وسط واقع تضامني يمتلئ بمبادرات إخاء واحتواء لا تتوقف تعبر عن الشعب المصري المساند لإخوانه اللاجئين، ظهرت في الآونة الأخيرة، بمصر، أصوات نشاز وخطابات كراهية وحملات إلكترونية مشبوهة على مواقع التواصل الاجتماعي، ضد تواجد اللاجئين بالقاهرة، وبخاصة، السوريين والسودانيين، وهو ما رفضته المحروسة رسميًا في بيانات متعددة.
وتعتمد مؤسسات الدولة رسميًا مصطلح «الضيوف» كبديل عن «اللاجئين» في الخطابات الرئاسية والحكومية، وتصل أعدادهم إلى أكثر من 9 ملايين «ضيف»، تتصدرهم الجالية السودانية ثم السورية، ثم لاجئو إريتريا وإثيوبيا، واليمن، والصومال، والعراق.
المبادرات تتنوع ما بين إغاثي وحقوقي وسياسي وتعليمي ونفسي
نماذج ناجحة وتفاعل حضاري
في البداية، يوضح المحامي أسامة صدقي، رئيس اتحاد «محامون بلا حدود» (مؤسسة قانونية مستقلة)، في حديثه لـ«المجتمع»، أن الدين الإسلامي يحتم علينا حسن معاملة الجار السوداني أو السوري أو العراقي أو اليمني، وحسن ضيافته في أزمته، وذلك بحكم الدين قبل الرابطة العربية.
ويؤكد صدقي أن تواجد ضيوف مصر ليسوا عبئاً على أحد، كما تزعم الحملات المشبوهة، حيث باتوا –والكلام له- كالمصريين «في الهم سواء» يواجهون الظروف الاقتصادية بصبر واقتسام لقمة العيش، ويقومون بدفع كل نفقات معيشتهم إلا من تعذر عليه فيلقى الدعم.
ويشير صدقي إلى أن ضيوف مصر قدموا نماذج نجاح في العمل والاندماج في المجتمع؛ ما ساهم في التفاعل الحضاري، واكتساب المصريين عادات جديدة ومنحهم التعرف على ثقافات مختلفة، محذراً من التراخي في تطبيق القانون المصري الذي يحظر التنمر أو بث أي خطابات كراهية.
السوريون نجحوا في الاندماج والتعايش والسودانيون في أول الطريق
مساندة واجبة
وفي حديثه لـ«المجتمع»، يرى المحامي شهاب الخازندار، مدير مؤسسة «ابن النيل» للتنمية رئيس مركزها الإغاثي، أن مصر بحكم أنها الشقيقة الكبرى ودولة كبيرة لم ولن تبخل على أحد من ضيوفها، موضحاً أن دور مؤسسته وأمثالها الداعم للسودانيين بمصر غير مقتصر على اليوم، ولكنه ممتد بالتعاون مع الدبلوماسية السودانية منذ عام 2018م، حيث الشراكة المتجددة لمواجهة الكوارث التي تحدث مع موسم الفيضانات في السودان، عبر تقديم إغاثة عاجلة للمنكوبين.
ويضيف الخازندار أن التحرك الحالي مع السودانيين تحرك من منظور وطني مساند للدولة لتوفير المناسب لضيوف مصر من أشقائنا السودانيين، مع توفير أي حلول لمنع أي سلبيات مع زيادة الأعداد، بحيث يتم تقنين التواجد غير الشرعي للبعض، واحتواء أي سلبيات تحدث، عبر مجموعات قانونية وإغاثية متطوعة رغم الضغط المتواصل على محافظة أسوان.
ويوضح الخازندار أن السوريين أصبحوا قوة تجارية كبيرة، بفضل اندماجهم في المجتمع المصري، رغم الأعباء والضغوط المترتبة على ذلك، مستنكراً أي محاولات أو خطابات للنيل من اللاجئين، لكنه يطالب كذلك الجميع سواء الضيوف أو أبناء الوطن بالتمسك دوماً بالمحبة والتعاون، وإفادة مصر.
صدقي: إخوة دين يجب علينا حسن معاملتهم وأفادنا تواجدهم
وأطلق مركز ابن النيل للإغاثة والدعم الإنساني في محافظة أسوان، على الحدود مع السودان، مبادرة جديدة، في الأيام الأخيرة، لدعم الإخوة السودانيين، الوافدين إلى البلاد، بالتزامن مع حملة أخرى لإغاثة النازحين إلى مدينة حلفا على الحدود المصرية –السودانية، بكل الوسائل المتاحة برياً أو نهرياً قبل بدء موسم الفيضانات، وفق بيان إعلامي.
أبرز المبادرات
وتتنوع المبادرات المصرية، وفق رصد «المجتمع»، ما بين إغاثية وصحية وتعليمية ونفسية وقانونية وحقوقية، مع معاملتهم في الخدمات مثلهم مثل المصريين.
وفي المسار القانوني، بادر الحقوقي البارز طارق العوضي، عضو لجنة العفو الرئاسية بمصر، مدير مركز دعم دولة القانون، مؤخراً، بتقديم بلاغ للنائب العام المصري ضد من وصفهم بـ«اللجان الإلكترونية» لهجومها على السوريين والسودانيين في مصر، مؤكدًا أنها حملات ممنهجة، ترتكب جرائم، وتهدد الأمن القومي المصري، وفق بلاغ العوضي الذي حصلت «المجتمع» على نسخة منه.
وفي الإطار الحقوقي المساند، تبرز مبادرة «منصة اللاجئين في مصر» كمبادرة إعلامية حقوقية، تقدم الدعم الحقوقي والقانوني والإعلامي، عبر العديد من البرامج المعدة لذلك لجميع اللاجئين.
الخازندار: لن نبخل على ضيوفنا بأي شيء رغم الأعباء والضغوط
وتقدم مؤسسات خيرية عديدة خدماتها للاجئين حسب ظروفهم الاقتصادية، منها الجمعية الشرعية (أبرز الجمعيات الخيرية بالبلاد)، ومؤسسة مرسال (أبرز مؤسسات العمل الخيري الطبي)، بالتزامن مع تقديم الحكومة المصرية مجموعة واسعة من الخدمات الصحية المجانية للاجئين، وبخاصة السوريين المسجلين في مصر، منذ أكثر من عقد من الزمن، بما في ذلك الرعاية الوقائية واختبار وتشخيص الأمراض السارية وغير السارية، والعلاج من الأمراض المزمنة، والرعاية الأساسية للمرأة والأطفال والصحة العقلية، والعلاجات النفسية والرعاية الجراحية، فيما يتم معاملتهم معاملة المصريين في المدارس والجامعات والمستشفيات.
ومع دخول السوريين عامهم الثالث عشر بالبلاد، يبرز التعايش والاندماج اللافت لهم في المدن المصرية، وفق مراقبين، حيث يتميزون بمشروعاتهم الصناعية والتجارية خاصة في مجال المطاعم، وحازوا على تفضيل المصريين في قوائم البدائل الشعبية في حملات مقاطعة المطاعم الداعمة للكيان الصهيوني بعد انطلاق معركة «طوفان الأقصى».
وتنتشر في ربوع مصر، حالياً، مبادرات إغاثة أهلية للسودانيين، خاصة في أماكن تجمع السودانيين، في محافظة الجيزة وبالتحديد في ضاحيتي الهرم وفيصل ومدينة 6 أكتوبر، لكن يبرز دور سكان محافظة أسوان، الأقرب إلى السودان، حيث يقدمون العديد من المبادرات الأهلية منذ بداية الأزمة السودانية.
العوضي يبدأ الملاحقة القانونية لمثيري الكراهية.. ودعم حقوقي للاجئين
ودشنت مجموعة «قادة مجتمعات المهاجرين واللاجئين السودانيين»، في وقت سابق، مبادرة شعبية، لمساندة السودانيين بمصر، في الدعم الطبي والجانب القانوني والسكن والغذاء، بالتزامن مع تدشين مبادرات مستقلة أخرى لمساعدتهم على دخول سوق العمل، أو مبادرات تتعلق بالدعم النفسي والاجتماعي والتعليمي والثقافي للنازحين مثل مبادرة «بتهون».
كما دشنت أحزاب الدستور والإصلاح والتنمية والمحافظين، مؤخراً، مبادرة «الأحزاب المصرية السودانية»، للعمل على وقف الاقتتال بالسودان، وتذليل العقبات في الحركة أمام المواطنين السودانيين، ودعم مطالب تقديم ميزات تفضيلية للمستثمرين السودانيين للاستثمار في مصر.