أخيرا، وبعد عام من التحضير والتشاور، أعلن مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، غسان سلامة، موعداً لانطلاق “الملتقى الوطني الجامع” للحوار.
وفي ظل تكتم شديد من سلامة، ينقسم الليبيون بين متفائل ومتشائم بشأن مؤتمر الحوار، وهو آخر بند متاح في خارطة طريق أممية لحل الأزمة القائمة منذ سنوات.
سلامة أعلن، في 20 مارس الجاري، تحديد أيام 14 و15 و16 أبريل المقبل، موعدا لانعقاد الملتقى بمدينة غدامس (جنوب).
الرهان الأخير
ما أن أعلن سلامة الموعد حتى تعالت أصوات سياسيين بين مؤيد يعتبر الملتقى أخر حل ممكن للأزمة، ورافض يرى أن التكتم الشديد حول الملتقى ينذر بفشله.
أعلنت الأمم المتحدة، في 20 سبتمبر 2017، خارطة تتضمن ثلاثة بنود، هي: تعديل الاتفاق السياسي لعام 2015، وعقد ملتقى وطني جامع للحوار، وأخيرا إجراء انتخابات عامة بنهاية 2018 .
انتهى 2018 دون إجراء الانتخابات ولا تعديل الاتفاق السياسي، ولم يبق أمام الأمم المتحدة سوى المراهنة على البند الثالث، وهو الملتقى.
دعم من مجلس الدولة
أول الداعمين للملتقى هو المجلس الأعلى للدولة (هيئة استشارية)، حيث عقد ستة اجتماعات لاختيار ممثلين له لحضور الملتقى.
لكن رغم الزخم الكبير الذي يوليه المجلس للملتقى، إلا أن رئيس المجلس، خالد المشري، عبر مرارا عن تحفظه على نقاط عديدة، أبرزها الغموض الذي يكتنفه، لاسيما في ظل عدم إعلان المدعوين للمشاركة.
وفي اخر اجتماع للمجلس، قبل أيام، قال المشري إنه طلب من سلامة “إيضاحات حول جدول أعمال الملتقى والمخرجات (النتائج) المتوقعة”، بحسب بيان لمكتب المشري.
وحول دعم مجلس الدولة للملتقى، قال فرج البشباش، أستاذ العلوم السياسية بالجامعات الليبية، لـ”الأناضول”: “إن السبب الوحيد لهذا الدعم هو أن الملتقى سيجدد شرعية المجلس، إذ سيكون مبنيا على مخرجات اتفاق الصخيرات، الذي نشأ المجلس بموجبه عام 2015”.
لكن فتحي الشيباني، أستاذ العلوم السياسية، استبعد ما ذهب إليه البشباش بقوله إن “ذلك غير صحيح”.
وأضاف الشيباني: “مرارا، وجه سلامة توبيخا صريحا للأجسام السياسية بالقول إن همها الوحيد هو البقاء في السلطة.. وهذه تعتبر دعوة لليبيين من أجل إنجاح الملتقى”.
وتابع: “في اخر مؤتمر صحفي قال سلامة إن (الأجسام القائمة يقضي عليها صندوق الاقتراع.. سأطلب من الليبيين تحديد تاريخ للانتخابات)”.
واعتبر الشيباني أن ذلك يعني أن “الملتقى قد يكون نهاية لمجلسي الدولة والنواب (المنعقد بمدينة طبرق- شرق) معا”.
ويعاني البلد الغني بالنفط من صراع على الشرعية والسلطة بين حكومة الوفاق الوطني، المعترف بها دوليا، في العاصمة طرابلس (غرب)، ومجلس النواب، المدعوم من قوات شرقي ليبيا، بقيادة خليفة حفتر.
توجس مجلس النواب
على الطرف الآخر، يقف مجلس النواب، إذ أبدى موافقة غير واضحة بشأن انعقاد الملتقى.
ورغم أنه حدد جلسة، الأسبوع المقبل، لإعلان موقفه، إلا أن رئيسه عقيلة صالح، أعرب، في أكثر من مناسبة، عن عدم تفاؤله بالملتقى.
وكشف صالح صراحة عن تخوفه، خلال لقاء مع وفد من مركز الحوار الإنساني بجنيف، وهو يساعد الأمم المتحدة في الإعداد للملتقى.
فخلال اللقاء، قبل شهر، رفض صالح أن “يكون الملتقى الجامع بديلا للمؤسسات الشرعية القائمة (يقصد من جهته مجلس النواب)”.
غياب للشفافية
رأى الكاتب السياسي الليبي، عيسي عبد القيوم، أنه “ما لم يكشف غسان سلامة عن كل أوراق الملتقى الجامع بشكل شفاف يحترم معاناة الشارع الليبي وتجربته السابقة مع حوار الصخيرات ستكون فرص نجاحه ضعيفة”.
وزاد عبد القيوم، على صفحته بـ”فيسبوك”، قائلا: “فكما أن القبول بالملتقى موقف إيجابي ووطني في حال توفرت شروط نجاحه.. فإن رفضه أيضا سيعتبر موقف إيجابي ولا يقل وطنية في حال ظل الغموض سيد الموقف”.
أمور غامضة
“غامض”.. هكذا وصفت لجنة كتابة الدستور إعلان سلامة بشأن الملقتى، على لسان عضوة اللجنة، نادية عمران.
وقالت عمران، في تصريح صحفي: “هناك أمور غامضة حتى اللحظة بشأن تشكيلة الملتقى والمعايير 17، التي تم على أساسها الاختيار (بشأن المشاركين)”.
وشددت على وجود غموض أيضا بشأن “أهداف الملتقى، والقرارات التي ستنتج عنه، وآلية اتخاذ القرارات فيه، إضافة لمدى شرعيته”.
الشكوك والانتقادات الموجهة إلى الملتقى والتقليل من فرص نجاحه دفعت نحو تساؤلات عديدة، في ظل وجود مبادرات أخرى للحل.
من أبرز تلك المبادرات جمع قطبي الأزمة، وهما رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فائز السراج، وخليفة حفتر
وقال السياسي الليبي، علي الزليتني، لوكالة “الأناضول”: “لكن ذلك خطأ كبير، فإن كان حفتر والسراج سيحددان مصير ليبيا في جلسات بينهما، فما الحاجة لمشاركة بقية الليبيين في الملتقى”.
ومضى قائلا إن “سلامة ربما ينوي طرح ما اتفق عليه السراج وحفتر على باقي الأطراف، فإن وافقوا عليه فسيكون تطبيقه سهلا، وسيكون قد منحهم الشعور بأنهم يشاركون في تحديد مصير بلدهم”.
واستطرد: “إن كان هذا هو تفكير سلامة، فذلك يفسر عدم كشفه عن مخرجات لقاء حفتر والسراج حتى الآن، رغم مطالبات له بالكشف عنها”.
وهو ما تطرق إليه أيضا المستشار السياسي السابق بالمجلس الأعلى للدولة، أشرف الشح، في تغريدة على “تويتر”، قبل أيام.
من سيشارك؟
حتى قوائم المشاركين، التي يعتبرها كثيرون كلمة السر لإنجاح الملتقى، ما يزال يتكتم عليها سلامة، باستنثاء قوله إن “ما بين 120 و150 شخصية ستشارك”.
الزليتني رأى أن ذلك العدد “غير كاف.. لو افترضنا أنه سيدعو شخصية من كل جهة، قبائل ونواب ومجتمع مدني وأحزاب وغيرهم، فقد نسي أن كل تلك الأجسام منقسمة على نفسها، ولن تكتفي بواحد ليمثلها”.
التكتم على المشاركين فتح الباب أمام تداول أكثر من سبع قوائم قال سلامة إنها “جميعا مزورة”.
وكتب، عبر “تويتر” الإثنين: “هناك لائحة واحدة صحيحة لا غير، وهي بحوزتي، ويتم إبلاغ المشاركين تباعا من قبل البعثة (الأممية)”.
لكن الزليتني اعتبر أن “التكتم على الأسماء أمر غير جيد.. فمن حق من سيوافق على المشاركة أن يعرف من سيجلس معه في الحوار”.
وزاد بأنه “من حق المشاركين أيضا التجهز والتشاور مع من سيمثلونهم، لكن الوقت غير كاف؛ فسلامة يتأخر في إبلاغهم “.
كل ذلك الغموض دفعه إلى القول إن “الملتقى لن يكون تشاوريا ولا حواريا، بل سيطرح حلولا تبدو ملزمة، وعلى المشاركين القبول أو الرفض”.
وختم الزليتني بأن “سلامة ربما يهدف من التحفظ على إعلان الأسماء إلى قطع الطريق على من لن يجدوا أسمائهم ضمن المشاركين، ويُتوقع منهم العمل على إفشال الملتقى”.