بالدم والتضحية، يسطّر المعلم الفلسطيني دروسًا ليست كغيرها في كل مناهج العالم، تارة يقف أمام طلبته يعلمهم أبجدية اللغة، وتارة أخرى يصبح قدوة لهم بصناعة التاريخ بالتضحية فداءً للوطن.
وفي يوم المعلم الفلسطيني، تقف الأبجدية عاجزة عن ردّ الجميل لمن ضحّى بأوراحهم، وآخرين بحريتهم، ليثبتوا للعالم أن العلم لا ينسلخ عن المقاومة، وأن الشهادات تكتمل بشهادة أخرى يحظى بها “المصطفين”.
ويصادف الرابع عشر من كانون أول/ ديسمبر من كل عام، يوم المعلم الفلسطيني، الذي يواجه آلة الاحتلال الإسرائيلي وإجراءاته واعتداءاته اليومية، في ظل واقع معيشي صعب اكتمل مع خصم الرواتب منذ بداية العام.
ويرتبط الاحتفال بيوم المعلم الفلسطيني – وفقاً لمركز المعلومات الوطني الفلسطيني – بفعاليات انطلقت عام 1972 عندما تعرض عشرات المعلمين للقمع والتنكيل على أيدي سلطات الاحتلال الإسرائيلية؛ لدورهم الوطني المتمثل بحماية العملية التعليمية من تدخل المحتل، ومحاولاته فرض الوصاية عليها، إضافةً إلى مطالبتهم بحقوقهم النقابية العادلة.
كما شهد الرابع عشر من ديسمبر 1980 انطلاق أول مسيرة للمعلمين، متحديةً الاحتلال وحكمه العسكري من مدرسة المغتربين في البيرة، باتجاه مبنى الحكم العسكري.
وتعرض المعلمون آنذاك للضرب المبرح والاعتداء بالقوة المفرطة والاعتقال على أيدي جنود الاحتلال الإسرائيلي، ومن ضمنهم قادة اللجنة العامة للمعلمين، التي شكلت من خلال لجان لوائية من معلمي المدارس في كل محافظة، وبعدها أعلنت اللجنة العامة للمعلمين إضراباً متتالياً لمدة 75 يومًا؛ ما أدى إلى انكسار وانصياع سلطات الاحتلال لمطالب المعلمين.
شهداء وأسرى..
وخلال العام الجاري، سجلت بيانات وزارة التربية والتعليم استشهاد معلمَين فلسطينيين في الخليل والقدس منذ بداية العام، وإصابة 82 معلماً واعتقال 20 آخرين، فيما احتجز الاحتلال 91 معلماً وموظفاً في وزارة التربية والتعليم.
كما سجلت وزارة التربية الاعتداء على 174 مدرسة أثناء تواجد المعلمين، والطلبة خلال الفترة الممتدة منذ بداية العام حتى 31 تشرين أول/ أكتوبر الماضي.
المعلم المشتبك..
وفي التاسع والعشرين من تشرين أول/أكتوبر الماضي، خطّ المعلم المشتبك” محمد الجعبري (35 عاماً) سطرًا جديدًا في سجل التضحية، حيث ارتقى برصاص الاحتلال في منطقة واد الغروس قرب مستوطنة كريات أربع بالخليل، بعد تنفيذه عملية إطلاق نار على المستوطنة، أدت لمقتل مستوطن وإصابة آخرين.
وكان الجعبري يعمل مدرسًا للتربية الإسلامية في مدرسة جواد الهشلمون الأساسية في مدينة الخليل.
كما استشهد المعلم والمرشد التربوي محمد علي عوض من مدرسة ذكور ابن خلدون الأساسية في ضواحي القدس بتاريخ في 24 أيلول/سبتمبر، بعد إطلاق النار عليه قرب نابلس، بدعوى محاولته تنفيذ عملية دهس.
انتهاكات يومية..
الناطق باسم وزارة التربية والتعليم صادق الخضور، يشير إلى أن المعلم الفلسطيني الذي يحتفل في هذا اليوم، يواجه انتهاكات واعتداءات يومية من الاحتلال في الضفة الغربية والقدس، خاصة في مسافر يطا، والساوية، واللبن، والبلدة القديمة بالخليل، تطال المعلمين والطلبة على حد سواء.
واضاف “الخضور” المعلمون هم سدنة الحفاظ على المناهج الفلسطينية في القدس، وخط الدفاع الأول بمعية أولياء الأمور لتثبيت المنهاج الوطني”.
ويشدد على أن الوزارة “تنتصر دوماً للمعلمين، ومع جميع حقوقهم بما لا يتناقض مع حق الطالب”، مضيفًا: “الوزارة والمعلم ليسا على طرفي نقيض، وهذه الدعوة تجد آذانًا صاغية في المجتمع للحفاظ على العلاقة التكاملية”.
وقال إن الوزارة ماضية في تطبيق مهنة التعليم عبر نظام يحافظ على استدامة الاهتمام بالمعلم الفلسطيني، وتتبنى عدة خطوات في كثير من الجوانب للحفاظ على مكانته، وتخصيص الكثير من الفعاليات للمعلم والمدير الباحث والمبدعين منهم، إضافة لجائزة صندوق الإبداع والتميز، مشيرًا إلى أن هذا جزء من تقدير الوزارة للمعلم وتوفير فرض للمشاركات الخارجية لإبراز جوانب الإبداع ونشرها.
وتابع: “تحرص الوزارة على توفير فرص لتواصل المعلمين مع خبرات دولية والاستفادة من تجارب في دول أخرى، وتأمين منصات للمشاركات في فعاليات خارجية لتقديم خبراتهم للعالم، وعكس قدرات المعلم الفلسطيني”، لافتًا للإنجاز الذي حققته المعلمة حنان الحروب التي حصلت على لقب المعلم الأول بالعالم ومعلمين فلسطينيين آخرين ضمن أفضل خمسين معلم بالعالم.
ظروف صعبة..
ورغم ما تطرقت له وزارة التربية والتعليم من مساعٍ لتعزيز صمود المعلم وتلبية مطالبه، إلا أن المعلم الفلسطيني يشتكي عدم حصوله على راتب كامل منذ بداية العام بسبب الخصومات المالية على الموظفين إثر الازمة المالية التي تمر بها السلطة.
ومنذ كانون أول/ديسمبر الماضي، يتقاضى الموظفون الحكوميون بما فيهم المعلمين، 80% من رواتبهم، بذريعة عدم قدرة الحكومة على توفير الرواتب كاملة، وواجه المعلمون تلك الإجراءات باحتجاجات وإضرابات عبر “حراك المعلمين”.
ويوجه معلمون وبعض الممثلين عنهم اتهامات لاذعة للجهات الرسمية، بضرورة مساندة المعلم بشكل جدي، والوقوف بجانب أزمته بعيداً عن الخطابات التي لا تلامس واقعهم، كما يقولون.
من جانبه، يرى الناشط في حراك المعلمين خالد شبيطة أن يوم المعلم الفلسطيني فرصة جدية أمام الجهات الرسمية للوقوف أمام مطالب المعلمين وحقوقهم ووضع العملية التعليمية برمتها.