صناعة القهر.. كيف يحوِّل الاستيطان «الإسرائيلي» الضفة الغربية إلى أشلاء؟

محمد القيق

02 سبتمبر 2025

364

مصادقة على مصادرة الأرض، وأخرى على منع البناء للفلسطينيين، وثالثة على بناء آلاف الوحدات الاستيطانية ومشاريع ضخمة كان آخرها «E1» شرق القدس.

إجراءات تزيد قهر الفلسطينيين الباحثين عن أمان في حياتهم واستقرار وحق تقرير مصيرهم، وصولاً لدولة وعدهم بها الجميع، فما رأوا إلا دولة ولكن للمستوطنين على أرضهم وأشجار زيتونهم، وهضماً لحقوقهم، فهل صناعة القهر أنتجت شظايا ضفة غربية كانت بالأمس أرضاً موعودة بدولة ولو مشلولة؟!

التيه..

ممارسات «إسرائيل» مؤخراً وآخرها في قرية المغير قرب رام الله ومسافر يطا جنوب الخليل ليست بعيدة عن ممارسات الجيش في داخل المخيمات، بل المدن الرئيسة، وصولاً إلى تسارع وتيرة التهويد في القدس وصعود سموترتش على تلال القدس متحدثاً عن ضوء أخضر وتوجيه رسمي من رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو بتصعيد الاستيطان ومباشرة العمل في مشروع «E1»  الذي سيقسم الضفة الغربية، وسيمسح السيادة والاتصال الجغرافي، وسيجعل حلم المستوطنين يتحقق وحقيقة الفلسطينيين تتلاشى.

هذه القرارات والممارسات باتت تشير للتطبيق الممنهج لإعدام السيادة الفلسطينية والتواصل الجغرافي وصمود الفلسطينيين ومصدر رزقهم وتحطيم أمنهم الشخصي والغذائي والاقتصادي، وهذه بعض زوايا المشهد الذي يضم:

تحريف الرواية فعلياً وليس فقط في الإعلام من خلال إخلاء البدو الفلسطينيين من أماكن تجمعاتهم وبالقرب من عيون المياه ونهر العوجا في أريحا والأغوار وشرق نابلس والقدس ومسافر يطا ومناطق أخرى على امتداد الضفة الغربية، وإحلال المستوطنين مكانهم فوراً بصفة سكان متنقلين ويعيشون كما تعيش التجمعات البدوية في مشهد متعمد؛ ليكون طمس كل أنواع الوجود الفلسطيني، وإعطاء بديل أمام العالم لتكتمل أركان المجتمع المؤسس للدولة.

وهذا ما يعرف بالاستيطان الرعوي بعادات وتقاليد وظروف البدو الفلسطينيين نفسها، وهو مؤشر واضح على تطهير عرقي حتى للوجود وأشكاله خاصة للبدو الذين يحافظون على نسبة كبيرة من الأراضي والمراعي.

أشكال جديدة لإلغاء الوجود البدوي وفوراً إحلال رعاة أبقار وغنم ورُحّل ليغيروا التاريخ ولتكون لديهم مهمة أمنية ومجتمعية بتعزيز الوجود والترابط، وكذلك بالسيطرة على مقدرات الفلسطينيين وشل حركتهم بشكل مباشر وغير مباشر.

هذه الصيغة من الاستيطان تعتبر حماية جغرافية أولية كخط دفاع عن المستوطنات، وكذلك حلقة وصل جغرافية، والأهم أنها نقطة نهاية للتوسع الفلسطيني الذي يرى فيه الاحتلال أنه خطر وجودي، حيث يمارس الآن هذه السياسة ضد الفلسطينيين في الأرض المحتلة عام 1948م ويصعدها بشكل كبير في القدس التي أفرغها من سكانها بتكثيف الإجراءات والعقوبات عليهم، وكذلك الآن انتقل بها جذرياً للضفة الغربية.

هذا أعلاه لا ينسلخ عن التضييق الاقتصادي الذي بدأ منذ سنوات وتكثف منذ عام 2021م بمنع الاقتصاد الفلسطيني من التنفس والازدهار من خلال الاستيلاء على أموال المقاصة المخصصة للسلطة الفلسطينية، وتنفيذ عمليات أمنية واسعة النطاق ضد العمال من الضفة في الداخل المحتل، حيث يشكلون نسبة عالية من الدخل الشهري وإنعاش الحياة الاقتصادية، فمطاردتهم واعتقالهم وقتلهم في عديد المرات بات سياسة عامة، وإغلاق مداخل المدن والقرى والبلدات بالسواتر الترابية والبوابات الإلكترونية والحديدية ونشر الحواجز والأبراج وتكثيف العمليات العسكرية القاتلة للحياة اليومية والاقتصادية والأمان الشخصي تزامناً مع هجمات المستوطنين وعمليات الجيش لجعل الحياة جحيماً والمستقبل مجهولاً.

نزع الروح

في هذه الأيام يكثر حديث الأمريكي و«الإسرائيلي» عن نزع السلاح من غزة ولبنان، وهناك إصرار على ذلك بحجة تمهيد الأجواء للهدوء والسلام، ولكن ما يجري في الضفة منزوعة السلاح التي فيها التنسيق الأمني مع السلطة والقبضة العسكرية الشرسة من جيش الاحتلال والمستوطنين باتت الروح هناك منزوعة والأرض ممسوحة والسيادة معدومة والوجود الفلسطيني في خطر كبير.

مخطط الاستيطان ليس عشوائياً أو عبثياً، بل منهجية تقوم على الحكومة ووكالة الهجرة اليهودية والصهيونية العالمية؛ ما ينتج مستوطنات وتوسيع مستوطنات وإنشاء بؤر استيطانية ومناطق رعوية ومناطق صناعية وبنية تحتية، وهذا كله محاط بقواعد عسكرية؛ ما يعني أنها أدوات إعدام الوجود الفلسطيني وتسريع دولة المستوطنات التي تترابط يوماً بعد يوم.

ولذلك، ما يقدم ليس امتيازات للمستوطنين، بل منهجية توظيف ومصانع وتمليك وعسكرة تجعل المنطقة مهيأة للخطوات التالية؛ إنعاشاً للاستيطان، ودفناً للحياة الفلسطينية التي انتزع سلاحها قبل عقود هناك في الضفة الغربية، ووعدوها بأن تكون آمنة ذات سيادة.

المصير!

دون وحدة وطنية وتجديد شرعية فلسطينية عامة لتكون منصة قوة للفلسطينيين أمام المجتمع الدولي، وفي ظل الصمت الدولي والجمود العربي بين وساطة ضعيفة تخفي الإبادة وتآمر لإزالة فئة على حساب أخرى في إطار موضة نزع السلاح، فإن الضفة الغربية تسير كما خطط سموترتش؛ أن 2025م عام الضم والسيادة وإنهاء الرسمية الفلسطينية، بل والقضية برمتها، ولذلك الخيار الوحيد ترتيب البيت الداخلي وتعزيز الصمود لتكون رسالة ثابتة أمام العالم لإحباط مشروع كبير بدأ بخيمة مستوطن في جبال وعرة.

التبرير «الإسرائيلي» لهذا الاستيطان الوحشي في الضفة الغربية هو أن هناك خوفاً من اعتراف أوروبي بالدولة الفلسطينية، وتبربر الإبادة الجماعية في غزة بوجود السابع من أكتوبر، والتهويد والتطهير العرقي في القدس المحتلة بحجة تطوير المدينة؛ ولكن الهدف الأساس هو دولة المستوطنين ونواة «إسرائيل الكبرى» لتكون جسراً للشرق الأوسط الجديد.

بظروف مواتية جداً لنتنياهو سواء أوروبية رسمية وأمريكية أو صمت أو تآمر عربي تصبح النتيجة مشابهة لمرحلة عام 1967م، ولكن هذه المرة لا يمكن لأحد أن يتوقع نتيجتها، فقد تكون زوالاً لـ«إسرائيل» أو تمدداً، ولكن الواضح هنا أن لعنة العقد الثامن تلقي بظلالها على مشهد الوجودية في عقلية نتنياهو.

هي صناعة القهر التي يتقنها الاحتلال مدعوماً من الحركة الصهيونية العالمية والماسونية والهادفة إلى تفتيت المنطقة، ولا يمكن للمشروع الكبير أن ينجح إلا بطمس الضفة الغربية بما في ذلك تحقيق مخططات تستهدف المسجد الأقصى المبارك، ومع التطورات الإقليمية المتسارعة بات واضحاً أن قرار المستوطنين تحويل الضفة الغربية إلى أشلاء بلا حياة لتكون مرحلة تسبق الاعتداء الأوسع الذي على وقعه كثير من معادلات العالم ستكون متغيرة ومفاجئة.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة