في هذا التوقيت من العام الماضي تم الاحتفاء بإعلان الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وتوقع الجميع أن يكون هناك انفراجة كبيرة ولكن ما جرى لم يكن على مستوى هذه التوقعات رغم بعض الإفراجات المحدودة على خلفية الحوار الوطني، وقد أكدت عدة تقارير حقوقية صادرة عن منظمات حقوقية استمرار الاعتقال ووفيات السجون والاختفاء القسري.
ففي تقريرها الأخير وثقت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان “وفاة 45 معتقلا سياسيا وسجينا جنائيا، وتنفيذ حكم الإعدام بحق 7 وإصدار 32 حكما بالإعدام، وإحالة أوراق 6 معتقلين متهمين في قضايا سياسية للمفتي، واستمرار حبس 56 صحفيا وإعلاميا، واستمرار حبس المئات من المحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان”.
ومن جانبه رصد المرصد العربي لحرية الإعلام في تقريره الأخير تراجع الحريات الصحفية خلال هذا العام؛ حيث استمرار اعتقال عشرات الصحفيين بل واعتقال صحفيين جدد رغم الإفراجات المحدودة عن بعضهم، كما يتم منع العلاج والدواء للمرضي منهم، بل وتحويل البعض منهم مؤخرا إلى المحاكمات بتهمة نشر أخبار كاذبة.
كما أصدرت الحركة المدنية الديمقراطية بيانا تطالب فيه بإخلاء سبيل سجناء الرأي وترفض سياسة التقتير والتباعد في الإفراج عن المعتقلين على خلفية الحوار الوطني، حسب البيان.
صناعة الأوهام والأكاذيب
وفي سياق تعليقه على هذه الممارسات، قال مدير الشبكة المصرية لحقوق الإنسان أحمد العطار، إن “معظم بنود الإستراتيجية القومية حملت أمنيات قوبلت بالترحاب من قبل البعض، والتشكيك من آخرين في نوايا السلطات من وراء إطلاقها حيث تمنى البعض -حسب بنود الإستراتيجية – النهوض بجميع جوانب ملفات حقوق الإنسان في مصر، وذلك من خلال حماية واحترام مختلف حقوق المواطن المصري بشكل عام، والمسلوب الحرية (السجين) بشكل خاص”.
وأضاف العطار لـ”المجتمع”: ورغم الوعود والأمنيات التي صاحبت انطلاقها، إلا أن المتابع الجيد لملف حقوق الإنسان الكارثي في مصر سيجد أن الأرقام والأحداث والوقائع تجعل منها استراتيجية أقرب إلى صناعة الأوهام والأكاذيب؛ فالانتهاكات ما زالت مستمرة وأحكام الإعدامات السياسية لا تزال في ارتفاع، وأعداد المعتقلين السياسيين أيضا في ارتفاع، مع تدوير المئات من المعتقلين المخلى سبيلهم، سواء الحاصلون على أحكام بالبراءة أم بقرارات من النيابة، أم الذين أمضوا فترة محكوميتهم، ولم يكونوا مطلوبين في قضايا أخرى، أو صدر بحقهم أحكام أخرى، وغير ذلك من الانتهاكات الحقوقية في طول البلاد وعرضها، والتي تفتقد لأدنى المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
وأنهى كلامه قائلا: “وفى هذا الإطار وبمناسبة مرور عام على انطلاق الإستراتيجية القومية لحقوق الإنسان، فإن الشبكة المصرية لحقوق الإنسان ومن خلال دورها في رصد وتوثيق الأحداث، تصدر تقريرها حول الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، والتي تكشف فيه بالأرقام والوقائع الحقيقة الصادمة التي وثقتها الشبكة، وغيرها من المؤسسات الحقوقية المصرية والدولية، والتي تؤكد أكذوبة هذه الإستراتيجية حيث القتل بالتعذيب البدني، ومنع الدواء والعلاج، وأحكام الإعدام المبالغ فيها ومنع حرية التعبير وتجريم الصحافة”.
تجميل وجه النظام خارجيا
من جانبها قالت المديرة التنفيذية للتنسيقية المصرية للحقوق والحريات هبة حسن: “للأسف الشديد أن ما سمي بالإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان ومنذ إعلانها لم تكن إلا محاولة من النظام للتجمل أمام المجتمع الدولي، وتخفيف الضغوط عليه بسبب حجم انتهاكات حقوق الإنسان، وإلا لم كان إعلان هذه الإستراتيجية نفسه مصاحبا لحملات اعتقالات وانتهاكات مستمرة بل ومتصاعدة لا تتوقف؟”
وتضيف حسن لـ”المجتمع” أن “الحالة الحقوقية المصرية في تدهور مستمر في جميع المجالات ليس فقط في المساحة السياسية والحقوق المدنية بل وفي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وجميع المساحات، ما زالت مصر تتراجع في مؤشرات التعليم والصحة والبيئة، فضلا عن الحريات وحرية الكلمة والنشر والتعبير”
وأشارت إلى ما يجري داخل المعتقلات من وفيات متتالية في ظل ظروف غير آدمية للسجون المصرية، أو تحت مقصلة إعدامات بأحكام لم يحصل أصحابها على حد أدنى من العدالة.
وختمت بقولها: “ما حدث من إفراجات محدودة وبعض البروباجندا حولها وحول لجنة العفو المزعومة ما زال لا يرقى لأي طموح، ولا يمثل ولو نقطة في بحر الانتهاكات والاعتقالات والاختفاء القسري المستمر وبمعدلات متزايدة، فضلا عن أنني وكثيرا من الحقوقيين لا نراه إلا انتهاكا أصلا للقانون والعدالة؛ فكيف نتحدث عن قرارات عفو عن محبوسين احتياطيا ما زالوا لم تتم محاكمتهم يخرجون بقرار إخلاء سبيل من النيابة العامة؟!”
موت بطيء
وفي تصريحات له أكد مدير المرصد العربي لحرية الإعلام قطب العربي على استمرار الوضع الكارثي لحرية الصحافة في مصر على خلفية التقرير الشهري للمرصد، مؤكدا على استمرار الموت البطيء للمرضي من الصحفيين داخل محبسهم ومنع الدواء والعلاج عنهم، كما هو الحال مع صحفي الجزيرة أحمد النجدي وهشام عبد العزيز.
كما أشار العربي إلى تحويل عدد من الصحفيين إلى محاكمات هزلية؛ حيث تم تحويل عدد منهم إلى المحاكمة بتهمة نشر الأخبار الكاذبة وتهم فضفاضة أخرى، ومن بين هؤلاء أعضاء نقابة الصحفيين أحمد سبيع وبدر محمد بدر وآخرون، كما لفت إلى اعتقال صحفيين جدد ومنهم عضو نقابة الصحفيين رؤوف عبيد.