تمثل الشخصيات البارزة في المحيط العام حالة من الخطاب الثقافي والفكري والإبداعي، يتأثر بها المتلقي بطريقة وأخرى، ومن ثم يصبح هذا التأثير موضوع إشادة أو انتقاد، بقدر ما يستطيع من إقناع، أو رفض على مستويات شتى!
وإذا عرفنا أن الآلة الإعلامية تقف من وراء هذه الشخصيات، أو تعارضها لسبب ما، فإن ذلك يحفز على التأمل والتفحص والمتابعة، ومحاولة تفكيك الاهتمام الإعلامي أو التعتيم الثقافي على هذه الشخصية أو تلك، وأتصور أن هذا التفكيك لا يتحقق إلا من خلال قراءة الخطاب الثقافي للشخصية المستهدفة، وقراءته بوعي وفهم لإدراك محتواه وتقويمه، ووضعه في المكان الطبيعي.
مجال للجدل
هناك من الشخصيات التي صارت بالإلحاح الإعلامي شخصيات عامة، وفرضتها الآلة الإعلامية بالإكراه على جمهور الناس، وهو الإكراه الذي لم يعد يسلم منه أحد بحكم تطور وسائل الاتصال والتعبير، حيث أصبح ما تنقله سريعاً وموجزاً، أو ملفوفاً في إطار فني يحقق متعة معينة أو تسلية ما، أو إثارة خبرية أو فكرية، لقد أضحى أمراً عادياً يتلقاه المتابع في هاتفه الجوال، أو حاسوبه الذي يجلس أمامه، أو عبر الشاشات التي لا تضن بنقل الشاردة والواردة، ومن ثم تصبح الشخصية الثقافية وتأثيراتها عبر الإلحاح عليها مجالاً يضجّ بالجدل والنقاش والتطاحن الكلامي.
في المقابل، تتجاهل الآلة الإعلامية بعض الشخصيات المؤثرة، إما لأن القائمين عليها يبغضونها لأسباب مركبة، أو لأنهم لا يريدون كشف حقيقتها، بحكم أنها تروج لما يناقضها، وتحتفي به، وتلح عليه ليل نهار.
الإعلام والدعاية
هناك بالطبع قصور فكري وعلمي لدى بعض العاملين في الهيئات الإعلامية، وخاصة من الأجيال الجديدة التي لم تحظ بتعليم جيد، أو فقدت من يأخذ بيدها إلى التجويد والإتقان، أو تعمل في وسط قمعي لا يسمح بالرؤية السليمة، وخطورة هذا القصور تكمن في تحول أصحابه من مجال الإعلام الذي يكشف جوانب الحقيقة المجردة، إلى مجال الدعاية المباشرة، والدعاية هي اتجاه الأخبار والتعبير في مسار واحد، يجمّل ما يتناوله أو يشيطنه، ولا مكان هناك للطرح المنطقي الصادق والمتوازن.
التزييف والتضليل
في العقود الأخيرة التي بدأت منذ منتصف القرن الماضي تقريباً، غلب التزييف والتضليل والتدليس في عرض قضايا مهمة تتعلق بالمصائر والعقائد، لأسباب يصعب الخوض فيها هنا، وإن كانت لا تخفى على المعنيين، وكان من نتيجة ذلك شيوع الالتباس والضبابية، فهناك من صار في قلب دائرة الضوء، وتمنحه الآلة الإعلامية سطوعاً زائفاً لا يستحقه، ومن بات مهمشاً لا يذكره أحد إلا مقروناً بالسلبيات والقصور، لأن قدراته على الحضور الإعلامي مقيدة، وأبواب التعبير أمامه موصدة أو شبه مغلقة، “وغلّقت الأبواب..”!
السيولة الخلقية
المواقف الفكرية أو الثقافية أو الأدبية لها دور بلا ريب، فمن يؤثر السيولة الخلقية يستطيع أن يتحول وفقاً للأحوال التي عليها وسائط الدعاية، وأبواب التعبير، ولا يجد حرجاً في هذه التحول وتسويغه، واستخدام اللغة الزئبقية التي يصعب الإمساك بها، ومن يملك المواقف الخلقية الثابتة الراسخة؛ يصعب عليه أن يتناغم مع التحولات التي ينتهي إليها الإعلام ووسائط التعبير، وهنا يكون حضوره أشبه بالغياب، أو هو الغياب الذي يطويه التعتيم والتهميش.
لا ريب أن كثيراً من الشخصيات الساطعة في زمننا أو في العقود الأخيرة أثارت صخباً هادراً من الجدل غير المتكافئ، لم يتمكن كثير من الباحثين حسمه في أجواء التلميع والتعتيم، وفي الوقت نفسه لا ننكر أن هناك بعض المحاولات التي سعت إلى حسم كثير من القضايا، ومناقشتها بالمنطق والحجة، وإن لم يكتب لها الذيوع والانتشار بالصورة المأمولة.
مناقشات هادئة
أظن، وبعض الظن ليس إثماً، أن قراءة الخطاب الثقافي للشخصيات التي يلح عليها الآلة الإعلامية، وتفرض علينا حضورها الزائف والبائس تحتاج منا إلى مناقشات هادئة ومقنعة، ولو كانت في إطار محدود لا يذاع ولا ينتشر بالصورة المأمولة، المهم أن تكون هذه المناقشات للخطاب الثقافي التي تتبناه تلك الشخصيات، مدعومة بالحجة والبرهان والدليل والمصدر، انطلاقاً من الإيمان أن كشف الحقائق أمانة علمية لا بد منها، مهما كان الثمن الذي يمكن أن يدفعه المكتشف، أقصد الباحث عن الحقيقة.
الفكر الواحد
كما أظن أن كشف الحقائق يصبّ في مصلحة الأمة التي اغتالتها الأحزان والهزائم والتخلف وشهوات الأنانية والفكر الواحد ونفي الآخر، ولو كان يمثل الأكثرية الساحقة التي تؤمن بتصور مغاير وفكر مختلف.
من المؤكد أن أعداء الأمة أو خصومها يعملون بجد ودأب لتحقيق غاياتهم في تدمير الإنسان والأوطان، وهناك أمثلة ونماذج لا تخفي، وفي كل الأحوال فإن بداية الطريق للمواجهة، هو معرفة الحقيقة، أو كشف الحقيقة، ليكون الجيل الجديد، والأجيال التالية على وعي بالواقع والمستقبل جميعاً.
ولله عاقبة الأمور.