ما العراقيل الصهيونية لإعادة إعمار غزة؟

د. خالد سعيد

18 أكتوبر 2025

163

بالتزامن مع قمة شرم الشيخ المصرية وتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، وعدد كبير من قادة وزعماء العالم، عقد اجتماع آخر لا يقل أهمية عنه، ضم العشرات من كبار مسؤولي منطقة الشرق الأوسط والاتحاد الأوروبي، في لندن، وذلك في 13 أكتوبر 2025م، لمناقشة إعادة إعمار قطاع غزة.

جمعت وزارة الخارجية البريطانية مسؤولين بارزين ومؤسسات مالية عالمية، على رأسها البنك الدولي، والبنك الأوروبي؛ لإعادة الإعمار والتنمية، بعيداً عن الأضواء، في مؤتمر دولي موسَّع لمناقشة اليوم التالي للحرب على غزة، وأهم الملفات المطروحة هو إعادة إعمار القطاع، الذي قد يستغرق سنوات لإكماله، فضلاً عن تكلفته العالية التي قد تزيد على 50 مليار دولار، وفي تقديرات تزيد على 80 مليار دولار.

مواصلة الحرب بعد الاتفاق

رغم التحضيرات الدولية والإقليمية لإعمار غزة، فإن هناك الكثير من العراقيل «الإسرائيلية» أمام إتمام هذه الخطوة المهمة التي ستعيد بدورها الأمل والحياة للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، على رأسها حالة الغموض التي تكتنف المرحلة التالية من إطلاق سراح الأسرى، وكذلك عدم سماح الاحتلال بإعادة فتح معبر رفح دون عودة كل جثامين الأسرى لدى «حماس»، فضلاً عن ربط دخول مواد البنية التحتية للقطاع بفرض سياسات تعليمية ودينية جديدة للفلسطينيين.

خطط صهيونية لمحو فكرة «المقاومة» من المؤسسات التعليمية والدينية بقطاع غزة

مع إطلاق سراح الأسرى الصهاينة، شدد وزير الحرب الصهيوني يسرائيل كاتس على أن الحرب في غزة لم تنته بعد، والجيش سيواصل تدمير أنفاق «حماس»؛ ما يعني استمرار تواجد القوات العسكرية في غزة وعدم انسحابها بناء على خطة الرئيس ترمب؛ أي إخلال «تل أبيب» باتفاق وقف الحرب على القطاع؛ ما يعوق، وبشدة، بدء عملية إعادة الإعمار والبناء في غزة.

فقد تزايدت وارتفعت الأصوات الصهيونية بضرورة استمرار الحرب على قطاع غزة، رغم توقيع الاتفاق، خاصة مع تسليم جثامين 4 أسرى «إسرائيليين» فقط لـ«تل أبيب» من مجموع 28 جثماناً يجب إعادتهم، وهو ما تناقلته وسائل الإعلام العبرية، وأولت له الاهتمام، في 13 و14 أكتوبر 2025م، خاصة «هيئة البث» و«إذاعة الجيش الإسرائيلي».

من جانبها، ربطت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، في 12 أكتوبر، عملية إعادة إعمار قطاع غزة بعودة آخر رفات للأسرى في قطاع غزة، موضحة أن هناك تقديرات صهيونية تفيد بأن بعض القتلى الصهاينة لا يزالون مدفونين تحت الأرض، ومن أجل استكمال بنود اتفاق وقف إطلاق النار بناء على خطة ترمب، يجب على «حماس» إعادة كل الجثامين وتقديم المساعدة للقوة الدولية التي سيتم تشكيلها لتنفيذ اتفاق غزة، في البحث عن جثامين هؤلاء الأسرى الذين قتلوا خلال العامين الماضيين وتسليمهم إلى «تل أبيب».

وزعمت الصحيفة أن «حماس» تتعمد إخفاء جثث الأسرى الصهاينة لديها في قطاع غزة باعتبارها ورقة مساومة للحركة الفلسطينية، ما يحدو بالكيان إلى منع إعادة إعمار غزة وعرقلة دخول المواد الأساسية للبنية التحتية ومنع دخول الكرفانات أيضاً، فضلاً عن منع أعمال الحفر من الأساس.

وفي تقرير لها، في 13 أكتوبر، وهو يوم إطلاق سراح الأسرى الصهاينة من قبضة حركة «حماس»، توقعت الصحيفة نفسها أن سلطات الاحتلال ستمنع دخول المواد الأساسية للبنية التحتية ومنع دخول الكرفانات أيضاً؛ بمعنى أنها لن تكمل بنود خطة ترمب، والخاصة بملف إعادة إعمار غزة من البداية، حتى تستعيد كل جثامين الأسرى «الإسرائيليين».

واتفقت صحيفة «كالكاليست» العبرية، ذات الطابع الاقتصادي، مع ما نشرته «يديعوت أحرونوت» من أن «إسرائيل» سوف تزود القوة الدولية المقترحة لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بخرائط وأماكن يحتمل وجود جثامين مدفونة تحت الأرض داخل قطاع غزة، وأن «تل أبيب» اشترطت عودة هذه الجثامين قبيل الموافقة على دخول مواد البناء والبنية التحتية الأساسية لإعادة إعمار القطاع، رغم أن «حماس» قد أقرت من قبل بصعوبة العثور على الـ28 جثماناً دفعة واحدة، فيما أوضحت «هيئة البث»، في 13 أكتوبر، أن هناك تضييقاً على الحركة بشأن بحثها عن رفات وجثامين الأسرى «الإسرائيليين» في غزة.

واشتركت القناة العبرية «i24news» في الرأي نفسه، حينما رهنت وصول المواد الأساسية للبنية التحتية لإعادة إعمار غزة، سواء الأسمنت أو الجرارات أو المعدات الثقيلة الخاصة بأعمال الحفر والبناء، بعودة جثامين الأسرى المحتجزين لدى «حماس»، موضحة أن الاتفاق مع «حماس» يقضي بدخول المساعدات الإنسانية فقط، سواء الغذائية أو الوقود وغاز الطهي والوقود المخصص للمستشفيات والبنية التحتية الأساسية فقط، دون السماح بدخول مواد الإعمار؛ وهي إحدى العراقيل الرئيسة إعادة إعمار غزة.

برامج وأد المقاومة

غير أن القناة ذاتها قد رأت، في 12 أكتوبر، أن قمة شرم الشيخ (الإثنين 13 أكتوبر) عقدت لجمع الأموال الخاصة بإعادة إعمار غزة، والبحث عن سبل لتوصيل هذه الأموال إلى القطاع، متوقعة عقد قمة أخرى خلال أيام لمناقشة تفاصيل إعادة إعمار غزة فضلاً عن أن قمة شرم الشيخ تبحث إصلاح البنية التحتية للكهرباء في غزة، وكيفية مشاركة القوة الدولية المقترحة لاستكمال أو لتنفيذ بنود خطة ترمب، التي تقضي في جزء منها بالسماح بإعادة إعمار القطاع ودخول المواد الأساسية للبناء.

مركز دراسات الأمن القومي: «إسرائيل» تضع شروطاً سياسية وأمنية لإعادة الإعمار

وكان لمركز دراسات الأمن القومي رأي آخر، موضحاً أن موافقة «إسرائيل» على المشاركة الدولية في إعادة إعمار غزة، يجب أن تبقى مشروطة بالترويج لبرنامج صهيوني شامل يهدف إلى مكافحة ما يصفه بـ«الإرهاب» في جميع المؤسسات التعليمية والدينية والخيرية في القطاع، بمعنى أنه برنامج صهيوني يهدف إلى كبح جماح المقاومة ووأد فكرة المقاومة من الأساس في المناهج التعليمية والهيئات والمؤسسات الدينية؛ في محاولة صهيونية لإجهاض المقاومة ومحوها من فكر وإيمان وعقيدة المواطن الفلسطيني في غزة، مع الإقرار بأن «المقاومة فكرة والفكرة لن تموت».

ورأت دراسة للمركز أن دول الخليج تصر على العمل ضمن أطر عربية ودولية لإعمار غزة وليس بالتعاون والتنسيق المباشر مع «إسرائيل»، لكون بعضها رافضاً للتطبيع مع الكيان الصهيوني، فضلاً عن أن الوضع السياسي والأمني في القطاع في اليوم التالي للحرب قد يكون محل نقاش كبير لدى دول الخليج الراغبة في عملية الإعمار، من حيث تواجد السلطة الفلسطينية في غزة؛ فضلاً عن إشارة الدراسة إلى أن هناك دولاً كثيرة تتردد في تمويل الإعمار بدعوى أن «إسرائيل» بإمكانها العودة مرة أخرى لتدمير غزة والإجهاز على البنية التحتية للفلسطينيين في القطاع، أي أن هذه الدول تريد ملامسة رؤية نشر الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط حتى يمكنها الدفع بعجلة الإعمار.

المركز نفسه نشر دراسة أخرى حول خطة الرئيس الأمريكي ترمب ووقف الحرب في غزة، في الأول من سبتمبر الماضي، أوضحت أن «إسرائيل» قد تشترط لإعمار القطاع وجود إصلاحات جوهرية في السلطة الفلسطينية، مع السماح بحرية الحركة والتصرف والدخول للقطاع لمواصلة الجيش تطهير غزة في أي وقت، بزعم تطهير القطاع من «الإرهاب»، أو بمعنى أدق «المقاومة المشروعة».

ومن هنا، فإن ثمة عراقيل تضعها «إسرائيل» أمام إعادة إعمار غزة، أهمها ضرورة إعادة كل جثامين الأسرى لدى «حماس» في القطاع، وإجراء تغييرات في المناهج التعليمية والمؤسسات الدينية الفلسطينية، وعدم ربط الأمر بوجود إصلاحات من عدمه داخل السلطة الفلسطينية، فضلاً عن عدم رهان إعمار غزة بإقامة دولة فلسطينية.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة