شهدت مصر تضامناً واسعاً خلال الساعات الأخيرة في حملة الدفاع عن حياة د. محمد البلتاجي، القيادي الميداني البارز في ثورة 25 يناير وجماعة الإخوان المسلمين، وللمطالبة بوقف الإهمال الطبي في سجون مصر، بالتزامن مع ارتقاء اثنين من سجناء الرأي وسط إدانات حقوقية عادة ترفضها السلطات المصرية وتؤكد تمسكها بحقوق الإنسان وعدم تربصها بالسجناء.
حملة واسعة
وعلى وسم “الحياة للبلتاجي” طالبت رموز سياسية رفيعة المستوى ونشطاء وصحفيون ومعارضون السلطات المصرية بإنقاذ حياة البلتاجي، ووقف ما أسموه سياسات القتل البطيء في سجون مصر، بعدما ظهر البلتاجي، في آخر جلسة محاكمة له في 3 مارس الجاري، على درجة واضحة من الضعف وقلة التركيز، وأطلقت أسرته العديد من البيانات التي تطالب علاجه وإنقاذ حياته.
وكتب نائب الرئيس المصري الأسبق د. محمد البرادعي على حسابه الرسمي على “تويتر”: “لم ألتقِ في حياتي بالدكتور البلتاجي، ويقيني أنني مختلف معه فكرياً في الكثير من الأمور، ولكني لا أفهم إطلاقاً ما يحدث معه وغيره من السجناء من حرمان من حقوق أساسية يجب أن تتوافر لكل إنسان وتحت أي ظرف! ليست هذه مصر التي أعرفها ولا مصر التي نريد أن نراها”.
وقال النائب المصري السابق طاهر عبدالمحسن: إن د. محمد البلتاجي إحدى أيقونات ثورة 25 يناير، ونائب الشعب الذي ارتبط بآلامه وأحلامه في قضايا رغيف العيش والعبارة “السلام 98” وغلاء الأسعار والحرية والكرامة، وأفضل من رآه يعمل على صناعة المساحة المشتركة مع مخالفيه والبناء عليها، ولكنه يصارع الموت في سجون السيسي ويقتل ببطء والحياة حق له.
وأوضح في تغريدته أن البلتاجي يدفع ثمن موقفه في ثورة يناير وحربه ضد الدولة العميقة ومؤسساتها وبطولته في ميدان رابعة العدوية قبيل فض الاعتصام في 14 أغسطس 2013، مؤكداً أن رأسه المرفوع ورفضه الانكسار والتسليم هو سبب التنكيل به.
ويرى الإعلامي المصري بقناة “الجزيرة” مصطفي عاشور أن النظام في مصر يكره البلتاجي، بحسب وصفه، لأمور كثيرة، منها: رفضه لشخص السيسي وكونه رمزاً من رموز ثورة يناير ولتضحياته، فضلاً عن أنه أصبح رمزاً للرجولة والصمود لدى شباب الثورة.
الناشط منير اليماني ذهب إلى بُعد آخر في تضامنه، حيث أشار إلى أن أسرة البلتاجي “أسرة مجاهدة.. ما بين شهيد ومعتقل ومطارد”، مضيفاً أن البلتاجي يُقتل الآن بالإهمال الطبي بعد إصابته بجلطة في السجن ولا بد من إنقاذ حياته.
وتناول الإعلامي الساخر عبدالله الشريف الأزمة من بُعد آخر، حيث قارن بين ما حدث للبلتاجي وبين العفو الصحي الرسمي عن بلطجي مصري شهير يدعى صبري نخنوخ قائلاً في تغريدة له: “هناك طبيب مصري ترك عمله وبيته بعد الثورة وجاهد بنفسه وماله ووقته وبذلهم ليصبح هذا الوطن نظيفاً وطارد إمبراطورية البلطجة في مصر حتى استطاع أن يسجن زعيمها، فجاء العسكر وأصدروا عفواً عن البلطجي وسجنوا الطبيب وولده ونكلوا بهما وقتلوا ابنته وطاردوا من تبقى من أسرته”.
ودعا الناشط المصري محمد سلطان المصريين إلى التحدث عن البلتاجي قائلاً: “قُتلت بنته وسُجن هو وابنه وأُخفي ابنه قسرياً بعد أن برأه القضاء بعد 4 سنين سجناً وحُكم عليه بثلاثة أحكام إعدام و170 سنة سجناً، والآن يُقتل بطئاً بالإهمال الطبي حيث أصيب بجلطة، ولكن انتقام النظام الوحشي من عائلة البلتاجي سيكتب في كتب التاريخ، تحدثوا عنهم ولو بكلمة”.
وطالبت أسرته في بيان حصلت “المجتمع” على نسخة منه بتوفير إشراف طبي متخصص أو أن يتم نقله إلى مركز متخصص حيث يلقى الرعاية والمتابعة ولو على نفقته الخاصة، أو أن يشرف على علاجه أحد استشاري مستشفى المنيل الجامعي.
كما طالبت بجمع شمل البلتاجي مع ابنه أنس وفقاً للوائح السجون، خصوصاً مع تفاقم الحالة الصحية له وحاجته الحقيقية لمن يرعاه ويقيم معه في نفس الغرفة، أو في أصعب الأحوال يتم السماح لأحد زملائه في المحبس بمرافقته ليتمكن من تقديم المعونة في الحاجات الأساسية التي يصعب عليه أداؤها بنفسه مثل: تناول الدواء في مواعيده والطعام والشراب وغيرهما.
إدانات حقوقية
من جانبها، كشفت منظمة “هيومن رايتس مونيتور” عن وفاة ثاني ضحية يُقتل بالإهمال الطبي المتعمد في يوم واحد داخل سجون مصر في مساء الثلاثاء 19 مارس الجاري، موضحة أن المعتقل السياسي أحمد عبدالعزيز وشهرته “الكومي” توفي نتيجة للإهمال الطبي بسجن الأبعادية، حيث تدهورت حالته الصحية بشدة ودخل في غيبوبة كبدية، نقل على إثرها إلى مستشفى دمنهور العام ليموت فيها.
وأوضحت المنظمة أن الكومي البالغ من العمر 48 عاماً عمل كمدير لشركة الغزل والنسيج بكفر الدوار قبل أن تُلقي قوات الأمن القبض عليه في 15 مايو 2015 حيث بقى يعاني من مرضه طيلة الأربعة أعوام التي قضاها خلف القضبان على ذمة قضية “أحداث مسجد السلام”.
وأشارت إلى أن هذه هي الحالة الثانية للقتل المتعمد بالإهمال الطبي في سجون مصر حيث توفي صباح الإثنين 18 مارس عبدالرحمن الوكيل بسجن مركز شرطة بلبيس بالشرقية قبل تنفيذ قرار إخلاء سبيله.
وحملت المنظمة السلطات المصرية المسؤولية الكاملة عن حياة المعتقلين الذين قتلوا داخل سجونها بعد حرمانهم من الرعاية الطبية ومخالفتها للمواثيق الدولية التي نصت على وجوب رعاية المعتقلين وعدم حرمانهم من حقهم في الرعاية الطبية وفي الحياة.
وفي سياق متصل، استنكرت المفوضية المصرية للحقوق والحريات الإهمال الطبي الذي يتعرض له المدافع عن حقوق الإنسان إبراهيم متولي داخل محبسه بسجن طرة شديد الحراسة 2 والمعروف بسجن العقرب.
ووفق بيانها الذي رصدته “المجتمع” يعاني إبراهيم متولي خلال الفترة الأخيرة من التهابات شديدة بـ”البروستاتا” ورعشة بالأعصاب، وطالب كثيراً بعرضه على مستشفى السجن والسماح له بتلقي العلاج ودخول الأدوية وهو ما قوبل بالرفض، موضحة أن محامي المفوضية تقدم في 12 مارس 2019 بشكوى لنيابة المعادي شرق القاهرة حملت رقم عرائض (26 لسنة 2019) طالب فيها بنقل إبراهيم متولي إلى مستشفى القصر العيني الفرنساوي لتلقي العلاج اللازم لحالته، وفتح تحقيق فيما يتعرض له إبراهيم متولي من انتهاكات وحرمان من العلاج.
نفي حكومي
وفي المقابل، نفى مصدر أمني مصري في وقت سابق ما أثير عبر المنصات الإعلامية حول إصابة القيادي بجماعة الإخوان المسلمين محمد البلتاجي بجلطة دماغية في محبسه بالسجون المصرية.
ووفق جريدة “أخبار اليوم” المملوكة للدولة، فإن البلتاجي بحالة صحية جيدة ولا صحة لما نشرته هذه المنابر الإعلامية، وهو ما ردت عليه أسرته بإجراء الكشف الطبي عبر فريق طبي وإعلان حالته للرأي العام.