جاء قانون هدم المنازل بمصر ليثير موجة من الغضب بين المواطنين بسبب التعسف الشديد في تنفيذه، وعدم الأخذ في الحسبان الظروف الاقتصادية، وتكلفة هذه المباني ومدى المعاناة من جانب أصحابها في بنائها؛ وهو ما جعل موجة من الغضب تتفجر في الشارع المصري أدت إلى مواجهة مع الشرطة في بعض المناطق من البلاد.
وفي هذا السياق وصف عدد من الخبراء ما يجري من هدم وإزالة لمنازل المصريين بالجريمة التي ترتكب ضدهم في مخالفة صريحة للدستور وقوانين البناء التي تمنع تماما أي إجراءات، من شأنها تعريض الأسر التشريد وإخلاء المنازل قسريا دون توفير بديل.
كما حذروا في تصريحات خاصة لـ”المجتمع” من أن تؤدي هذه الممارسات إلى نتائج غير محمودة ومواجهة حتمية بين الدولة والمواطنين، ربما ينتج عنها موجة غضب تأخذ معها الأخضر واليابس حسب وصفهم، ولا يمكن إيقاف هذا الغضب أو التنبؤ بنتائجه التي يمكن أن تقود إلى ثورة شاملة ضد نظام السيسي، لكن دون قدرة على التحكم في مسارها مما يهدد كيان الدولة المصرية.
ومؤخرا شرعت الحكومة المصرية في موجة من هدم وإزالة العديد من المباني التي يقطنها المواطنون بحجة مخالفة قوانين البناء، ورغم أنها طرحت طرق للمصالحة وتسديد الغرامات، إلا أن المواطنين اشتكوا من حجم هذه الغرامات الكبيرة فضلا عن ضيق المدة التي منحتها الحكومة للسداد، وهو ما جعل دفع هذه الغرامات صعبا للغاية.
وجاءت هذه الممارسات بالهدم مخالفة للدستور المصري في مادته 63 التي تنص على أن الحياة الأمنة حق لكل إنسان وكذلك المادة 35 التي تنص على أن لا عقوبة إلا بنص ويحظر التهجير القسري التعسفي وان مخالفة ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم.
إفاقة مؤلمة
وفي سياق تعليقه يقول البرلماني المصري السابق د.جمال حشمت إن ما جرى من ممارسات ضد المصريين قد يكون سببا في إفاقتهم ضد الظلم والفساد، لكنه حذر من أن هذه الإفاقة ستكون مؤلمة ومكلفة للجميع للوطن والشعب والنظام، مؤكدا أنه لو كان أحسن النظام الحاكم معاملة الشعب الذي ضحك عليه في البداية لكانت فرصة استمراره أكبر.
وأشار في حديثه لـ”المجتمع” إلى أن استعمال العنف في كل قرار وتصرف يهيئ الظروف لضغوط شديدة توتر الأجواء، وتجعل ما كان صعبا في المقاومة والرفض أسهل؛ فلن يصيب الشعب أسوأ مما حدث رغم بعد الناس عن الحكم والسياس.
مخالفة للدستور
أما المحامي والحقوقي أحمد العطار فأكد أن ما يحدث الآن في مصر هو جريمة بحق الآلاف من المواطنين؛ حيث تخلت الدولة المصرية عن دورها في توفير سكن مناسب وحياة كريمة حتى طحنتهم الحياة، وإن الحملة الحالية من هدم لمئات المنازل والمباني بحجة مخالفتهم للقانون غير قانونية؛ فالدستور المصري في مادته 63 نص على أن الحياة الآمنة حق لكل إنسان، وفى المادة 35 نص على أنه لا عقوبة إلا بنص، ويحظر التهجير القسري التعسفي، وإن مخالفة ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم.
وأضاف لـ”المجتمع”: “الدولة المصرية تركت المفسدين والمرتشين الذي خانوا ضمائرهم وتغاضوا عن المخالفة بالبناء على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة لسنوات طويلة زادت عن السبعين عاما، والآن تقوم الدولة بمحاسبة المواطن، وتغاضت عن مسؤوليتها وتقصيرها ومحاسبة موظفيها، وبالتالي لا يمكن أن نعاقب المواطن على تقصير الدولة”.
وقال: “هناك مبدأ قانوني في غاية الأهمية، وهو أنه إذا ما تم ممارسة العرف لسنوات فيأخذ هذا العرف قوة القانون، وإن المخالفة تسقط عقوبتها بمضي عامين؛ فعلى مدار أكثر من سبعين عاما تخلت الدولة عن دورها وتطبيق القانون، وانتشر الفساد والآن نتيجة ذلك تشريد الآلاف من الأسر والأطفال وضياع تحويشة العمر؛ بل والدخول في دوامة أخرى أشد قسوة تتمثل في التهجير والتشريد”.
وطالب العطار الدولة المصرية بالتوقف عن ترويع المواطنين ومراعاة الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشونها، وأن تعمل على إيجاد حلول واقعية قانونية يضمن بها المواطن أنه لن يتم تهديده مستقبلا، وأن تخف بها عن كاهل المواطن، محذرا من أن استمرار هذه الممارسات سوف تؤدي حتما إلى انتفاضة شعبية وربما تؤدي إلى ثورة شاملة.
ابحث عن الفساد والاستبداد
أما عضو المجلس الثوري أحمد عبد الجواد فيقول إنه من الضروري بداية التأكيد على أن كل ما حدث هو نتيجة سماح قطاع من الشعب باستبداد الدولة ضد قطاع آخر سواء ما حدث من مجازر بعد ٢٠١٣، أو التغاضي عن تدمير قرى كاملة في سيناء؛ فالاستبداد والتجبر حالة تتملك من صاحبها وتطيح بالجميع بعد ذلك خاصة في ظل انهيار فكرة الدولة وطبيعتها ودورها عند النظام العسكري الانقلابي الحالي.
وأضاف لـ”المجتمع”: وعليه فالحديث عن تعدد العقوبة على المخالفة لا مجال له هنا لانتهاك القانون والدستور، وهناك حكم محكمة إدارية عليا في مصر يمنع أي هدم بعد استقرار الوضع، كما نؤكد أن المسؤول الأول عن كارثة التعدي على الأراضي الزراعية وفوضى البناء هو النظام نفسه منذ السبعينات.
وصف عبد الجواد النظام بأنه كالثور الهائج لا يرى شعبا، ويشعر بملكيته لمصر أرضا وشعبا وهواء؛ فمن حق المالك أن يفعل ما يشاء بملكه، كما أن وضع الشعب بشكل دائم تحت ضغط هائل مخاطرة، إلا أنه في حالة نجاحه يحقق مكاسب كبيرة في درجة السيطرة التامة عليه.
واختتم كلامه بالقول: بالتأكيد الغضب شيء جيد وحافز على الثورة لكنه غير كاف، فإدارة الغضب هي من تحقيق النصر، أما الغضب وحده فينتج صداما تستطيع النظم الاستبدادية احتواءه؛ لذا فالشعب المصري يحتاج لبناء تنظيمات محلية واسعة في كل مصر تستطيع إدارة الغضب لتحقيق أول خطوات الإصلاح.