تمتلئ الميادين الرئيسة في العاصمة المصرية بلافتات المرشحين لعضوية مجلس الشيوخ المصري، الذي تُجرى انتخاباته على مدى يومين، بدءاً من الحادي عشر من الشهر الحالي.
ويتكرر المشهد الدعائي على طول الكباري والشوارع الرئيسة في العاصمة وعواصم المحافظات، إلا أنه لا يوجد اكتراث من قبل الجمهور إزاء تلك اللافتات التي لا يعرفون أصحابها ولا تعنيهم في شيء، بعد أن شغلتهم رحلة البحث عن لقمة العيش وسط حالة الركود التي تعم الأسواق، التي زادت حدتها إثر تداعيات فيروس كورونا، ربما استفاد من المشهد مادياً بعض العاملين بمجال الدعاية والإعلان بعد فترة من تراجع النشاط، لكن هؤلاء لا يشكلون نسبة كبيرة من الجمهور.
وحتى هؤلاء المستفيدون مادياً وغيرهم لم تعد لديهم ثقة بالعملية السياسية برمتها، في ظل غياب الحريات في مرحلة ما بعد يوليو 2013م، واستمرار حبس العديد من الرموز، سواء من التيار الإسلامي أو غيره من التيارات الليبرالية واليسارية، وبعد أن عاشوا طوال السنوات الأخيرة غياب الدور البرلماني الرقابي على قرارات السلطة التنفيذية، التي قلصت دعم المحروقات والكهرباء وزادت من تكلفة الخدمات الحكومية، بل وتحول البرلمان إلى أداة لتنفيذ ما تريده السلطة التنفيذية، فإذا كان هذا هو حال مجلس النواب المختص دستورياً بالتشريع ورقابة الحكومة، فهل يمكن التعويل على مجلس الشيوخ القادم المنزوع الصلاحيات أصلاً بحكم قانونه؟
رحلة مجلس الشيوخ خلال 97 عاماً
ولهذا يحتفظ الناس بآرائهم سواء في مجلس الشيوخ القادم أو في غيره من الأمور التي تدور حولهم، مثل الاتجاه لاقتطاع نسبة 1% من أجور العاملين منهم في الحكومة مدة عام، واقتطاع نسبه 0.5% من أموال أصحاب المعاشات لمدة عام أيضاً، أو زيادة أسعار الكهرباء مؤخراً، في حين أن انتخابات مجلس الشيوخ لن تقل تكلفة إجرائها، من مكافآت للقضاة والموظفين والتأمين، عن المليار جنيه، إلى جانب مكافآت ونفقات جلسات مجلس الشيوخ التي لن تقل عن نصف مليار جنيه سنوياً.
وقد أيقن الكثيرون أنه لا فائدة من إبداء آراء قد تكون سبباً في إلحاق الضرر بهم، ولهذا وكما تعايشوا مع الفيروس فإنهم يتعايشون مع أي إجراء حكومي مهما كان غريباً ومجحفاً، ويتخذ البعض من التقية وسيلة للتظاهر بالرضا والموافقة على التصرفات الحكومية رغم إضرارها بهم.
وتعود رحلة المصريين مع مجلس الشيوخ إلى عام 1923م، حينما نص عليه الدستور الذي صدر في نفس العام كإحدى غرفتي البرلمان مع مجلس النواب، ورغم تعطيل ذلك الدستور بدستور 1930م، فإن هذا الدستور، الذي لم يمكث سوى أقل من خمس سنوات، أبقى على مجلس الشيوخ، وهكذا استمر مجلس الشيوخ بإلغاء دستور 1930 عام 1934م، حتى ألغاه ضباط حركة الجيش فيما بعد في يوليو 1952م.
وظل مجلس الشيوخ ملغياً حتى أعاده الرئيس أنور السادات كغرفة ثانية للبرلمان مع مجلس الشعب عام 1980، وفق دستور عام 1971م، تحت مسمى مجلس الشورى، وظل يمارس مهامه حتى ألغاه المجلس العسكري حينما ألغى دستور 1971م ومجلس الشعب والشورى بعد ثورة يناير 2011م.
وقامت انتخابات جديدة عام 2012 للبرلمان بغرفتيه، لكنه بعد استيلاء الجيش على السلطة في يوليو 2013م تم تعطيل مجلس الشورى، حتى رأت لجنة الخمسين لإعداد دستور 2014م أنه لا حاجة للبلاد بمجلس الشورى.
وظل الأمر كذلك لحوالي سبع سنوات، حتى أقرت التعديلات التي جرت على دستور 2014 عام 2019م إعادة المجلس من جديد، ولكن تحت اسم “مجلس الشيوخ”، وبالفعل صدر قانون خاص به في بداية يوليو الماضي.
تعيين ثلث الأعضاء من المَلِك إلى الرئيس
وخلال نحو 97 عاماً من رحلة المصريين مع مجلس الشيوخ الذي عاد إلى اسمه الأول؛ لم تتغير الصورة كثيراً، فحسب دستور 1923م، كان الملك يعين نسبة 40% من أعضائه، ونسبة الـ60% بالانتخاب، وفي عهد الرئيس السادات كان ثلثا الأعضاء البالغ عددهم 264 عضواً بالانتخاب، والثلث بالتعيين من قبل رئيس الجمهورية.
ونص دستور 2012م الذي لم يمكث سوى عدة أشهر على ألا يقل عدد أعضائه عن 150 عضواً، نسبة 10% منهم بالتعيين من قبل رئيس الجمهورية، وحسب آخر قانون صدر الشهر الماضي، فقد بلغ عدد الأعضاء 300 عضو، ثلثاهم بالانتخاب وثلثهم بالتعيين، إلا أن الأعضاء الذين سيتم اختيارهم بالانتخاب ينقسمون إلى قسمين متساويين؛ 100 مقعد بالانتخاب الفردي، والـ100 الأخرى من المقاعد من خلال 4 قوائم على مستوى كل المحافظات.
وأظهرت بيانات الهيئة الوطنية للانتخابات المشرفة على الانتخابات ترشح 786 شخصاً للمقاعد الفردية، وكان أعلى عدد للمرشحين في القاهرة المخصص لها أكبر عدد من المقاعد، بـ10 مقاعد، تليها الجيزة مع 73 مرشحاً يتنافسون على 8 مقاعد، وفي الإسكندرية 67 مرشحاً يتنافسون على 7 مقاعد، وفي القليوبية 60 مرشحاً يتنافسون على 6 مقاعد.
وكان أقل عدد من مرشحي المقاعد الفردية في محافظة الوادي الجديد التي ترشح فيها شخصان للتنافس على مقعد واحد، ومحافظة جنوب سيناء 5 مرشحين للتنافس على مقعد واحد، وفي الفيوم 9 مرشحين للتنافس على 3 مقاعد.
ورغم سماح القانون بالترشح على المقاعد الفردية للأحزاب والمستقلين عن الأحزاب، فإن هناك هيمنة واضحة لمرشحي حزب “مستقبل وطن” الذي تأسس فيما بعد يوليو 2013 من قبل أتباع النظام الحاكم الذي تمتلئ شوارع المدن والقرى بلافتات مرشحيه، مما يجعل المنافسة معه دعائياً غير مجدية، سواء لأسباب مادية أو لقصر فترة الدعاية ومحاذير التواصل مع الجمهور بسبب الضوابط الصحية لفيروس كورونا.
وبالنظر إلى قائمة مرشحي الحزب في القاهرة، الذين تملأ صورهم شوارع وميادين وكباري العاصمة، نجد غلبة رجال الأعمال عليهم، فهذا عضو منتدب لشركة عقارية كبرى يرأسها والده صاحب أحد أكبر مكاتب الاستشارات الهندسية والمقاولات، وهذا رئيس لشركة للتعبئة والتغليف والرئيس السابق لشركة إسكان، وهذا رئس لشركة تجارية، وهذا صاحب مكتب استيراد وتصدير، وذاك مدير عام لشركة للصناعات الهندسية يرأسها والده صاحب المركز المرموق في اتحاد الصناعات، وهذا صاحب معهد أزهري خاص، وهذا رئيس لمدرسة بريطانية دولية في القاهرة، وهذا رئيس لجامعة عربية خاصة.
وربما كان ذلك لتكليفهم بدفع جانب من نفقات الدعاية الضخمة، التي يشارك في تمويلها رجال أعمال آخرون معلنة أسماؤهم في بعض تلك الإعلانات، لكنه على الجانب الآخر يثير المخاوف من سداد هؤلاء فواتير ما دفعوه من وراء نفوذ عضوية المجلس الجديد.
قوائم انتخابية بلا منافسة
أما القوائم الانتخابية الأربع التي تضم محافظات مصر الـ27، فتضم القائمة الأولى منها 6 محافظات، على رأسها القاهرة وأخرى بجنوب ووسط الدلتا ولها 35 مقعداً، والقائمة الثانية تضم 11 محافظة في شمال ووسط وجنوب الصعيد، على رأسها الجيزة ولها 35 مقعداً، والقائمة الثالثة لمحافظات شرقي الدلتا الـ7، وعلى رأسهما الشرقية، ولها 15 مقعداً، والقائمة الرابعة تضم محافظات غرب الدلتا الـ3، وعلى رأسها الإسكندرية، ولها 15 مقعداً.
وذكر الموقع الإلكتروني للهيئة الوطنية للانتخابات ترشح قائمة واحدة فقط باسم القائمة الوطنية من أجل مصر (كليوباترا) في الدوائر الـ4 للقوائم، ولم تظهر أي قائمة منافسة في أي من تلك الدوائر الـ4، وهو أمر متوقع في ظل المناخ العام للحريات، وعدم استطاعة أي تكتل منافسة القائمة الحكومية التي تتطلب ترشيح هذا العدد الكبير من المرشحين وعدد مساو لهم كاحتياطيين.
وهذا يعني في النهاية أن الانتخابات الفردية محسوبة لقائمة حزب “مستقل وطن”، وانتخابات القوائم محسوبة وبلا منافسة أصلاً ولو شكلية لقائمة “كليوباترا”، فإذا أضيف المئة المعينون، فنحن أمام مجلس حكومي بامتياز.
وإذا كانت المادة (50) من قانون مجلس الشيوخ الصادر الشهر الماضي تشير إلى أن رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء وغيرهم من أعضاء الحكومية غير مسؤولين أمام مجلس الشيوخ، فإن المادة (107) من دستور 1923 تشير إلى أنه لكل عضو من أعضاء البرلمان (النواب والشيوخ) أن يوجه إلى الوزراء أسئلة أو استجوابات، وفي المادة (108) من دستور 1923: “ولكل مجلس (النواب والشيوخ) حق إجراء التحقيق ليستنير في مسائل معينة داخله في حدود اختصاصه”.
__________________________
نقلاً عن “عربي21”.