قد سمع (4)

الزواج الثاني.. واللف والدوران!

سمية رمضان

27 نوفمبر 2025

44

علمت أن زوجها في المستشفى بسبب حادث سيارة؛ فهرعت إليه هي وابنها حيث كان، فوجدته في العناية المركزة ولا بد من أخذ إذن لزيارته، حيث من الممنوعات وجود أكثر من شخص في الوقت نفسه بالعناية، ذهبت وأعطتهم هويتها وأنها زوجته.

نظر إليها المختص بتعجب قائلاً: ولكن زوجته معه حالياً بالفعل، فقد كانت ترافقه في السيارة وحالتها جيدة، ولكن هو من أصيب.

اسودت الدنيا في عينيها، وحاول ابنها أن يفهم أبعاد الموضوع، فأعطاه الموظف اسم الزوجة التي دخلت، وهنا أشارت الأم لولدها ليتوقف عن الجدال وانسحبت بهدوء.

وهي في الترام في طريقها لمنزلها وقد تحطمت شفافية الثقة في قلبها، أخذت تتذكر أنها لم تمتلك سيارة؛ لأن زوجها كان دوماً يشكو من قلة ذات اليد، نظرت إلى يديها وهي خاوية من الزينة، فقد باعت كل مصاغها وذهبها من أجل مساعدة زوجها.

وفي البيت، أخذت بعيونها تجول في كل أنحائه، فترى بصمتها في كل شبر.

وهنا طلب أولادها الطعام فدخلت المطبخ، ولكن كل شيء يخص هذا الأمر لم يبرح خيالها، وجدت لها الذاكرة كل ما كان، فها هو زوجها يطلب منها تحضير حقائب السفر لمرافقة أصحابه في أمور مهمة لعدة أيام، وكم كانت حريصة على إعداد كل شيء بعناية ونظافة وجمال.

وبعد رجوعه، كان كل نظيف أصبح متسخاً فتعيد الكرة، من غسل وتنظيم وكَي؛ ليجد حقائبه كل مرة مُعدة بعناية.

كيف لم تشك فيه لحظة واحدة؟ هذا ليقينها أنه صادق لا يكذب.

وبعد تعافي الزوج ورجوعه إلى بيته كان قرارها حاسماً.. الانفصال.

فذهبنا إليها لتهدئتها، ولكن كلماتها كانت واضحة، قالت: كل مسلمة مُعرضة في أي وقت لابتلاء الزوجة الثانية، فإن حدث فهو حلال وتحاول التأقلم إن استطاعت.

ولكن الحرام هو الكذب واللف والدوران، فهذا يُفقد الثقة في الطرف الآخر، وإن فقدنا الثقة سأدخل في دوامة التجسس والغيبة، وأنا في غنى عن ذلك كله.

والحقيقة من تجربتنا، الزوج الصادق من اللحظة الأولى هناك أمل للإصلاح بينهما، ولكن الزوج الكذاب يكون الأمر جداً صعباً، فكان من الأفضل التمهيد لزوجته قبل زواجه ولو استغرق ذلك شهوراً، فالأمر يستحق.

ولكن بعض الأزواج يحلل لنفسه الكذب للحفاظ على كل مكتسباته دون خسارة، ويردد ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي رواه الشيخان، من حديث أم كلثوم رضي الله عنها بنت عقبة بن أبي معيط، أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فيقول خيرًا، وينوي خيرًا»، قالت: «ولم أسمعه يرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث: في الحرب، وفي الإصلاح بين الناس، وفي حديث الرجل لامرأته والمرأة لزوجها».

فهنا الكذب المباح متبادل بين الزوجين لحدوث الألفة والحب، لا أن تكون في مكان وتكذب على زوجها وتدعي أنها ستذهب لمكان آخر، وكذلك هو، فالكذب المقصود هنا أن يشكر في جمالها وهو لا يراها كذلك، أن يثني على طعامها ويشكرها عليه، أن يعدد أسباب حبه لها ولو كان ما يقوله غير صحيح.

كذلك الزوجة تشكر الله أمامه أن وهبها إياه ولو رجع بها الزمن ووقف الرجال صفاً وهو بينهم لن تختار سواه، وهي في الحقيقة لن تفعل ذلك، فهذا الحديث فيه إصلاح وحب ودوام التراحم بينهما.

أما أن يكذب يقول: إنه ذاهب إلى مكان وهو ذاهب إلى مكان آخر مختلف تماماً، أو يسخّرها لخدمته وخدمة زوجته الثانية بطريق غير مباشر، أو أنه يتكلم عنها أنها لا تعرف زواجه ولا بد من التكتم، فيجعل زوجته الثانية تشعر وكأنها خليلة وليست حلاله، فكل حركاتها بالخفاء المصحوب بالوجل، فأين العدل المطلوب هنا؟

من أراد الزواج فله الحق، ولكن يكون صريحاً وواضحاً وزواجاً مُعلناً حتى يعدل، وهو الشرط الرئيس في التعدد.

ولا أنسى أختاً توفي زوجها وذهبنا لواجب العزاء، ونحن جلوس قامت واحدة بصوت يسمعه الجميع قائلة: أنا زوجته الثانية، وأحببت أن يعلم الجميع ذلك، فهو لم يعلن زواجنا في حياته، وها أنا أعلنه بعد وفاته.

صراحة، انعقد لسان الجميع، وزوجته الأولى لم تعلم؛ هل تبكي أم تصرخ على خداع زوجها لها طوال تلك السنوات التي عاشتها معه، والأولاد كانوا في حيرة من أمرهم.

وللأسف، الرجل يتزوج من أخرى ولا يعلن عن ذلك ولا يخبر أولاده وزوجته، ولا يعمل حساب المفاجآت، حينها يكون الخبر كالصاعقة على الجميع، ويصبح كالزجاج المكسور، صعب إصلاحه.

الله يبصرنا بما فيه رضا الرحمن الرحيم.

اقرأ أيضاً:

قد سمع (1)
الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة