– الأسرة أصبحت في مهمة صعبة للتعامل مع الكم الهائل من الرسائل الإعلامية التي تنتشر عبر مختلف الوسائط تجاه الأطفال وعقولهم
– المتابع لإعلام الطفل اليوم سيلاحظ أنّ كبار المستثمرين عالمياً في ميدان الإعلام والترفيه يتوجهون للاستثمار في الإعلام الموجّه للأطفال
– العولمة جعلت عدداً كبيراً من المؤسسات تبحث عن كل ما يمكن أن ينال من اهتمام الأطفال بغض النظر عن جودته وصلاحيته القيمية
– أطفالنا اليوم يتعرضون لمثيرات متعددة ولا يستطيعون التمييز بين الصالح والطالح دون توجيه وتنظيم من الوالدين والمعلم
إنّ النمو المعرفي أو العقلي للطفل يكون نتيجة لتأثير عاملين أساسيين؛ هما البيئة والوراثة، وتفاعل الطفل معهما كما أشارت إلى ذلك معظم النظريات التربوية، حيث إنّ لا خلاف بأنّ الكروموسومات التي يتم تناقلها من الأبوين للأبناء لها تأثير ولو بدرجة بسيطة بما يسمى بعنصر الاستعداد، ولكن بدون تكريس تلك الخصائص وتقويتها فهي لن تكون، وأما تأثير البيئة فحدّث ولا حرج؛ فالبيئة بكافة أشكالها أصبح لها التأثير الأقوى على الأطفال عامة، وخاصة مع التحوّل الكبير الذي شهده العالم من خلال ما يسمى بالانفجار المعرفي والتكنولوجي وزيادة تأثير العناصر البيئية بمختلف أشكالها على الطفل اليوم، حيث إن هناك عناصر متعددة أصبحت تشارك الأسرة في تربية الطفل وتدريبه لمواجهة العالم الخارجي والتعامل مع الحياة ومتطلباتها؛ فذلك الطفل الذي كان يحتاج لخمس سنوات للحصول على معرفة معينة، فهو اليوم يمكنه الحصول عليها بأيام أو شهور، إنّه عالم السرعة كما يقولون، فلماذا لا يكون كل شيء يسير على قاعدة السرعة وقفز المراحل؟!
لعلّ من أهم عناصر البيئة اليوم هي الأدوات الإعلامية بشقيها التقليدي والتكنولوجي، والغلبة عادة ما تكون للأدوات الإعلامية الإلكترونية على حساب شريكها الإعلام التقليدي، ولكن ذلك الإعلام عموماً بتأثيره على تفكير الطفل يتم التعامل معه تربوياً كمنظومة متكاملة تبدأ من الأدوات التقليدية كالتلفاز والمذياع والصحيفة والمجلات، وتنتهي بالكمبيوتر والأجهزة الإلكترونية المحمولة، فتأثير وسائل الإعلام (الميديا) بشقيها التقليدي والإلكتروني على الطفل ونموه العقلي والمعرفي كبير جداً، حيث إنّ عدداً من الدراسات أشارت إلى أن تأثيره قد يسبق الأسرة والمدرسة اللتين كانتا تتصدرا التأثير على المنظومة المعرفية للأبناء سابقاً.
وأصبحت الأسرة في مهمة صعبة للتعامل مع الكم الهائل من الرسائل الإعلامية التي تنتشر عبر مختلف الوسائط تجاه الأطفال وعقولهم، سواء كان ذلك بفعل قوة تأثير الإعلام أو لضعف تأثير الأسرة أو كلاهما.
إن المتابع لإعلام الطفل اليوم في العالم سيلاحظ أنّ كبار المستثمرين عالمياً في ميدان الإعلام والترفيه يتوجهون للاستثمار في الإعلام الموجّه للأطفال (ديزني على سبيل المثال لا الحصر)، حيث إنّ الشريحة كبيرة والأرباح حدّث ولا حرج! ولم يتوقف ذلك على البرامج والمسلسلات والأفلام فقط، بل اتّسع مضماره ليشمل ألعاب الفيديو، والإنترنت وما نراه من قنوات متخصصة للأطفال، حيث إنّ التنافس في مجال إعلام الأطفال كبير جداً، لكن المخيف في الأمر أنّ العولمة جعلت عدداً كبيراً من تلك المؤسسات تبحث عن كل ما يمكن أن ينال من اهتمام الأطفال بغض النظر عن جودته وصلاحيته القيمية، لا سيما أنّ ذلك الإعلام قد لا يتوافق مع ديننا ومنظومتنا القيمية وأخلاقنا، وذاك محور الخطر الأكبر خصوصاً مع ما نشهده من غياب لتأثير الوالدين على الأبناء، وحرية الأبناء في اختيار برامجهم التلفزيونية دونما مراقبة أو متابعة من أحد.
السؤال اليوم: أين الإعلاميين العرب، أين المستثمرين؟ أين أصحاب الفكر والتربية في دعم القنوات المتخصصة للأطفال؟ خصوصاً أنّ الوطن العربي يمتلك شريحة كبيرة من الأطفال وهو جيل المستقبل، فماذا صنعنا لجيل الأطفال حتى يشكرونا عليه لاحقاً؟ فأطفالنا اليوم يتعرضون لمثيرات بيئة متعددة المصادر، ولا يستطيعون التمييز بين الصالح والطالح منها دون توجيه وتنظيم من الوالدين في المنزل والمعلم في المدرسة؛ فلا بد من مراجعة سريعة وتنقيح للبرامج التي تقدم للأطفال وخاصة المدبلجة، والبحث عن بديل يلامس ثقافتنا العربية.
إن عدنا للماضي الجميل سنرى أن الإعلام العربي كان حاضراً بقوة فيما يخص برامج الأطفال، فعلى سبيل المثال “افتح يا سمسم”، “المناهل”، “اسألوا لبيبة”.. تلك البرامج التي حملت معاني وفوائد كبيرة، فأين حضور الإعلام العربي اليوم في فكر الأطفال وعقولهم؟!
______________________________
abdelfttahnaji@yahoo.com