أكد عدد من أساتذة القانون الدّستوري أنّ الأمر الرئاسي (117)، في 22 سبتمبر الماضي، المتعلّق بما يتم وصفه بالتدابير استثنائيّة، لا علاقة له بما ورد في الفصل (80) من الدّستور، وينصّ على إجراءات ترمي إلى تغيير النّظام السّياسي في ظلّ وضع استثنائي، معتبرين أن هذا الأمر لا يستقيم، وذلك خلال نقاش نظّمته، الجمعة الماضي، الجمعيّة التونسية للقانون الدّستوري، تحت عنوان “قراءة في الأمر الرّئاسي عدد 117 لسنة 2021 المؤرّخ في 22 سبتمبر 2021 م المتعلّق بتدابير استثنائيّة”، بكلّية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس.
القليبي: الأمر (117) لم يحترم مقتضيات الفصل (80) في إعلان حالة الاستثناء
ممر لوضع آخر
فقد أكّدت أستاذة القانون الدّستوري سلسبيل القليبي أنّ الأمر (117) جاء في ظاهره كما لو أنّه تنفيذ لحالة الاستثناء، إلاّ أنّه في الواقع تضمّن جملة من التّدابير مثّلت “ممراً” للذّهاب من وضع إلى آخر، بما أنه تضمّن إقراراً بنيّة إجراء إصلاحات سياسيّة عن طريق لجنة يعيّنها رئيس الجمهوريّة ويترأسها، “وهو ما يبعث على الانشغال نظراً إلى أن الإصلاحات السياسية تعني إدخال إصلاحات على نصوص قانونيّة تحكم اللعبة السياسية”.
وقالت: إنّ الأمر (117) لم يحترم مقتضيات الفصل (80) في إعلان حالة الاستثناء، نظراً لوجود إجراءات لم يقع احترامها، من بينها تعليق عمل البرلمان، في حين أنه يجب أن يبقى في حالة انعقاد وكذلك التخلّص من الحكومة، في حين أن الدستور لا يتضمن ما يشير إلى إمكانية تقديم لائحة لوم ضدّها.
وتابعت القليبي قائلة: إنّ الفصل (80) من الدستور يعطي سلطات كبيرة لرئيس الدولة، ليس لكي يغيّر قواعد اللعبة السياسية، بل ليحمي الدّولة والمؤسّسات والدّستور، فحالة الاستثناء، في المطلق وفي القوانين المقارنة، وظيفتها حماية هذه المؤسسات وليس تغيير القوانين أو تعديل الدّستور.
الحمروني: الفصل (80) لا يسمح للرّئيس بأن يتحوّل هو نفسه إلى سلطة تأسيسية
رغبة في تركيز نظام معين
من جهته، اعتبر أستاذ القانون الدستوري سليم اللّغماني أنّ سيادة الشعب التي وقع إثارتها في الأمر الرّئاسي عدد (117)، جاءت من أجل إضفاء شرعيّة على عدم التّقيد بإجراءات الاستفتاء وعدم احترام مقتضياتها، كما وردت في دستور 2014م.
وفسّر اللغماني ذلك قائلاً: إنّ رئيس الجمهوريّة ارتكز على مبدأ سيادة الشّعب، للخروج من الإطار الدّستوري، إذ ركّز على استحالة أن يمارس الشّعب إرادته، في ظلّ مقتضيات الدّستور الحالي، بالإضافة إلى رفض الآليّات المتعلّقة بممارسة الشعب لسيادته والتي عبّر عنها الناس في مناسبات كثيرة، فضلا عن التركيز على علويّة إرادة الشعب على النصوص الموضوعة.
وأشار إلى أن حجج سعيّد قابلة للنقاش، إذ إنها لا تكشف سوى عن رغبة منه في تكريس نظام معيّن، مما خلق تعارضاً بين ما يرفضه الرّئيس في النّظام السّياسي وبين ما يريده الشعب.
قانون الغاب
أمّا سلوى الحمروني، رئيسة الجمعية التونسية للقانون الدستوري، فقد اعتبرت في مداخلتها أنّ وظيفة الحكومة، ستتمثّل حسب الأمر (117)، في معاضدة رئيس الجمهوريّة ومساعدته في إدارة دواليب الدّولة، بالطّريقة التي يراها.
وأضافت أنّه من حيث الشكل، يمكن أن يسند الرئيس تفويضات للحكومة، بحيث ستكون هناك اجتماعات لمجلس الوزراء وسيكون هنالك نقاش بين أعضاء الحكومة وهو ما سيُظهره الرّئيس على أنه عدم انفراد بالحكم.
وقالت: إنّ الفصل (80) من الدّستور التونسي يسمح باتخاذ تدابير لإرجاع دواليب الدّولة تعمل كما في الحالة العاديّة، وإن هذا الفصل ذاته لا يسمح للرّئيس بتغيير النظام السياسي ولا بأن يتحوّل هو نفسه إلى سلطة تأسيسية، ويفرض قانون الغاب، حتى وإن مرّ ذلك عبر ما يعتقد رئيس الجمهوريّة أنه تنفيذ لإرادة الشعب.
بوكيشيو: الأمر الرئاسي عدد (117) لا يحترم مبادئ حالة الطوارئ الديمقراطية
سلطة مطلقة
وقال جياني بوكيشيو، رئيس لجنة البندقية (المفوضية الأوروبية للديمقراطية من خلال القانون): هذا الوضع لا يتوافق مع تعريف الخطر الجسيم الذي يهدد حياة الأمة، ولا يمكن حل هذا الوضع بإعلان حالة الطوارئ وتجميد أنشطة مؤسسات الدولة الأخرى.
وأضاف رئيس لجنة البندقية أن الأمر الرئاسي عدد (117) لا يتوافق مع المعايير الدولية لحالة الطوارئ خاصة أنه لا يحتوي على حد زمني ويلغي البرلمان الذي يجب أن يمارس السيطرة على السلطة التنفيذية، وأن هذا الأمر، لا يحترم مبادئ حالة الطوارئ الديمقراطية.
وأشار بوكيشيو إلى أن حالة الطوارئ الديمقراطية لا تؤدي إلى تعليق الدستور، إذ إن حالة الطوارئ تهدف إلى استعادة الوضع الطبيعي، والعودة إلى العمل الطبيعي والديمقراطي لمؤسسات الدولة وإنه إذا تم تعليق الدستور فلا يوجد إطار أو حدود لممارسة السلطات الرئاسية، باستثناء الحدود التي قد يقررها الرئيس بنفسه.