يذهب شيخ الأزهر د. أحمد الطيب إلى مساحات جديدة بمصر، وفق بعض المراقبين، بشكل قد يعزز من مساحة استقلال المؤسسة الدينية الأبرز بمصر والعالم الإسلامي، بعد ما يراه البعض بادرة إيجابية، من مؤسسات الدولة، في عدد من المواقف الأخيرة، بحق قيمة المشيخة وشيخ الأزهر في بلده، بعد حملات مسيئة من عدد من الإعلاميين والنخب التي ترفض المنهج الأزهري.
وتنص المادة (7) من الدستور المصري الحالي على أن الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ويتولى مسؤولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم، ويُحصن القانون منصب شيخ الأزهر من العزل.
تطورات مهمة
ويؤكد الكاتب الصحفي محمد عبدالشكور، المتخصص في شؤون الأزهر، في حديثه لـ«المجتمع»، وجود تطور إيجابي لمنهجية التعامل الرسمي مع الأزهر وشيخه، خاصة بعد إصدار قرار بتعيين د. نظير محمد عياد مفتيًا بالبلاد باقتراح من الطيب بعد سنوات من تجاهل ترشيحات المشيخة، وذلك بعد فترة قصيرة من زيارة عدد من مسؤولي الدولة رفيعي المستوى لشيخ الأزهر للتهنئة بزيارة ناجحة له في دول جنوب شرق آسيا، في سابقة جديدة.
تعيين مفتٍ جديد بناء على ترشيح الطيب بعد سنوات من تجاهل المشيخة
ويعتبر عبدالشكور ما يحدث جزءًا من محاولات محمودة وبادرة إيجابية من مؤسسات الدولة، لوقف منازعة مشيخة الأزهر وشيخها في اختصاصاتهما ومكانتهما، بعد سنوات حاولت فيها وزارة الأوقاف ودار الإفتاء المصرية مزاحمة الأزهر؛ مشيخة وشيخاً، في الدور والمكانة والولاية الدينية.
ويضيف عبدالشكور أن زيارة الوزراء لشيخ الأزهر تقليد جديد وجيد لم يتكرر قبل ذلك، وهي بمثابة مرحلة جديدة، ترسخت بعد زيارة ناجحة لشيخ الأزهر في دول جنوب شرق آسيا، تم استقباله فيها استقبال الحكام والملوك، وخلفت مردوداً إيجابياً للدولة المصرية ومكانة الأزهر.
ويشير الكاتب المتخصص في شؤون الأزهر إلى أن ما حدث في اختيار مفتٍ جديد بناء على ترشيح شيخ الأزهر رسالة تقدير، وإقرار بأهمية إعادة الاعتبار للأزهر ووقف أي شبه منازعة له في الولاية الدينية بمصر، بحيث يعمل الجميع تحت مظلته، سواء في الأوقاف أو الإفتاء، وبخاصة في الجدل المتكرر حول قضايا دينية بحتة على رأسها قضية تجديد الخطاب الديني.
من المحلية إلى العالمية
ويؤكد د. أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، في حديثه لـ«المجتمع»، أن مؤسسات الدولة تحترم دستورها ومكانة الأزهر المنصوص عليها في المادة (7) من الدستور، مشدداً على أهمية استمرار هذا التوجه وتعزيز مكانة الأزهر كمرجعية في البلاد.
زيارات إشادة وتقدير من وزراء كبار ووقف الحملات الإعلامية المسيئة
ويثمن كريمة زيارات شيخ الأزهر إلى جنوب شرق آسيا التي أكدت، برأيه، مكانة المشيخة في قلوب أبناء العالم الإسلامي، فيما دعا إلى خروج الأزهر من المحلية إلى العالمية، عبر زيارات منهجية مرتبة في كل أقطار الأرض.
واقترح كريمة أن تمتد زيارات الأزهر سواء من الإمام الأكبر أو وكيل الأزهر د. محمد الضويني على مدار العام إلى دول أفريقيا التي تحب الأزهر كثيراً مثل دولة السنغال، أو تذهب إلى دول أوروبية مثل البوسنة والهرسك أو دولة مثل طاجيكستان، مشيراً إلى أنه سافر بصحبة شيخ الأزهر الراحل د. محمد سيد طنطاوي إلى هذه الدولة ووجد ترحاباً كبيراً.
ويشير الأكاديمي الأزهري إلى أن الأزهر عانى، وما زال، من هجوم المتشددين عليه أو بعض الإعلاميين، الذين يريدون تقزيم دوره أو إبعاده عن رسالته كمؤسسة إسلامية معتدلة غير أحادية المنهج، مؤكداً أهمية مواجهة ذلك.
زيارة جنوب شرق آسيا
وقام بزيارة الشيخ الطيب 3 مسؤولين رفيعي المستوى من مؤسسات الدولة ووزير سابق على مدار 3 أيام، في 16، و17، و18 يوليو الماضي، للتهنئة بما وصفوه بـنجاح الزيارة الموفَّقة والمهمة التي قام بها شيخ الأزهر إلى جنوب شرق آسيا التي ضمت ماليزيا وإندونيسيا وتايلاند.
كريمة: مؤسسات الدولة تحترم دستورها ومكانة الأزهر المصانة فيه
وشمل وفد المهنئين من مسؤولي الدولة السفير بدر عبدالعاطي، وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج، ود. أسامة الأزهري، وزير الأوقاف المصري، ومفتي الجمهورية، وقتها، د. شوقي علام، ود. محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف السابق، وذلك في تقليد جديد، خاصة من وزارة الخارجية، الوزارة السيادية، التي اعتبرت الزيارة تعزيزاً لقوة مصر الناعمة، معلنة على لسان الوزير أن الأزهر هو الممثل الحقيقي للقوى المصرية الشاملة في الخارج، وفق بيانات رسمية.
اللافت حضور جمعة إلى الطيب وإشادته بما أبرزته الزيارة من محبة ومكانة كبيرة لشيخ الأزهر في قلوب شعوب الدول الإسلامية، وفق البيان الرسمي، رغم العلاقة الفاترة بينهما بسبب حرص جمعة على تبني لغة مختلفة عن الأزهر، حول دعاوى تجديد الخطاب الديني، فيما يشبه الاعتذار الضمني.
قبول ترشيح المفتي
في 11 أغسطس الجاري، فوجئت الأوساط العامة بمصر، بصدور قرار جمهوري بتعيين د. نظير محمد عياد، الأمين العام وقتها لمجمع البحوث الإسلامية، مفتيًا للجمهورية، لمدة 4 سنوات بناء على ترشيح من شيخ الأزهر، وفق بيان رسمي، من المشيخة.
وتنص اللائحة على أن ترشح هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف 3 من العلماء من بين أعضائها أو من غيرهم ممن تنطبق عليه شروط صلاحية شغل منصب المفتي، وتنتخب أحدهم ليكون مرشح الهيئة لمنصب الإفتاء على أن يصدر به قرار جمهوري بعد العرض من شيخ الأزهر على رئيس البلاد.
لافتة إنسانية بحق الشافعي
مساحة أخرى، أقرها بشكل إنساني، شيخ الأزهر، بشكل يعكس استقلاله، وفق البعض، عقب وفاة زوجة د. حسن الشافعي، الذي يشغل عضوية هيئة كبار العلماء بالأزهر، ومجلس حكماء المسلمين، بجانب رئاسته للمجامع اللغوية العربية، حيث أدى الشيخ الطيب، في 12 أغسطس الجاري، صلاة الجنازة بالجامع الأزهر على الفقيدة، وقدم واجب العزاء بشكل رسمي عبر منصات الأزهر رغم تعقيدات موقف الشافعي السياسية.
عبدالشكور: محاولات لإعادة الاعتبار لمكانة الأزهر وتعزيز استقلاله
وتلاحق د. الشافعي انتقادات البعض، منذ عام 2013م، بسبب مواقفه السياسية التي يعتبرها هو مستقلة، بينما يعتبرها خصومه انحيازاً لمعارضي النظام الحالي؛ ما كان سبباً للإطاحة به من رئاسة المجمع اللغوي المصري (مجمع الخالدين) في عام 2020م، في خطوة وصفتها مؤسسات الدولة بأنها تصحيح لخطأ مادي في الانتخابات، فيما اعتبرها معارضون لها بأنها عزل.
وحول تقدير شيخ الأزهر للدكتور الشافعي، وصف الكاتب الصحفي محمد عبدالشكور ذلك بأنه رسالة قوية من نوعها، تعكس استقلال الشيخ والمشيخة، ووفاء الإمام الأكبر للصداقة بينه وبين الشافعي رغم الاختلاف في بعض القضايا، ذات البعد السياسي، فالاثنان من قمم الأزهر، ولهما مواقف صلبة في مساندة بعضهما بعضاً، والدفاع عن رسالة الأزهر في أكثر من أزمة.
غزة حاضرة
وبرز دور شيخ الأزهر، في الفترة الماضية في القضية الفلسطينية بشكل مستقل وقوي، حيث دشنت المشيخة 5 حملات إغاثية لدعم غزة عبر بيت الصدقات والزكاة الذي يشرف عليه شيخ الأزهر، وأصدر عشرات البيانات التضامنية مع غزة والمقاومة الفلسطينية والمنددة بالعدوان الصهيوني، بلغة قوية وحادة، ووجه العديد من الخطابات الداعمة لاستقلال فلسطين كلها.