زوجتي قارئة ومثقفة وعقلها راجح وتأخذ كل أمورها بجدية لكنني مللت كل شيء
لم يكتفِ السائل بإقناع نفسه بأنه في مشكلة بل ظل يغذي مشاعره بالإحساس بها
جزء كبير من سمات حياتنا الزوجية تتشكل قبل ليلة البناء والعيش معاً في بيت الزوجية
جمال زوجتك أحد العناصر المؤثرة في قرار زواجك منها وليس هو السبب الوحيد
تصرفك بسلبية خلال فترة الخطبة هو الذي صاغ هذا الشكل من العلاقة غير السوية بينك وبين زوجتك
هناك فرق بين الإعذار والإقرار حتى لا يتمادى الطرف الآخر وتتفاقم الخلافات
أستاذي الكريم، سلام عليكم، أعاني مشكلة دائمة ومدمرة، ولا أمل في حلها، ولعلك تتساءل: لماذا أكتب إليك؟ إنها مشكلة مختلفة، نوع جديد من المشكلات أو العقد الحياتية، دعني أسرد لك الحكاية من البداية:
تزوجت فتاة جميلة، وتتحدث نساء الحي بجمالها، وعندما أخبرت أمها أمي بموافقة والدها على استقبالنا لخطبتها كانت -أو هكذا شعرت- أجمل ليالي حياتي، وبدأت أتعرف إليها، ووصلتني رسالة مباشرة وغير مباشرة عبر أول لقاء بمنّها عليَّ بالموافقة، ولانبهاري بجمالها وافقتها، بل وبالغتْ بالمنّ منها عليَّ، ولاحظتُ خلال فترة الخطبة أنها لا تترك هفوة إلا وتثير منها مشكلة، ورغم يقيني أن الموضوع تافه ولا يستحق مجرد الحديث فإنني حتى أنهي الخلاف كنت أعتذر، ولا تصفح إلا إذا وعدتها ألا أعود.
أما ما كان يفزعني فهو في أي اختلاف في وجهات النظر -مهما كان بسيطاً- تستعيد كل القصة من أول المنّ عليَّ بالموافقة على الزواج مني، وتسرد سلسلة هفواتي وكأنها الكبائر والموبقات.
وتزوجنا وأنا في قمة السعادة، حيث أقنعت نفسي بأن كل ذلك سيزول بعد أن يضمنا بيت واحد وتستقر أمورنا، ولكن لم تستمر الحال، بل تضاعفت الأمور، فأقنعت نفسي مرة ثانية بأن الانتقال من بيت الأهل إلى بيت الزوجية وما به من مسؤولية، والبعد عن حنان الأم هو الذي أثَّر عليها سلباً وضاعف من المشكلة، ولكن تعقدت الأمور أكثر مع الحمل، ومرة ثالثة أقنعت نفسي أن هذا من الآثار النفسية لما تعانيه من حمل وهكذا، إلى أن وصلت الأمور بنا بعد سبعة أعوام وثلاثة أبناء وزوج ضاق ذرعاً بالاعتذار والتأنيب، وإعادة الفيلم مع كل خلاف من أول لقطة، والتأكيد على أنني لن أعود إلى هذه الأخطاء مرة أخرى.
لا أنكر أن زوجتي قارئة ومثقفة، وعقلها راجح، وكل أمورها صغيرها وكبيرها تأخذها بكل جدية، وعادة هي المبادِرة، ولكنني مللت كل شيء.. جمالها ومبادراتها وتأنيبها، وتذكرها لكل أخطائي، حتى نفسي مللتها، مللت اعتذاري وحرصي على رضائها حلاً للمشكلات، وأصبت من ثلاثة شهور بلا مبالاة، حتى كرهت النظر في المرآة، وأيقنت أنه لا أمل غير أن أهرب لزوجة أخرى تعوضني سنوات العسل المر، وقد اتخذت قراري خلال فترة الانغلاق على نفسي، وبعثت فقط لأخبرك ولا أنتظر منك حلاً، فقد وجدت الحل!
التحليل
إن من أهم العوامل المؤثرة في قدرتنا على التعامل مع ما نواجهه من أعباء الحياة ومتطلباتها هو رؤيتنا الذاتية لأنفسنا، فإذا كانت هذه الرؤية إيجابية، بمعنى أننا نرى أنفسنا قادرين على مواجهة أعباء الحياة والتعامل معها، بما يمكننا من تحقيق آثار إيجابية لأنفسنا ومن نتعامل معهم، فإن هذه النظرة لأنفسنا تطلق الطاقات الكامنة في داخلنا بما يمكننا من تحويل ما نواجهه من سلبيات إلى إيجابيات، ونتذكر دائماً الحديث القدسي: «مازال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه..»، ومفهوم الحديث كما يرويه الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل يمنّ على عبده بطاقات من لدنه، أما النظرة السلبية للذات وما نغذي به أنفسنا من رسائل سلبية تنعكس آثارها تدميراً لطاقاتنا، وإهداراً لأي بذل للتفاعل الإيجابي مع متطلبات الحياة، حتى نرى أن كل موقف مشكلة، وننتظر حتى يأتي من يحل لنا ما اعتبرناه مشكلات، أو نهرب ونخلق لأنفسنا مشكلات أخرى.
أرى أن الموضوع المطروح اليوم يحتاج إلى هذه المقدمة، حيث بدأ صاحب المشكلة بإعلان صريح قائلاً: «مشكلتي مختلفة»، فلم يكتفِ بأن أحبط نفسه بأنه في مشكلة، بل ظل يغذي مشاعره بالإحساس بها، وتعميقاً للهوة النفسية التي صنعها لنفسه بإرادته، يصر على أنها مشكلة دائمة ومدمرة ولا أمل في حلها، هذه كانت البداية، أما النهاية فهو لا ينتظر مني حلاً، بل راسلني ليعلمني أنه توجد مشكلات ليس لها حل!
إن تفاعلنا مع ما نواجهه من أعباء الحياة هو انعكاس لمعتقداتنا، فمن اعتقد أن لكل مشكلة حلاً فإنه يبحث عن الحل ويصر عليه، لقناعته أن الحل موجود، أما من اعتقد أن ما يواجهه هو عُقَد حياتية فبالطبع لا يبحث عن حل، لقناعته أنه يواجه كارثة مدمرة لا حل لها، وكما قيل: لا تقل: “لديَّ همٌّ كبير”، ولكن قل: «أنا عبد لرب كبير».
إن جزءاً كبيراً من سمات حياتنا الزوجية تتشكل قبل ليلة البناء والعيش معاً في بيت الزوجية، حيث تساهم رؤيتنا الذاتية لأنفسنا كأزواج في تحديد مواصفات من نريد أو نحلم أن نقترن بهم، حيث عادة ما يتقدم الشاب للفتاة التي يرى أنها الأقرب إلى النموذج الذهني الذي صاغه عبر مفهومه عن الزواج، وفي المقابل قد تعتذر الزوجة التي اختارها لأنه لا يتوافق مع النموذج الذي صاغته عن شريك حياتها، من هنا يتضح مفهومك الخاص للزواج.
إن عنصر الجمال بالنسبة لحلمك بمن ترتبط بها يكاد أن يكون هو العامل المؤثر تأثيراً مطلقاً، ولا أنكر أهمية هذا الجانب، ولكن يجب أن يوضع ضمن منظومة متكاملة من المعايير المؤثرة، وحسبنا في ذلك الحديث الشريف: “تنكح المرأة لأربع؛ لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها..” (رواه البخاري ومسلم)، وذكر “الجمال” باعتباره أحد معايير الاختيار لدى الناس.
إن حياتنا تتشكل ليس بما نواجهه من أحداث، ولكن بكيفية تفاعلنا معها، ولا تؤثر البيئة فينا إلا بالقدر الذي نسمح نحن لها بذلك، ورغم قيمة وأهمية جمال الزوجة فإنه معيار نسبي؛ لذا جعل الرسول صلى الله عليه وسلم من سمات الزوجة الصالحة: “إذا نظر إليها سرته” (جزء من حديث رواه أبو داود والحاكم)، لكن أن يكون ديدن الزوجة المنَّ بجمالها فهذا تصرف خاطئ، وكذلك تفاعلك مع هذا التصرف وقبولك به وبالمبالغة في منّها عليك بجمالها، وكان الأولى بك أن تشيد بأخلاقها أو بحيائها وبرجاحة عقلها، فترسل لها رسالة مضمونها: أنه بالرغم من قيمة جمالها فإنه أحد العناصر المؤثرة في قرار زواجك منها وليس هو السبب الوحيد والمهم.
واعتذار الخطيب عن بعض تصرفاته التي لا تليق لخطيبته لا حرج فيه، ولكن المبالغة في ذلك ترسخ علاقة مستقبلية، وانتهاء الموقف ليس بالاعتذار فقط، ولكن -وهو الأهم- بالدروس المستفادة دون تأنيب أو تقليل من ذات الخطيب.
إن تصرفك بسلبية خلال فترة الخطبة هو الذي صاغ هذا الشكل من العلاقة غير السوية بينك وبين زوجتك، وأنت فقط المسؤول عن ذلك، فلربما -وهذا ما أتوقعه- لو كنت قد لفتَّ نظرها بأسلوب رقيق إلى بعض ما لا يروق لك، وتداركتما معاً التفاوت بينكما وهذا طبيعي بين البشر، فلا يُتصور التوافق الكامل بين أي خطيبين، ولكن يجب أن يتدربا معاً على كيفية التوافق وليس التطابق، ومن ثم القدرة على التفاعل الإيجابي لخلافهما والتجاوز عما لا يمكن الاتفاق عليه، وبذلك يكون للتباين بين كل منها قيمة مضافة لرصيد الأسرة، أما أن تضيع هذه الفترة المهمة جداً من مراحل الزواج لمجرد التعبير عن المشاعر العاطفية، ورغم قيمة وأهمية القبول والتفاعل العاطفي فإنه يجب عدم إهمال التنمية الوجدانية في هذه المرحلة بما تتضمنه من التقييم الموضوعي لمسار العلاقة بينهما، وقدرة كل طرف على قبول الطرف الآخر، وإلا.. فالاعتذار وإنهاء العلاقة هو ما يجب أن يتم.
يجب أن نفرق بين أن يعذر كل زوج زوجه فهذا حق لكل منهما على الآخر، ولكن هناك فرقاً بين الإعذار والإقرار حتى لا يتمادى الطرف الآخر وتتفاقم الخلافات، وتزداد الفجوة بين الزوجين، وكما تقول في رسالتك: استمرت زوجتك على حالها بعد الزواج، وكان موقفك انسحابياً، بعد أن تشابكت الخيوط التي عقدتها أنت، وتصورت أنت أنها مشكلة ليس لها حل، واعتبرتها أنت عقدة حياتية؛ كان قرارك بالهروب -الذي اعتبرته حلاً- بالزواج من أخرى.
الحل رغم قيمة وأهمية الآثار الجمة للتربية الصحية في مرحلة الطفولة والصبا والمراهقة، في بناء المعارف والتزود بالمهارات وإطلاق الطاقات التي تمكن الإنسان من تنمية ذاته وتقديرها؛ ومن ثمَّ التفاعل الإيجابي مع متطلبات الحياة، فإنه يمكن في أي مرحلة عمرية تدارك ما فات من التنمية الإيجابية، بل ومعالجة ما تراكم من سلبيات، وإليك يا أخي الحبيب الخطوات:
أولاً: الاستعداد النفسي:
1- اليقين بأنه كما أن للكون سنناً ونواميس مادية نظمها في إطار محكم الخالق العظيم، أيضاً هناك سنن ونواميس إنسانية تسير به عجلة الحياة تحت مشيئة وحكمة العليم الخبير، وما على المسلم إلا الأخذ بالأسباب تعبداً لله، ويسلّم ويرضى بما يقسم الله له، ولا يمكن أن يكون خوفنا من أن نفقد مَن نحب سبباً في اضطراب العلاقة، ونكون نحن السبب في إفساد علاقتنا به لحرصنا المرضي عليها.
2- التزود المعرفي والتدريب لتنمية مهاراتك على الثقة بالنفس وتنمية وقيادة الذات والعلاقات وأساليب حل الخلافات الزوجية.. والمكتبة العربية زاخرة بهذه الموضوعات، وكذلك مراكز التدريب ورعاية الأسرة.
ثانياً: إعادة صياغة علاقتك مع زوجتك:
1- إخلاص النية لله مع الاجتهاد بالدعاء.
2- لقاء المواجهة، التمهيد للقاء بهدية واختيار الوقت والمكان المناسبين وتفتح الموضوع معها على النحو التالي:
أ- حمد الله على توفيقه لكما بالزواج وإنعامه عليكما بالذرية.
ب- نحن بشر وأكيد تصرفاتنا بها قصور.
جـ- دعينا نسرد معاً بعضاً من أخطائنا ونضع برنامجاً لكيفية تخلصنا منها حتى نسمو معاً، ويمنّ الله علينا بالمودة والرحمة.
د- حاول أن يكون الحديث إيجابياً، بمعنى لا يُذكر أي خلاف إلا وتطرح ما الخطوات العملية لعلاجه وجبره.
هـ- تبادل المواقف، إن استجابت فخير وبركة، وإلا.. فأعلمها برفضك لأسلوب تعاملها معك، وغيّر أنت من أسلوب حياتك معها، بدءاً من تجاهلها حتى الهجر في الفراش، فإن استجابت في أي مرحلة فكافئها بما تحب وتهوى، واربط ذلك بمدى الارتقاء بخُلقها معك، وكن كريماً بعزة نفس وجواداً بإباء وتقدير، وإن لم تستجب فأخبرها برغبتك في الزواج لعدم رغبتها في الارتقاء بسلوكها معك، وامنحها فترة تراجع نفسها، ولا حرج في هذه المرحلة من طرح الأمر على وليِّها.