أستاذي الفاضل، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا فتاة سني 31 عاماً، أعمل مدرسة، وأحب عملي ومتميزة فيه، وعلاقاتي مع طالباتي جيدة، طموحة، وأنهيت درجة الماجستير، وأحلم أن أحصل على الدكتوراه، قارئة بنهم في عدة موضوعات، مشاركة في إدارة إحدى الجمعيات الإسلامية الخيرية، ومحفظة قرآن.
عدم زواجي كان يؤرق أمي، إلى أن حدثتني زميلتي بالمدرسة أنها رشحتني لأخيها الدكتور بكلية العلوم، وهم أسرة غنية وينتمون لعائلة عريقة لها مكانتها الاجتماعية، سنه 37 عاماً، وافق أهلي، وتقدم لخطبتي وكم كانت فرحتي به؛ فهو رجل وسيم ولديه كل ما يفوق حلم أي فتاة، ولكنني بعد ثلاثة أشهر غير سعيدة ومترددة في الاستمرار! يتهمني البعض بالجنون!
خطيبي فاق أحلامي المادية والاجتماعية لكنني حلمت بزوج نتشارك الحياة معاً
أسررت بذلك لأخته، فلم تفهم أو تعي حيرتي، بل أخبرتني بحبه لي وسعادته الجمة بخطبتي، ومن الطبيعي أن حياته ستتعدل بعد زواجكما، أما صديقة عمري فاعتبرتني لا أحمد الله، وأن خطيبي تتمناه أي فتاة، وضحكت وهي تقول: «تنازلي لي عنه»!
قالت أمي: والدك استشارك ووافقت وأعطى كلمة، ماذا نقول لأهله؟ وكيف نعتذر؟ ثم همست في أذني وهي تحتضنني: «حبيبتي، منذ عام لم يتقدم أحد، ومستوى من يتقدمون في النازل، فلا تضيعي الفرصة من يدك».
لجأت لله تعالى وكتبت لك، اعتراضي على خطيبي أنه رغم تفوقه العلمي الباهر وأبحاثه المنشورة في العديد من المجلات العلمية، جاهل! نعم غير مثقف بالمرة، لا يقرأ في غير تخصصه، حتى لم يشارك في أي رحلة بالكلية منذ أن كان طالباً، باستثناء الرحلات العلمية.
في زيارته لنا لا نجد موضوعاً مشتركاً يجذبنا، حدثته عن بعض نشاطاتي، حاول أن يبدي اهتمامه، لكنه يكون شارد الذهن، وعندما واجهته اعتذر، وكان صريحاً وقال: «هذه حياتك، سأترك لك كل الحرية في ممارستها كما يروق لك»!
تصرفاته الاجتماعية راقية -وأؤكد الاجتماعية وليست في علاقته بي- في كل زيارة يأتي بهدية فاخرة، ويتعامل مع أهلي بكل تقدير، وفي المقابل دائماً أقابله وأنا في قمة الأناقة، لم يبد أي اهتمام أو إعجاب، حتى نظراته، كأنني طالبة أو زميلة!
سألته عن شكل حياتنا الزوجية، صدمني قائلاً: «اطمئني فأنا بالكلية معظم اليوم! وعادة ما أقرأ حوالي 3 ساعات بعد عودتي، ولن أحملك أي عبء؛ فسيكون لديك الخادمة والطباخة، وأعلم قبل أن أتقدم لك بنشاطاتك الاجتماعية، ويهمني استكمالك للدكتوراه»!
زيارته لنا أسبوعية في موعد حدده هو، ولا يتواصل خلال الأسبوع! انتهزت فرصة رأس السنة الهجرية، وأرسلت له تهنئة، لم يطلع عليها، وعندما أخبرته اعتذر متعللاً بانشغاله، وأنه لا يتابع وسائل التواصل الاجتماعي.
نعم خطيبي فاق أحلامي المادية والاجتماعية، لكنني حلمت بزوج نتشارك الحياة معاً.. إنني في حيرة من أمري.
التحليل:
بداية، دعونا نوضح بعض المفاهيم المغلوطة:
من المستغرب ضياع فترة الخطبة بتأجيج المشاعر العاطفية دون الاستفادة منها في تقييم الزواج
1 – الخطبة ليست وعداً بالزواج! لكنها وعد ببحث وتقييم مشروع الزواج المقترح؛ لذا فإن فترة الخطبة تعتبر من أهم مراحل الزواج؛ لأن كل طرف يتعرف على مواصفات الطرف الآخر، ومن ثم يقرر الاستمرار أو الاعتذار دون أي حرج، من خلال ما يعرض علينا من استشارات زوجية حوالي %75 مما يشتكي منه المتزوجون تكون واضحة خلال فترة الخطبة، ولكنها الغفلة أو التغافل؛ لذا فمن الأخطاء الجسيمة الزواج على عجل بناء على توصيات من أناس محل ثقة -وهم صادقون في تزكيتهم- أنا من سيتزوج وأنا فقط من يقرر من يناسبني بناء على ما أعرفه ويعرفه عني خلال فترة الخطبة، كما أنه من المستغرب ضياع فترة الخطبة بتأجيج المشاعر العاطفية -وهذا مهم جداً- دون الاستفادة منها في تقييم مشروع الزواج؛ فيجب أن يقود العقل المرحلة، فبمقدار قناعتي العقلية ينمو حبي لشريك حياتي المنتظر.
2 – إذا أيقن الخاطب/ المخطوبة أن الطرف الآخر غير مناسب عليه فوراً الاعتذار، ومن الأخطاء الجسيمة الاستمرار بزعم التخوف أنه قد لا يوفق لأحسن منه؛ فهذا الخطأ قد يكلفه عمره.
إن معيار القبول/ الرفض هو مناسب/ غير مناسب لي كزوج، ولا يمكن أن يكون القبول بسبب أني قد لا أجد الأفضل أو أن الرفض بسبب أني قد أجد الأفضل؛ فالزواج ليس ثوباً يمكنني خلعه إن اكتشفت أنه غير مناسب لي، لكنه حياة زوجية من المؤكد أنها تؤثر في كل مناحي حياتي سلباً/ إيجاباً، ناهيك عن الأولاد وما يلحق بهم من أذى تأثراً بعدم التوافق بين والديهم، كم من المآسي عاشتها أسر بسبب الحرج من الاعتذار عن الخطبة، وقد يتخذ القرار بالانفصال بعد عقود من الزمان مخلفاً وراءه نفوساً محطمة وأولاداً معاقين نفسياً، فمن المؤكد أن فسخ خطبة أقل ألماً من الطلاق قبل البناء، وهو أقل ألماً من الطلاق بعد البناء، وهو أقل ألماً من الطلاق بطفل، وهذه دعوة لاتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.
– كيف أتخذ قرار الاعتذار أو الاستمرار في الخطبة؟ ومتى أقرر عقد القران؟
عبر مسيرة حياة الإنسان وقبل إقدامه على الزواج يتكون لديه تصور عن شريك الحياة المرتقب، تتأثر السمات الشخصية لهذا التصور بالدين والبيئة الثقافية التي يستقي منها، ونموذج الأسرة الذي تربى بها، وأصدقائه، والعديد من العوامل الأخرى، بناء على هذا التصور يتم مقارنة شريك الحياة المرتقب، الذي عادة لا يتوافق معه، ولمعالجة هذه الإشكالية أرى اتباع الآتي:
1 – تحديد الحد الأدنى للصفات التي يجب (أن تتوافر/ ألا تكون) في الزوج المرتقب، وأؤكد الحد الأدنى.
مثال:
– فتاة لديها حساسية من البخل، فيجب التأكد من كرم خطيبها.
– شاب طبيعة عمله تقتضي انشغاله طوال اليوم وسفره يومين أسبوعياً، فيجب التأكد من أن خطيبته لديها خبرات حياتية، وأنها قادرة على تحمل المسؤولية.
2 – تحديد الحد الأقصى للصفات التي أتمنى (أن تتوافر/ ألا تكون) في الزوج المرتقب؛ حيث يعبر كل طرف عن أمنياته في شريك حياته، لكنها ليست شرطاً للقبول.
– فتاة تهوى السفر والرحلات، تتمنى أن يكون لدى خطيبها الرغبة والقدرة على ذلك.
– شاب مهتم بالدعوة والعمل الخيري يتمنى خطيبته أن تشاركه اهتماماته.
يجب على كل طرف من الطرفين أن يظهر بطبيعته، وأن يحرص على ألا يتجمل، بل ويتعمد أن يُظهر أي نقص يعرفه عن نفسه.
مثال:
– الحرص على النظام أو النظافة بشيء مبالغ فيه.
– الانطواء، عدم تفضيل العلاقات الاجتماعية إلا للضرورة.
رغم قيمة وأهمية اختبار مشاعر القبول العاطفي، فإنه من المهم ألا يطغى ذلك على التعرف بالتفصيل على شخصية شريك الحياة المرتقب، ومدى توافقه مع الصورة الذهنية لما أتمناه، وكل ما أريد أن أعرفه عنه أبينه له أولاً عن نفسي، ويجب أن تكون الصورة في غاية الوضوح دون لبس أو مواراة، ولا حرج أن يذكر ذلك تحت بند «شروط عقد النكاح».
وأحذر من أن أي عطاء أو تنازل أو سلوك مفتعل سيصبح حقاً مكتسباً، وتكون مطالباً به.
فسخ الخطبة أقل ألماً من الطلاق قبل الزواج وهو أقل ألماً من الطلاق بعد الزواج
مثال:
– عمل الزوجة والعلاقة المالية.
– السكن مستقل/ مع الأهل.
– الخصوصية.
يجب على أهل الفتاة أن يمكّنوا الخطيبين -دون الإخلال بالضوابط الشرعية- من التعرف على بعضهما حتى يكون قرار القبول/ الرفض سليماً.
لا يهم حجم التباين بين الخطيبين في البداية، ولكن المهم قدرتهما على إدارة هذا التباين؛ بمعنى قدرة كل طرف على التأثير والتأثر بالطرف الآخر، حتى يصل كل طرف إلى قناعة كاملة أن خطيبه حقق الحد الأدنى للمواصفات التي يجب توافرها في شريك حياته، وفي هذه اللحظة يقرران الزواج.
هنا أؤكد بل وأحذر من الوعد: «بعد الزواج سأتغير» (لن يتغير)، أو تصور أني سوف أناقش هذا الموضوع بعد الزواج وسأغيره (لن يتغير).
ولأختنا الحائرة:
تجاهلي النصائح، فكري جيداً بمفرك، حددي ما ترينه ضرورياً في زوجك المرتقب.
طالبيه بكل وضوح بمتطلباتك؛ فإن وافق فراقبي قدراته على التغيير، وهل هو سعيد بذلك التغير من أجلك؟ لا تتعجلي اتخاذ القرار، حتى تتأكدي من أن قناعته بما طلبته قد تحولت إلى سلوك اعتيادي، وليس سلوكاً مفتعلاً.
لا تُقْدمي على العقد بناء على وعده بالتغيير أو قوله «سأحاول»، ما دمت مقتنعة أن ما طالبته لا يمكن أن تكوني سعيدة كزوجة بدون تحقيقه.
طبعاً مدة الخطبة ليست مفتوحة، فحددي معه فترة؛ فإن وفَّى بارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما في خير، وإلا فلله الحكمة البالغة وعوضك الله خيراً منه.
——————
* استشاري تربوي وعلاقات أسرية، مستشار البحوث بمجلس الوزراء الكويتي سابقاً.
(للتواصل: y3thman1@gotmail.com +14169973277)