يغادر الرئيس الأمريكي باراك أوباما البيت الأبيض في 20 يناير المقبل، بعد 8 سنوات كاملة، ليتركه لخلفه الرئيس المنتخب دونالد ترامب.
أوباما يغادر منصبه، مخلفاً تركة تتنازعها الانتصارات والهزائم في الوقت نفسه، إلى جانب جدل واسع خلفته تلك التركة.
ورغم النجاحات اللافتة، التي حققها أوباما في ولايتيه الأولى الثانية، بداية من المجال الاقتصادي، وصولاً إلى إنهاء أكثر من نصف قرن من القطيعة مع كوبا، واتفاق بشأن ملف إيران النووي، إلا أنها لم تخل من إخفاقات.
المثير في الأمر أن تلك الإخفاقات تركزت في المنطقة العربية، فلم تبرح القضية الفلسطينية مكانها، ولا تزال المعارك مشتعلة بسوريا منذ أكثر من 5 سنوات، فضلاً عن استيلاء “داعش” على مساحات واسعة من العراق.
مجال الاقتصاد، كان أبرز إنجازات أوباما، فقد تمكن من انتشال بلاده من واحدة من أكبر الأزمات الاقتصادية، التي لم تعصف بالولايات المتحدة فحسب، بل العالم كله.
فنجح أوباما في خلق 15 مليون فرصة عمل جديدة، وخفض معدل البطالة لما دون 4.9 بالمئة طيلة 74 شهراً متتالياً (إشارة إلى بدء النمو نهاية عام 2010) من نمو سوق العمل، كما يحلو له أن يفاخر في كل مرة يتحدث فيها عن تركته.
التركة الاقتصادية لأوباما رافقها نجاحه وحزبه الديمقراطي في إقرار قانون الرعاية الصحية بأسعار معقولة، والذي استطاع توفير تأمين صحي لما يقرب من 20 مليون أمريكي.
ولعل أحد أبرز الآثار الاقتصادية للرئيس الأمريكي، هو توقيعه اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ والمعروفة باسم “تي تي بي”، والتي تشمل إقامة منطقة تجارة حرة بين 12 دولة تشكل اقتصاداتها 40 بالمئة من اقتصاد العالم.
وتضم قائمة الول أستراليا، بروناي، كندا، تشيلي، اليابان، المكسيك، ماليزيا، نيوزيلندا، بيرو، سنغافورة، فيتنام، إلى جانب الولايات المتحدة.
إلا أن معارضي سياسات أوباما يرون أنه ضاعف من الدين العام للبلاد والذي بلغ مع نهاية عهده 19.5 تريليون دولار.
وعندما تولي أوباما مهام منصبه عام 2009، كان الدين العام الأمريكي 10.6 تريليون دولار.
أوباما، نجح خلال توليه لمقاليد البلاد في إنهاء أكثر من نصف قرن من المقاطعة بين بلاده وكوبا، عندما أعلن نهاية العام 2014 بدء تطبيع العلاقات بين البلدين.
وعقب ذلك جاءت عدة خطوات بينها تبادل للسفراء بين هافانا وواشنطن، وإعادة تسيير الرحلات الجوية، بالإضافة إلى عودة التبادل التجاري.
تطبيع العلاقات مع كوبا، شهد معارضة شديدة من بعض الأعضاء الجمهوريين في الكونغرس الأمريكي والذين يرون أن الولايات المتحدة لا يجوز ان تتخلى عن سياستها في مقاطعة كوبا لكونها “دولة تخضع لحكم شمولي ديكتاتوري”.
وشمل عهد الرئيس الأمريكي الحالي توقيع الاتفاق النووي بين إيران وخمس من الدول الكبرى، إلى جانب الولايات المتحدة، بعد مفاوضات طويلة ومعقدة انتهت بتعهد إيران بالتخلص من برامجها النووية العسكرية مقابل رفع العقوبات الاقتصادية.
معارضو الاتفاق النووي، يرون أن أوباما قدم الكثير من التنازلات لطهران، وسيخلق سباقاً للتسلح النووي في المنطقة، بالإضافة إلى تعريض الأمن الإسرائيلي للخطر.
عهد أوباما، وإن شمل بعض النجاحات، إلا أن شبح عواقب الإخفاقات سيظل يطارد الولايات المتحدة.
فمنذ توليه لمقاليد البلاد في يناير 2009، وعد أوباما بالعمل على غلق سجن غوانتانامو سيء السمعة، خاصة بعد تفجر فضيحة استخدام الاستخبارات الأمريكية لأساليب التعذيب ضد المعتقلين.
إلا أن أوباما، على ما يبدو، سيغادر البيت الأبيض، من دون التمكن من تحقيق ذلك الوعد، بالرغم من ضآلة أعداد المتبقين من المعتقلين في هذا السجن.
ويعارض الكونغرس الأمريكي بشدة محاولات أوباما لنقل المتبقين من نزلاء هذا المعتقل إلى سجون داخل الولايات المتحدة.
أوباما، سيخلف في سوريا كذلك، صراعاً لم يستطع حسمه، يعتقد معارضوه أن سبب ذلك يعود “إلى ضعف سياساته” تجاه رأس النظام السوري بشار الأسد ورفضه فرض منطقة حظر للطيران داخل البلاد، التي مزقتها الحرب.
بالإضافة إلى عدم تسليحه للمعارضة السورية، التي طالبت على مدى سنوات حكمه، بتزويدها بمضادات للطائرات من أجل تحييد التفوق الجوي لقوات الأسد.
كما يغادر أوباما منصبه من دون حسم نهائي للحرب ضد تنظيم “داعش”، الذي شهد صعوداً كبيراً خلال فترة حكمه، والتي يرى منتقدو سياساته أن شوكة التنظيم المسلح لم تقو إلا بعد مغادرة القوات الأمريكية للعراق، وهو في اعتقادهم مؤشر آخر على تضاؤل نفوذه في المنطقة.
وفوق هذا كله يرى مراقبون أن تواجد الجيش الأمريكي في أفغانستان، حتى اليوم، وعودة القوات الأمريكية إلى العراق، وإن كان بشكل قوات دعم وتدريب، يدلان على فشله في إنهاء دور القوات الأمريكية في البلدين اللذين كانت الولايات المتحدة قد خاضت حربين فيهما انتهت باحتلالهما إبان حكم سلفه جورج دبليو بوش.
كما لم تبرح القضية الفلسطينية مكانها خلال حكم أوباما، على الرغم من المبادرات الساعية إلى إحياء عملية السلام، واستسلم أوباما للمراوغات “الإسرائيلية” بالتهرب من مائدة المفاوضات.
وربما جاء الامتناع عن التصويت على قرار إدانة الإستيطان “الإسرائيلي”، في مجلس الأمن، بمثابة رسالة الاحتجاج الأخيرة ضد التعنت “الإسرائيلي”، الذي حرمه من لقب صانع السلام في الشرق الأوسط.