جاء الكشف البريطاني عن عدد من الوثائق المتعلقة بحرب يونيو 1967م مؤخراً ليفتح ملف الوثائق السرية بالعالم العربي، وتحديداً مصر، وما يتعلق بهزيمة يونيو التي لم يتم معرفة حقيقة ما جرى حتى الآن رغم مرور أكثر من نصف قرن على هذه الحرب، ومخالفة قانون الوثائق رقم (472) لعام 1979م الذي يجيز الكشف عن الوثائق بعد مرور 30 – 50 عاماً.
وفي هذا السياق، طالب عدد من الخبراء والمهتمين بهذا الشأن، في تصريحات لـ”المجتمع”، بضرورة الكشف عن وثائق هذه المرحلة وغيرها من الفترات المهمة في تاريخ مصر؛ ليعرف الشعب الحقائق كاملة، وحتى يتم فضح ومحاسبة المسؤولين عن هذه الهزيمة والإخفاقات الأخرى، مرجعين عدم الكشف إلى استمرار حكم العسكر والخوف من إدانة هذا النظام الذي لا يزال يحكم مصر حتى الآن منذ عام 1952م.
الأشعل: هذه الوثائق تدين هؤلاء الحكام خاصة حكام مصر وتحديداً بعد عام 1952 وتولي الجيش للسلطة وما جرى من إخفاقات كثيرة
ومؤخراً، كشفت بريطانيا عن بعض وثائق حرب يونيو؛ ما أثار تساؤلات حول عدم الكشف عن وثائق هذه الحرب؛ مصرياً وعربياً، خاصة أنه مضى عليها 54 عاماً، والقانون يجيز الكشف عن بعض الأسرار بعد 30 عاماًً، والبعض الآخر بعد 50، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
غياب الشفافية والمعايير
وفي سياق تعليقه على هذه القضية، أكد السفير الأسبق عضو الجمعية التاريخية عبدالله الأشعل صعوبة هذا الأمر بالعالم الثالث، خاصة البلاد العربية؛ لأن هذه الوثائق تدين هؤلاء الحكام، خاصة حكام مصر، وتحديداً بعد عام 1952م، وتولي الجيش للسلطة، وما جرى من إخفاقات كثيرة خاصة ما يتعلق بحرب يونيو 1967م والمسؤولية الشاملة لنظام الحكم في هذه الفترة؛ وهو ما يعد إدانة لحكم العسكر منذ بدايته حتى الآن، وهذه هي الإشكالية الكبرى، وهي أن الجيش لا يزال يحكم حتى الآن، وبالتالي فأي كشف لهذه الوثائق يسيء للجميع من رجال الجيش، خاصة الذين أداروا البلاد.
وحول المعايير التي يجب توافرها بشكل عام للكشف عن هذه الوثائق، خاصة بعد كشف بريطانيا عن وثائق هذه الحرب، قال الأشعل لـ”المجتمع”: إن بريطانيا والدول الأوروبية لديها معايير وقوانين تنظم هذه المسألة من قبيل تشكيل لجان من وزارة الخارجية وجامعات بريطانية لتوفر الجانب الأكاديمي، وترشيح ما يمكن الكشف عنه، وهو ما يحدث هناك وفي أمريكا أيضاً، ورغم أن القانون والقضاء يضعان محاذير معينة على الوثائق التي تضر بأمن البلاد، ويمنح فيها السلطة والتقدير لرئيس الحكومة والمؤسسات الأمنية؛ فإنه يتم الكشف عن العديد من هذه الوثائق، وهو ما نفتقده لدينا للأسباب المشار إليها.
العربي: الفرصة الوحيدة التي أتيحت أمام المصريين لمعرفة حقائق وأسرار تاريخهم كانت عقب ثورة 25 يناير
من جانبه، قال الكاتب الصحفي قطب العربي، المهتم بهذه القضية: إن إخفاء هذه الوثائق وعدم الكشف عنها إجراء طبيعي ومتوقع لسبب واضح، وهو أن الكيان المسؤول عن تلك الأحداث (بحلوها ومرها) لا يزال هو الحاكم لمصر، ويقصد هنا المؤسسة العسكرية بأذرعها الأمنية التي تعتبر الإفراج عن تلك الوثائق خطراً داهماً على الأمن القومي.
وأضاف: أيضاً، يمثل الكشف عنها خطراً على سمعتها التي بنتها بالكثير من الأكاذيب التي سوَّقتها عبر إعلام الصوت الواحد أيضاً، ولم تسمح للحظة واحدة للشعب بمعرفة الحقيقة التي كانت لتغير قناعاته ولتغير تلك الصورة الوردية.
وأضاف العربي، لـ”المجتمع”: الفرصة الوحيدة التي أتيحت أمام المصريين لمعرفة حقائق وأسرار تاريخهم، كانت عقب ثورة 25 يناير التي نص دستورها الصادر في عام 2012م في مادته السابعة والأربعين، ولأول مرة، على حق الحصول على المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق، ومساءلة من يمتنع عن ذلك قانوناً، وتطبيقاً لذلك الدستور فقد شرعت وزارة العدل في عهد الوزير المستشار أحمد مكي في إعداد مشروع قانون للوثائق والمعلومات، شارك في مناقشته خبراء ومختصون، وكل المعنيين بمجال المعلومات، ولكنه لم يرَ النور بسبب أحداث 3 يوليو.
وقال موضحاً: ورغم تعديل الدستور المصري مرتين في عامي 2014 و2019م، فإن النص على حق المعلومات ظل قائماً منذ دستور 2012م، لكنه ظل نصاً معطلاً مثل غيره من نصوص الدستور باستثناء تلك الخاصة بتعديل مدد الرئاسة، وصلاحيات الرئيس، وتوسيع دور المؤسسة العسكرية.
وأوضح الصحفي المصري: حين شرعت الحكومة في تقديم مشروع قانون جديد لإنشاء الهيئة العامة للوثائق القومية والمحفوظات وفقاً للنص الدستوري؛ فإن هذا المشروع -الذي لا يزال يتنقل بين ردهات مجلس النواب- فرّغ النص الدستوري من مضمونه مجدداً حين منح في مادته (16) استثناء من التطبيق لرئاسة الجمهورية ووزارة الدفاع والخارجية والداخلية وهيئة الرقابة الإدارية والمخابرات العامة ومجلس الأمن القومي ومجلس الدفاع الوطني.
فتحي: من حق الشعوب معرفة ما جرى من وقائع تمسهم خاصة أسر الذين استشهدوا في هذه الحرب
مخالف للقانون
أما أستاذ التاريخ د. أحمد فتحي، فأكد أهمية هذه المسألة لتحقيق الشفافية والنزاهة، موضحاً أن هذا حق الشعوب في معرفة ما جرى من وقائع تمسهم وتمس أبناءهم خاصة الذين استشهدوا في هذه الحرب وغيرها، وهو معمول به في العديد من دول العالم التي تحترم شعوبها، وتتمتع بمؤسسات راسخة وبقدر من الديمقراطية ومحاسبة المسؤولين فيها، وهو ما لا يتم لدى بلادنا العربية.
وأشار، في حديثه لـ”المجتمع”، إلى أن القوانين تنظم هذه المسألة لكنها لا تطبق؛ فبحسب القانون رقم (472) لعام 1979م، فإن المدة القصوى لسرية الوثائق هي 50 عاماً، ويلزم القانون الجهات الرسمية بتسليم وثائقها بعد مرور 15 عاماً على تاريخ إنشاء الوثيقة، ويقوم فريق من دار الوثائق بالتعاون مع الوزارة المعنية بفهرسة الوثائق، وتحديد مدد السرية الخاصة بكل وثيقة، وتتراوح في الغالب تلك الفترة ما بين 15 إلى 25 أو 50 عاماً بحد أقصى، لكنها تبقى نصوصاً قيد الورق فقط ولا تُفعّل.