الخضوع لصندوق النقد الدولي، كما أن زملاءه يتندرون معه بالحديث عن أيام مبارك وأنها لم تكن بهذا الاستفزاز والفقر، بحسب قوله.
لغة الحنين كانت منتشرة كذلك على وسوم مواجهة الغلاء على مواقع التواصل الاجتماعي التي تصدرها وسم “البنزين”، ومنها حساب “المدني المنتخب” الذي قال: كانت الأنبوبة بـ8 جنيهات، ورغم ده قام مرسي بزيادة المرتبات 25%، ووضع ميزانية لكامل كادر المعلمين والأطباء.. ولم يبع تيران وصنافير، ومخلاش البنزين رفع المصريين، ويقولك الإخوان وحشين..”، على حد تعبيره، وعبارتي حكم العسكر والإخوان متداولتين على الوسوم بكثرة من باب المقارنات.
محمد عبدالجواد على وسم “البنزين رفع المصريين” وضع صورة الرئيس المخلوع حسني مبارك على حسابه بـ”تويتر” معلقاً بسخرية: “الواحد مش عارف أنت كنت بتسرقنا ولا كنت بتصرف علينا من جيبك”.
صاحب حساب “كائن غوغائي” هو الآخر شارك في الحنين للماضي، وخاصة عهد د. محمد مرسي، واستحضر صورة لمسلسل شهير يتحدث فيها الفنان المصري الراحل نور الشريف على البنزين رفع المصريين، وقال في تغريدة ساخرة: “فاكره يا فاطنة لما صحينا الريس مرسي من نومه نص الليل عشان يعتذر عن الأسعار اللي هو ما غلاهاش”!
الرفض الإلكتروني
غضب إلكتروني واسع وتحريض على الغضب تواصلا على مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” و”تويتر”، وانتشرت وسوم “البنزين”، و”البنزين رفع المصريين، إلا أن وسم “ارحل يا سيسي” حاز اهتماماً واسعاً خلال الأيام القليلة الماضية مع تصدره “ترند” موقع “تويتر” احتجاجاً على غلاء الأسعار، وعلى خلفية الأزمات السياسية والاقتصادية التي شهدتها البلاد تحت حكمه.
وقال الكاتب الصحفي المعارض سليم عزوز: “على فكرة زي ما فيه ناس تبع السيسي يقولون إن الإخوان ورا هشتاج ارحل يا سيسي فيه ناس تبعنا يقولون: إن الهشتاج عمل مخابراتي، إن الهشتاج وراءه مصر بكل أطيافها، لكنها المراهقة السياسية فيبدو أننا عدنا لزمن كان فيه كل واحد لابس نضارة شمس هو مخبر!”.
ودعا المجلس الثوري المصري في بيان له المصريين إلى رفض إجراءات رفع الأسعار بما يناسب معهم في ظل الظروف الحالية للبلاد التي وصفها بالقمعية، وقالت د. مها عزام، رئيس المجلس الثوري المصري: إن استمرار هذه المنظومة في الحكم لا يمكن أن تكون له أي نتيجة إلا انهيار للدولة المصرية وتفريغ ثرواتها لصالح حسابات قلة منتفعة ودول أجنبية وإقليمية، وكسر إرادة الشعب المصري لأجيال عديدة، مضيفة أنه لا سبيل لإنقاذ مصر من هذا الانهيار إلا التغيير الجذري والشامل لتكون مصر ملكاً لكل المصريين.