لم يجد الآف اللبنانيين خيارا، إلا سحب ما تيسر من ودائعهم البنكية، بعد فرض مصرف لبنان المركزي قيودا، يحد من حرية عملاء البنوك في سحب حاجتهم من “تحويشة العمر” المودعة في المصارف.
واتخذت المصارف اللبنانية مؤخراً، جملة إجراءات متشددة قالت إنها بسبب الأزمة المالية التي تمر بها البلاد، وشح السيولة الأجنبية التي يعاني منها لبنان، منذ بدء الاحتجاجات الشعبية في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019.
وقررت المصارف تنفيذ خفض بنسبة 50 بالمئة من السحب بالدولار، عما كانت تسمح به في الأشهر الماضية، حيث أصبح سقف السحب 400 دولارا شهريا للمودعين الصغار، ولا يتخطى 1500 دولارا كل أسبوعين لأصحاب الحسابات التي تتعدى مليون دولار.
يتخوف اللبنانيون، من أن تكون الإجراءات المتشددة مقدمة لاجراءات أصعب قد تتخذها المصارف بعد أشهر من آلان، خصوصاً أن معالم أزمة أكبر تلوح بالأفق، مع عدم تقديم الحكومة الجديدة حلولا عملية.
** صعوبات معيشية
قالت لبنى عياش وهي موظفة، للأناضول: “بعد هذه الإجراءات المصرفية الجديدة، أصبحت أوضاعنا أصعب، راتبي ينزل عبر حسابي في البنك، ولا يمكن ان أتقاضى شهريا منه إلا نصفه، لدي عائلة ولا أعلم كيف أتمكن من تلبية مصروفاتنا”.
بينما جورج القسيس وهو مدير في مؤسسة خاصة، يقول: “أحاول منذ بداية الأزمة، سحب أموالي من المصرف، بداية كانوا يسمحون بسحب 500 دولار أسبوعيا، تراجع الرقم إلى 200 دولار أسبوعياً، ثم 100 دولار أسبوعيا”.
وقال قاسم ناصر، وهو كذلك موظف، إن “ما يحصل إذلال بحق المواطنين.. لا نريد سوى أموالنا التي هي حقنا، ما يحصل لا يتقبله أي عقل ولا يحميه أي قانون”.
** أزمة ثقة
كشف رئيس اتحاد نقابات موظفي المصارف، جورج الحاج، في حديث للأناضول، أن “ما بين 6 إلى 7 مليارات دولار سحبت من المصارف، منذ بدء الأزمة النقدية في البلاد”.
وقال الحاج إن “الأموال المسحوبة من البنوك لم تخرج من لبنان، وهي موجودة بحوزة المواطنين، وذلك بسبب فقدان اللبنانيين ثقتهم بالمصارف العاملة في السوق المحلية”.
“حجم المبالغ التي سحبت بالدولار نقداً من المصارف كبير جداً، مقارنة مع السنوات السابقة، فما سحب في أواخر 2019، يساوي ما يسحب عادة من المصارف خلال عامين”.
وزاد: “لم يتبدل شيء لنقول إن هناك انفراجات، أزمة المصارف متعلقة بالأزمة السياسية في البلاد، ولا حل لأزمة المصارف ما لم تسترد ثقة المجتمع الدولي بلبنان كدولة”.
“طالما هناك جهات دولية وعربية غير مقتنعة بالتركيبة الحالية للنظام السياسي، والمسؤولين بالسلطة، سيبقى الضغط مستمر علينا ولن تصل إلينا أية مساعدات، هذا سيشكل مشكلة أكبر في لبنان”.
وتعليقاً على احتمال اتخاذ المصارف إجراءات أكثر تشدداً في الأيام المقبلة، قال الحاج: “لا اعتقد أن المصارف ستتخذ إجراءات متشددة أكثر إلى حد عدم إعطاء الناس الدولار، سيبقون بهذا الحد من الإجراءات”.
وأكد أن “سعر صرف الدولار قد يعود في السوق المحلية إلى مستوياته في البنك المركزي والبنوك عند 1500 ليرة في حال حلت الأزمة”؛ إذ يبلغ الدولار في السوق الموازية 2200 ليرة.
**شيك بانكير
يلجأ بعض اللبنانيين وأصحاب الحسابات المصرفية الكبيرة، إلى مطالبة البنوك بتسليمهم “شيك بانكير” في محاولة للحصول على أموالهم من خارج المصارف.
إذ يقوم المودع ببيع الشيك لمصرفي بنسبة ربح 30 بالمئة أو ما يعرف بـ “التكييش” أي صرف شيك بأقل من قيمته الحقيقية حتى وإن لم يستحق تاريخه بعد.
** أزمة العقارات
وانعكست أزمة الدولار وإجراءات المصارف بشكل كبير على القطاع العقاري، سواء في البيع أو التأجير، بسبب عدم توفر الدولار وارتفاع قيمته مقابل العملة المحلية، فبعض التجار وأصحاب العقارات يطالبون زبائنهم بالدفع بحسب سعر صرف العملة في السوق السوداء.
وقال نشأت حمية، وهو صاحب مكتب عقاري جنوب مدينة بيروت للأناضول، إن “القطاع العقاري يواجه مشكلة مع الزبائن بعد الأزمة والإجراءات التي أقرتها البنوك”.
وأضاف أن “الكثير من الزبائن لا يستطعيون تأمين الدولار من السوق، لأن سعره ارتفع، إضافة إلى أن البنوك لا تعطي الدولار إلا لمن لديه حساب بالدولار، ووضعت حدا معين للسحب من حساباتهم”.
ولفت إلى أن “من يستطيع الدفع بالعملة اللبنانية، يضطر إلى اعتبار سعر الدولار كما هو في السوق الموازية وليس بالسعر الرسمي، وهذا أدى إلى عجز المشتري عن الوفاء بدفعات التقسيط للشقة”.
وأردف: “أكثر مشكلة يواجهها تجار البناء، هي شراء المواد اللازمة في البناء بالنقد الأجنبي أو بسعر الدولار في السوق الموازية.. وهذا يزيد من تكلفة البناء وبالتالي يتحمل الفرقية المستهلك النهائي”.