ذكرت “الجزيرة نت” على موقعها تقريراً بمناسبة مرور 4 سنوات على ذكرى الشاب محمد البوعزيزي الذي أضرم النار في جسده بعد منعه من بيع الخضراوات والغلال على عربته في تونس.
وأشار الموقع إلى أن ذكرى رحيله الرابعة يتحول وبإجماع كوني إلى رمز للإنسان المضطهد عبر العالم.
ولد البوعزيزي عام 1984م في سيدي بوزيد، وتربى يتيم الأب في أسرة تعاني من ضيق ذات اليد، تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة بقرية سيدي صالح، ولم تسمح ظروفه المادية بإكمال دراسته، واضطر للعمل بائعاً متجولاً في سن مبكرة لإعالة أسرته التي تتكون من تسعة أفراد، أحدهم معاق.
ذات صباح من شهر ديسمبر 2010م، لم يكن يدور في خلد البوعزيزي حين حاول الانتحار حرقاً أمام مقر محافظة سيدي بوزيد أن تندلع ثورة عاصفة تعاطفاً معه ضد ما اعتبره أبناء مدينته قمعاً من حاكم لم يكتفِ بازدراء مناطق بعينها من البلاد وتهميشها، بل تجاوز ذلك إلى البطش بشبابها والتنكيل بهم.
وكان البوعزيزي أقدم على حرق نفسه بعد منعه من بيع الخضراوات والغلال على عربته، ورفْض المسؤولين المحليين مقابلته حينما أراد رفع شكاية بفادية حامدي الموظفة في البلدية التي اتهمها بصفعه وإهانته أمام الجميع، بحجة عرض بضاعته في مكان غير مرخص لذلك.
أيقونة الثورات
مثّل هذا الحادث الشرارة التي دفعت المئات من الشباب العاطل عن العمل إلى تنظيم مظاهرات واحتجاجات سلمية في مدينة سيدي بوزيد، سرعان ما تحولت في اليوم التالي إلى مواجهات دامية مع قوات الشرطة، وامتدت إلى محافظة القصرين المحاذية ومحافظات أخرى في البلاد.
ومع فشل السلطات في كبح جماح التحركات الاحتجاجية، انتقل الغضب الشعبي إلى مدن ومحافظات ساحلية كبرى أبرزها صفاقس ونابل وتونس العاصمة، وتحول الطوفان بسرعة إلى انفلات أمني كبير وفوضى عارمة تخللتها عمليات سرقة طالت المنشآت العامة والخاصة وعجلت بهروب الرئيس آنذاك زين العابدين بن علي وسقوط نظامه.
وإذا كان مُشعل الثورة قد فارق الحياة بعد إحراق نفسه بنحو عشرين يوماً، فإن ذلك الحادث حوله إلى أيقونة لثورات شعوب انتفضت ضد حكامها في عدد من الدول العربية، وأسقطت – بالإضافة إلى بن علي – نظام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، ونظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي ثم الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح.
شبح البوعزيزي
وبعد مرور أربعة أعوام على رحيله، ما زال شبح البوعزيزي مخيماً على سيدي بوزيد وتونس وما جاورها، ورغم انقشاع سحب الظلم والغطرسة ونيل جزء كبير من الكرامة المنشودة، تراءت هواجس جديدة أمام شعوب اعتقدت أنها راهنت على الحرية والانعتاق، لكنها لم تغنم غير مزيد من الإحباط واليأس.
ويبدو أن رسالة البوعزيزي لم تقبر في مدينته سيدي بوزيد أو بلده تونس فحسب، بل تجاوزتها إلى جميع أنحاء العالم، فبعد أن استعارت بلدان عربية من التونسيين شعار انتفاضتهم الأبرز “ارحل”، واعتراف أكثر من دولة برمزية ثورة التونسيين، أقامت فرنسا في فبراير 2011م تمثالاً تذكارياً تخليداً للبوعزيزي، وأطلقت اسمه على الساحة التي تقع في الدائرة الرابعة عشرة من العاصمة الفرنسية.
وفي سيدي بوزيد أيضاً، خُلدت ذكرى البوعزيزي بإقامة نصب لعربة الخضار التي صادرتها منه أيادي النظام قبل أن يشعل النار في جسمه.. واليوم، قبل أيام من إحياء ذكرى الحادثة، تنتشر لافتات عملاقة تحمل صورته على مباني المدينة، ويتجول الباعة فيها بكل حرية، لكن عويل البوعزيزي الذي هز المكان ذات يوم بدأ يخفت شيئاً فشيئاً دون أي تغيير يذكر في تلك البقاع.