في اعتراف وقح وبلغة ركيكة، اعترف (الأمير!) هاري، نجل جلالة ملك بريطانيا، بقتل 25 أفغانياً بريئاً، عندما كان “مدفعجياً” على طائرة “أباتشي” في الحرب العدوانية الظالمة التي شنتها أمريكا على شعب أفغانستان الأعزل من كل شيء عدا كرامته واعتداده وتمسكه بحريته، لم يتحرك الغرب بجمعياته التي تتحرك لتشجب وتستنكر وتندد وتقاطع إذا ما انتهكت حقوق قطة، أو طُبق حد على مجرم، والأمير هاري شخصية من العيار الثقيل، فهو بن الملك تشارلز، وقد خدم في الجيش البريطاني لمدة 10 سنوات، ووصل إلى رتبة نقيب.
يروي الأمير في مذكراته الوقت الذي قضاه كـ”مدفعجي” على طائرة هليكوبتر هجومية من طراز “أباتشي” أثناء جولته الثانية في أفغانستان في عام 2012: إنه كان قادراً على تحديد عدد القتلى؛ لأنه كان بإمكانه مشاهدة لقطات مصورة لكاميرا البندقية، فقد كتب هاري: “في عصر “الأباتشي” وأجهزة الكمبيوتر المحمولة من الممكن أن يحدد بدقة عدد الأعداء الذين قمت بقتلهم، وبدا لي أنه من الضروري ألا أخاف من هذا الرقم؛ لذا فإن عدد من قتلتهم هو 25، وهذا ليس الرقم الذي يرضيني، لكنه لا يحرجني”.
وأقر الأمير بأنه كان ينزع إنسانية أولئك الذين أطلق عليهم النار في المعركة حيث كتب في كتاب مذكراته المسمى “الاحتياطي”: “عندما كنت أجد نفسي غارقًا في حرارة القتال، لم أكن أفكر في هؤلاء كبشر، كنت أراهم كقطع شطرنج أزيلها من على رقعة الشطرنج”.
دربوني على قتل “الآخرين”!
كتب الأمير في كتابه: “لا يمكنك قتل الناس إذا نظرت إليهم كبشر”، “لقد دربوني جيداً على قتل “الآخرين”.. دربوني (على ذلك) جيدًا”! هكذا يعترف أمير من أعرق أسرة أوروبية مالكة أن الجيوش الأوروبية ما زالت تعلم وتدرب أفرادها على النظر إلى “الآخر” على أنه أدنى وأقل مرتبة منهم، فهم البشر وبقية العالم “الآخر” لا ينظرون إليهم كبشر! مجرد بيادق، كما يقول سمو الأمير القاتل، على رقعة الشطرنج!
خائفون على سمو الأمير!
لم تلتفت ردود الفعل الأوروبية للقتلى الذين قتلهم الأمير البريطاني هاري، دوق ساسكس، ولم تعلق على قتلهم، ولم يلتفت الأوروبيون الذين علَّقوا على مذكرات الأمير لمصير الأسر التي نكبت بقتل الأمير لمن كان يعولهم، ففي تعليق يصف بعمق كيف يفكر هؤلاء وكيف يرون بقية البشر في أنحاء العالم، قال العقيد المتقاعد ريتشارد كيمب، قائد الجيش البريطاني السابق في أفغانستان: إن التصريحات قد تعرض أمن الأمير لخطر أكبر! وصرح لشبكة “سكاي نيوز”: إن “المتطرفين!” الذين يدعمون “طالبان” قد يكون لديهم الآن دافع لقتل هاري، ثم يعبر كيمب عن خوفه الشديد على الأمير القاتل لشبكة “سكاي نيوز” قائلاً: دعونا نأمل ألا ينجحوا.
من المتطرف يا سيد كيمب؟! ولماذا لم تعلق على القتل بالجملة وبدون تمييز ولا خجل الذي تحدث عنه الأمير؟! كل الذي يهمك سلامة الأمير القاتل! الذي اعترف أنه لا يخجل من الاعتراف بجريمته، ولا تحسب أي حساب للقتلى ولا لذويهم ولا للملايين من أنحاء العالم، من غير البيض، الذين يتألمون لهم ولعائلات تركوهم الله وحده يعلم ماذا جرى لهم.
وفي تعليق آخر يظهر كيف يفكر هؤلاء، قال متحدث باسم وزارة الدفاع: إن الجيش لن يناقش قضية القتلى الذين قتلهم هاري، “نحن لا نعلق على تفاصيل العمليات لأسباب أمنية”، وهذا لعمري عذر أقبح من أن يُقبل.
وقد رفض القصر الملكي البريطاني (قصر باكنجهام) التعليق!
متحضرون برغم الآلام والجراح
سأترك للقارئ الحكم على رد فعل الحكومة الأفغانية، التي لم تعترف بها دولة واحدة حتى الآن، ليعلم أي الفريقين هو الأعقل والأحكم والأكثر تحضراً، بل والأكثر دبلوماسية، فقد كتب أنس حقاني، العضو المؤثر في الحكومة الأفغانية، على حسابه في “تويتر” مخاطباً الأمير القاتل: “السيد هاري! من قتلتهم لم يكونوا قطع شطرنج، كانوا بشرًا، كان لديهم عائلات تنتظر عودتهم”، وأضاف: الحقيقة فيما قلته أن الأبرياء من شعبنا كانوا قطع شطرنج لجنودكم وقادتكم العسكريين والسياسيين، ومع ذلك، فقد هزمناكم في “لعبة المربع الأبيض والأسود”.
ثم قال: لا أتوقع أن تستدعيك المحكمة الجنائية الدولية أو يدينك نشطاء حقوق الإنسان؛ لأنهم صم بكم عن جرائمكم، لكن نأمل ألا ينسى التاريخ البشري هذه الفظائع.
ووصف عبدالقهار بلخي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأفغانية، تصريحات هاري بأنها صورة مصغرة للصدمة التي يعيشها الأفغان على أيدي قوات الاحتلال التي قتلت الأبرياء دون أي محاسبة.
من أنت أيها الصبي؟
وجاء أقوى رد فعل من تركيا، فقد شن رئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب هجوماً لاذعاً على دوق ساسكس الأمير هاري الذي اعترف مؤخراً بقتل 25 شخصاً في أفغانستان.
وخلال اجتماع المنظمات غير الحكومية في ولاية أدرنة غربي تركيا، يوم الأحد الماضي، استنكر شنطوب نزع هاري صفة البشر عمن قتلهم ووصفه إياهم بقطع الشطرنج، وفق صحيفة “حريت” التركية.
وقال شنطوب: إن الأمير هاري اعترف أنه قتل 25 شخصًا في أفغانستان، وأنه لا يخجل من ذلك، الصبي الأبيض الأوروبي، من أنت؟ عليك أن تقرر ما إذا كنت إنسانًا أم لا؟! عن ماذا كنت تبحث في أفغانستان؟ ماذا تفعل هناك لقتل الناس؟
أكثر الشعوب دموية
وأشار رئيس البرلمان التركي إلى أن القرن العشرين هو أكثر القرون دموية في تاريخ البشرية، قائلاً: الأوروبيون هم الذين قتلوا ويقتلون أكبر عدد من الناس في العالم، وأضاف: الأوروبيين قتلوا أكثر من 20 مليون شخص في الحرب العالمية الأولى، ثم قتلوا حوالي 75 مليون شخص في الحرب العالمية الثانية على أقل تقدير، وهناك من يقول: إنهم قتلوا أكثر من 100 مليون.
وأردف شنطوب أن العالم منزعج من وجهات النظر التي تهمش البشر، غير الأوروبيين وغير البيض، وتستخدم كل إمكانات العالم لصالحها وتستغل الآخرين فقط لخدمتها.
هل ما زلنا نشك في الشوفينية والعنصرية الأوروبية بعد أن رأينا هذه الصورة الصارخة التي نطق بها واحد من نخبة النخبة الأوروبية؟ هل ما زال عندنا شك في زيف تشدقهم بالإنسانية ومطالباتهم بحقوق الإنسان والحيوان والهوام؟ هل سنظل نصدق اتهاماتهم لكل من عارضهم أو قاومهم بالإرهاب؟