آفة المقارنة في الحياة الزوجية.. نظرة إسلامية ونفسية

د. يحيى عثمان

21 أغسطس 2025

357

أستاذي الفاضل د. يحيى، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية تقدير لمجلة «المجتمع»، وجزى الله كل العاملين عليها خير الجزاء.

أنا رجل أعمال، ورزقني الله بثلاثة أولاد، زوجتي سيدة فاضلة متفرغة لرعايتنا، الحمد لله على وفاق، إلا مشكلة واحدة تكاد تذهب بسعادتنا؛ ألا وهي «المقارنة»! فرغم نِعَم الله علينا، فإنها قد تقارنني بغيري؛ أبي، إخوانها، أصدقائي، أو حتى أحد أبطال قصة قرأتها! ومن المؤكد أن في كل واحد ميزة أفتقدها أنا، كما أنها أيضاً تقارن نفسها بغيرها؛ أمها وأخواتها وصديقاتها، ومن المؤكد أن بها ميزة تفتقدها غيرها، يطول النقاش وأضطر أنا أيضاً إلى عقد مقارنة إيجابية لصالحي وسلبية ضدها وينتهي الأمر بخناقة! زوجتي من قراء مجلتكم الغرَّاء، فهل هناك حل لمشكلتنا؟

تعريف بمشكلة «المقارنة» بين الزوجين

إن الله تعالى جعل الزواج مودة ورحمة، لا ميدان مقارنة سواء كانت خفية؛ أي يقارن الزوج زوجه بالآخرين في نفسه دون إعلام زوجه، أو صريحة بمواجهة مباشرة مع الزوج، ويقع الزوج في آفة المقارنة باختيار أفضل صفة عند الآخر ومقارنتها بأسوأ صفة عند زوجه، مع تجاهل السياق وظروف كل شخص؛ حيث إن العلاقات الزوجية تتميز بالخصوصية ولها بصمتها الفريدة، وكل شخص له مميزاته وعيوبه التي قد لا يعرفها المقارِن.

أسباب «المقارنة» بين الزوجين

هناك عدة أسباب للمقارنة؛ بعضها نفسي، وبعضها موضوعي، وهذا ليس تبريراً للمقارنة، ومنها:

أ- الأسباب النفسية لـ«المقارنة»:

- ضعف شخصية الزوج الذي يقارن، وإحساسه بالنقص أمام زوجه، فيحاول تعويض ذلك بالانتقاص من زوجه، والبحث عمن هو أفضل منه في صفة ما ويقارنه بشأنها.

العلاقات الزوجية تتميز بالخصوصية ولها بصمتها الفريدة وكل شخص له مميزاته وعيوبه التي قد لا يعرفها المقارِن

- تعالِي الزوج على زوجه، قد يدفع الزوج لمحاولة التوازن النفسي بالتقليل من قيمة زوجه وبيان أنه يوجد من هو أعلى منه بمقارنته بالآخرين.

ب- الأسباب الموضوعية لـ«المقارنة»:

- إذا فشل الزوج في إقناع زوجه بتعديل سلوكه للأفضل، فإنه قد يلجأ لمقارنته بالآخرين؛ تدليلاً على أن ما يطلبه طبيعي بدليل أن هناك آخرين يفعلونه.

- قد تكون سلوكيات الزوج دون المستوى المناسب للطبقة الاجتماعية التي تعيش بها الأسرة؛ ما يسبب حرجاً لزوجه.

الآثار السلبية لـ«المقارنة»

إن مقارنة الزوج زوجته بالنساء الأخريات، أو مقارنة الزوجة زوجها بالرجال الآخرين؛ تُعَد من أخطر أسباب الخلافات الزوجية وأشدها تأثيراً على الاستقرار النفسي والعاطفي بين الزوجين، وهذه بعض سلبياتها:

- مخالفة للأخلاق الإسلامية: الإسلام يدعو إلى ستر العيوب والامتنان للنعم، لا إلى المقارنة والتقليل من الآخرين؛ فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر»، والمقارنة تُعمي العين عن نِعَم الشريك الحالي وتُركّز على ما ينقص، وهذا من قلّة الشكر، كذلك فإن المقارنة تقلل الرضا (نقض مبدأ القناعة).

- الشعور بالنقص، والغيرة والشك، وتهدم مشاعر التقدير والرضا.

مقارنة الزوج زوجته بالنساء الأخريات والعكس من أخطر أسباب الخلافات الزوجية التي تؤثر على الاستقرار العاطفي

- رد فعل للزوج الذي يقارن: عندما يجد الزوج أن زوجه يقارنه بغيره، فإنه يقع في الخطأ ذاته بدلاً من أن يعالجه، فيرد عليه بمقارنته أيضاً بالآخرين.

- تتجاهل أهم ما يميز العلاقة الزوجية؛ وهو الخصوصية.

- تضخيم السلبيات وطمس الإيجابيات.

- إهانة الكرامة الإنسانية (نقض مبدأ التكريم).

- زرع الحقد والضغينة (نقض مبدأ الإصلاح).

مقترحات للتعامل مع مشكلة «المقارنة» بين الزوجين

1- الرضا بما قسمه الله:

- قال النبي صلى الله عليه وسلم: «انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم» (رواه أبو هريرة، سنن الترمذي 2513).

- غرس قيمة الرضا: التدريب على تقدير النِّعَم الموجودة في الشريك، والامتنان لأفعاله، لا التركيز على ما ينقص.

- نحن مأمورون بغض البصر، يقول الله عز وجل: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {30} وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) (النور)؛ ظاهر النص هو حفظ النظر؛ حتى لا تقع العين على محرم يكون سبباً في ولوغ الفاحشة، هل يمكن أن يقصد بغض البصر أيضاً لعدم المقارنة والوقوع في الحسد؟ والله العليم.

2- التغافل عن النقص والتركيز على الإيجابيات:

- ليس هناك إنسان كامل: الزواج الناجح يقوم على التغافل وغض الطرف عن هفوات الزوج، وهناك مقولة: «التمس لأخيك سبعين عذراً»؛ تعني أنه عند حدوث أمر ما من شخص، يجب عليك أن تبحث عن سبعين عذراً محتملاً لتبرير فعله قبل أن تحكم عليه بسوء، أو تسيء الظن به، وهذا القول يحث على حسن الظن والبحث عن الأعذار للآخرين لتجنب الوقوع في الخطأ والظلم، وهذا من خلق المسلمين فيما بينهم، فما بالنا فيما بين الزوجين؟!

ليس هناك إنسان كامل.. والزواج الناجح يقوم على التغافل وغض الطرف عن هفوات الزوج والتماس الأعذار له

- التعرف على نقاط القوة والضعف: يجب على الزوجين فهم علاقاتهما والتركيز على نقاط القوة ومعالجة نقاط الضعف في علاقتهما الزوجية، والعمل على تحسينها.

3- تعزيز الحوار الزوجي الإيجابي:

- بدلاً من المقارنة، عبّر عن احتياجاتك بلغة الحب لا الانتقاد، واطلب التطوير لا التغيير الجذري.

- التواصل الفعّال: الحوار الصريح والهادئ حول المشاعر، دون اللجوء إلى المقارنات أو الاتهامات، كما يجب على الزوجين التواصل بفعالية وصدق حول احتياجاتهما ومشاعرهما.

4- الاقتداء بسيرة النبي:

- لم يُعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قارن بين زوجاته، بل كان يُقدّر كلاً منهن بما فيها من خصال.

- استحضار نية الإصلاح: تذكّر أن الزواج عبادة، وأن هدف العلاقة هو السكينة والتكامل، لا التفوق على الآخرين.

5- الاستغفار والتقوى في العلاقة:

- قال تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً) (الطلاق: 2)؛ لأن التقوى تُصلح القلوب وتجلب البركة.

6- التقدير والاحترام والامتنان:

يجب على الزوجين تقدير واحترام بعضهما بعضاً، والاعتراف بالجهود التي يبذلانها في العلاقة الزوجية وشكره عليها، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله».


اقرأ أيضاً:

زوجي دمَّرني بزواجه! 

الحياة الزوجية ليست ساحة صراع 

لماذا تنهار البيوت بعد شهر العسل؟

 

 

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة