ما أن تشكلت الحكومة اللبنانية بعد مخاض سياسي عسير، وما أن بدأت أعمالها السبت، إلا وانطلقت أحاديث محلية وإقليمية ودولية تتحدث عن سيطرة “حزب الله” عليها، والتحذير من تداعيات ذلك.
الحزب المدعوم ماليًا وعسكريًا من إيران، لطالما سعى إلى السيطرة على الحياة السياسية في البلاد، الأمر الذي بات أقرب إلى الواقع مع الانتخابات النيابية الأخيرة.
ومثلت الانتخابات العامة في 6 مايو 2018م، مؤشّرا على فوز “حزب الله” بالغالبية الحكومية، بعدما فاز بالغالبية البرلمانية.
ففي تلك الانتخابات حصد “حزب الله” وحلفاؤه 75 مقعداً من أصل 128، مقابل 40 مقعداً لقوى “14 آذار”، وهي: حزبا “القوات” و”الكتائب” المسيحيان، وتيار “المستقبل” السني، بزعامة سعد الحريري.
وفازت الكتلة الوسطية القريبة من “14 آذار”، والمؤلفة من الحزب “التقدمي الاشتراكي” الدرزي ورئيس الحكومة الأسبق، نجيب ميقاتي، بـ13 مقعداً.
وبالتالي، فقد انعكست تلك النتائج على تشكيلة الحكومة، التي ترأسها زعيم تيار “المستقبل”، سعد الحريري، وأبصرت النور الخميس الماضي.
النصف زائد واحد
في نظرة إلى التوازنات الداخلية، فقد حصل تيار “المستقبل” على 6 وزارات من 30، فيما حصل حزب “القوات” على 4 وزارات، وبالتالي حصدت قوى “14 آذار” 10 وزارات، ولم تصل إلى “الثلث المعطّل” (لإصدار القرارات)، وهو 11 وزيرا.
بينما حصل “حزب الله” وحلفاؤه على 18 وزيرا، هم: 6 لـ”حزب الله” وحركة “أمل” الشيعية، و10 وزراء لرئيس الجمهورية، ميشال عون و”التيار الوطني الحرّ”، ووزير للقاء التشاوري السني، ووزير لتيار “المردة” المسيحي.
وحصل “الحزب التقدمي الاشتراكي” الوسطي على وزيرين، وذلك بعد تعثر دام أكثر من ثمانية أشهر في عملية تشكيل الحكومة.
وبناء على هذه التشكيلة، لا يمكن لفريق “14 آذار” تعطيل إصدار أي قرار حكومي؛ لأنه لا يملك “الثلث المعطّل”.
بالمقابل، يملك “حزب الله” وحلفاؤه النصف زائد واحد من عدد أعضاء الحكومة، ويمكنه تمرير أي قرار يريده، من دون أي قدرة للآخرين على تعطيله.
مصالح “حزب الله”
ما يزيد من مخاوف اللبنانيين هو أن “حزب الله” كان قادراً على فرض ما يريده من دون امتلاكه أغلبية نيابية ولا وزارية، فكيف سيكون الحال وهو يمتلك الأغلبيتين؟
يقول المحلل والكاتب السياسي، جوني منير: إن الحكومة الجديدة فيها توازن لمصلحة “حزب الله”، لكننا لا نستطيع القول إنه توجد سيطرة مطلقة للحزب ولا وجود لباقي القوى.
ويضيف أن “حزب الله” أمسك بالكثير من المفاصل الوزارية من خلال الوزارات التي تولاها أو من خلال حلفائه، وعلى رأسهم التيار الوطني الحرّ (المسيحي).
ويردف أن الحكومة الجديدة تؤمّن مصالح “حزب الله” الاستراتيجية، حيث بات يملك مع حلفائه 18 وزيراً، أي الغالبية المطلقة، وأكّد التيار الوطني الحرّ في مرات عدّة وكذلك الرئيس عون الانسجام مع “حزب الله” في الخيارات الكبرى.
ويلفت منير إلى أن واشنطن كانت ترغب بتفعيل حكومة تصريف الأعمال (برئاسة الحريري) وعدم التأليف حالياً (تشكيل الحكومة) بانتظار ظروف جديدة تقلب موازين القوى، بفضل العقوبات (الأمريكية) المفروضة على إيران، لكن التطورات الحكومية تسارعت.
ويوضح أن واشنطن تفصل بين العقوبات على “حزب الله” والداخل اللبناني.. ما زالت تُحيد المصارف اللبنانية عن العقوبات، كذلك المؤسسات الأمنية، وعلى رأسها الجيش اللبناني.
تحالف الحزب والتيار
من جهته يعتبر رئيس حركة “التغيير”، المحامي إيلي محفوض، أن التحالف بين التيار الوطني الحر و”حزب الله” ساهم بتأمين الرافعة الأساسية كي يخترق الحزب كل المواقع ومراكز السلطة من خلال الساحة المسيحية.
ويتابع في حديث لوكالة “الأناضول” أن “حزب الله”، الذي أخذ الغالبية الوزارية، استفاد من هذا التحالف للتسويق لفكرة أن التحالف هو ضمانة وطنية، لينكشف أنه كان تعويماً وشرعنة لسلاح غير شرعي مقابل كراسي ومناصب وسلطة لتتلاشى معها فكرة الدولة.
ويوضح: تبين حجم الضرر الذي وقع على الدولة من خلال هذا التحالف، الذي أعطى التيار ما يبتغيه من سلطة، مقابل تمكين الحزب أكثر فأكثر من أن يكون له المساحة الأوسع لفرض هيمنته من دون الاضطرار لتصويب المسدس.
وكان “حزب الله” قد وقّع مع “التيار الوطني الحرّ” في 6 فبراير 2006م، تفاهمًا ساهم بتغيير موازين القوى الداخلية لصالح “حزب الله”، والوقوف في وجه قوى “14 آذار”، المناوئة للمحور السوري الإيراني، والمدعومة عربياً ودولياً.
سيطرة إيرانية
إضافة إلى المخاوف الداخلية توجد تحذيرات خارجية من تداعيات سيطرة “حزب الله” على الحكومة، عبّر عنها أكثر من طرف.
وبهذا الصدد، قال رئيس الوزراء “الإسرائيلي”، بنيامين نتنياهو، الأحد: إن إيران تمتلك عدداً كبيراً من الوكلاء، و”حزب الله” أحدهم”.
وزاد بأن “حزب الله” يسيطر فعلاً على الحكومة اللبنانية، وهذا يعني أن إيران تسيطر على حكومة لبنان.
كما أعربت الولايات المتحدة الأمريكية عن قلقها، وحذّرت، الجمعة الماضي، من “ذهاب موارد وخدمات الوزارات التي تولاها مرشحو الحزب لصالح مؤسساته”.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، روبرت بالادينو: قلقون من أن “حزب الله”، الذي أدرجته الولايات المتحدة في قائمة المنظمات الإرهابية، سيظل يشغل مناصب وزارية، وسُمح له بتسمية مرشحه لمنصب وزير الصحة.
ويشغل “حزب الله” وزارة الصحة العامة، التي تعتبر موازنتها رابع أكبر موازنة للوزارات، إضافة إلى وزارة الشباب والرياضة ووزارة دولة.