توفي في ماليزيا عَلَم من أعلام الدعوة الإسلامية في العصر الحديث الشيخ العراقي عبدالمنعم صالح العلي العزي المعروف بمحمد أحمد الراشد (86 عاماً)، رحمه الله، ولا أتردد بالقول: إن هذا الرمز الكبير هو أعجوبة رائدة بتاريخ الحركة الإسلامية في العصر الحديث.
فالراشد المولود في عام 1938م في العراق بدأ رحلته الدعوية هناك بغرس شرعي ودعوي ونشاط دعوي كبير منذ صغره، ثم انتقل إلى الكويت وأسهم في الكتابة بمجلة «المجتمع»، وأسس محاضن تربوية وشرعية؛ فتعلم وتأسس فيها العديد من الشباب، ثم انتقل إلى الإمارات وكتب في مجلة «الإصلاح» هناك، وعمل في الدعوة والتربية كذلك، وبعدها انتقل إلى أكثر من دولة ختامها في ماليزيا حيث عاش بقية حياته.
والسؤال: لماذا تميز محمد أحمد الراشد في إضافة بصمته الكبيرة؟
1- كانت كتبه ومقالاته فيها من العمق التأصيلي الشرعي والثقافي، فدراسته الشرعية العميقة في مختلف فنون الشريعة سخرها ووظفها بشكل رائع للتنظير الدعوي والحركي، فعند قراءة كتاب «المنطلق» مثلاً تجد التأصيل الرائع لمفاهيم الدعوة ومنطلقاتها بالأدلة الشرعية، وأقوال العلماء، والتجارب المعاصرة، واستخدام الأدوات الأصولية والتقعيدية.
2- قارئ نهم للتجارب السياسية والتاريخية وتعددية في المشارب الثقافية وظفها في كتاباته.
3- صاحب ذوق مميز في الأدب والشعر خاصة، فعمل به بشكل مميز في كتاباته؛ فأخذت لوناً جمالياً رائعاً، وأضاف أيضاً تأملاته ورسماته التي يضعها على أغلفة كتبه تعبر عن أفكاره وتصوراته للكتب.
4- ومن قدرته الشرعية التأصيلية تجسدت في كتابيه «الدفاع عن أبي هريرة» و«مناقب أبي هريرة»، ثم تهذيبه لـ«شرح العقيدة الطحاوية» و«أصول الاجتهاد التطبيقي» في 4 مجلدات تطبق فيه نظريات أصول الفقه وقواعد بطريقة محترفة، وتهذيبه لـ«مدراج السالكين» لابن القيم، ووضع عناوين الكتب بصورة جمالية تظهر عمقه الثقافي والشرعي.
5- لديه تدبر عميق في السياسة والتخطيط، والعمل الحركي الجماعي وظروفه الواقعية والنفسية، وتجد تأملاته الجميلة في «المسار»، و«صناعة الحياة» و«بوراق العراق»، و«سلسلة رسائل العين»، و«منهجية التربية الدعوية»، و«مقدمات في العمل التطوري».. وغير ذلك.
فكتاباته كانت لوحة جمالية من تأصيل منحوت بأسلوب أدبي ولمسات فنية وعمق وتدبر.
تشرفت بالجلوس معه عام 2006م في قطر لمدة 3 ساعات كانت غير مملة ومليئة بالفائدة وغزارة التجربة!
رحمك الله، كم أسهمت في تربية أجيال الدعوة! وكم أسهمت في تأصيل مفاهيمها الدعوية والحركية! وكم كتبت منتقداً الانحرافات الفكرية والبدع! وكم تدارس الشباب كتبك وتعلموا منها!
وعلى الحركة الإسلامية الوفاء لهذا الرمز بنشر سيرته، وتدريس كتبه، وتطبيق مقترحاته وتأملاته، فهو الوفاء الحقيقي.
أتعبت من بعدك يا أستاذنا أبا عمار!