سرية «مصاصي الدماء» الصهيونية.. كيف قتلت الطفلة هند رجب في غزة؟

سيف باكير

21 أكتوبر 2025

345

في كشف استقصائي مفصّل، أزاح برنامج «ما خفي أعظم» على قناة «الجزيرة» الستار عن الهيكل القيادي والعسكري الكامل المتورط في جريمة قتل الطفلة الفلسطينية هند رجب (6 سنوات)، وعائلتها، وطاقم الإسعاف الذي حاول إنقاذهم في حي تل الهوا بمدينة غزة مطلع عام 2024م.

وقدّم التحقيق قائمة مفصلة بأسماء الضباط والجنود المتهمين، محولاً ملف الجريمة إلى أرضية صلبة للملاحقات القانونية الدولية.

واعتمد التحقيق على تحليل أدلة جنائية دقيقة، شملت صور الأقمار الصناعية، وتحليل الخرائط، وبصمات صوتية، ليدحض الرواية «الإسرائيلية» الرسمية ويؤكد الاستهداف المباشر والمتعمد للمدنيين.

أدلة دامغة تنسف الرواية «الإسرائيلية»

الرواية «الإسرائيلية» الرسمية زعمت أن مقتل عائلة هند رجب جاء نتيجة «تبادل لإطلاق النار» في منطقة اشتباكات، إلا أن التحقيق قدّم أدلة دامغة تفنّد هذا الادعاء، منها:

  • 335 ثقباً نارياً: أظهر فحص سيارة عائلة هند رجب التي استُهدفت بنيران مكثفة وجود حوالي 335 ثقباً من الرصاص والقذائف؛ ما يؤكد الاستهداف المتعمد والمباشر.
  • البصمة الصوتية تُحدّد المدى: بالتعاون مع فريق «فورنزك آركيتكتشر» في لندن، أثبت تحليل التسجيل الصوتي لمكالمة الاستغاثة أن مصدر إطلاق النار كان من مسافة قريبة جداً تتراوح بين 13 - 23 متراً من موقع السيارة.
  • إطلاق نار أحادي الجانب: لم يكشف تحليل البصمات الصوتية أي دليل على وجود تبادل لإطلاق نار، بل تم رصد إطلاق نار سريع ومتواصل من سلاح يطلق بمعدل عالٍ؛ ما يؤكد أن الاستهداف كان من جهة واحدة وهي القوات «الإسرائيلية».
  • تمركز الدبابات: أكدت صور الأقمار الصناعية تمركز دبابات «ميركافا» التابعة لسلاح المدرعات «الإسرائيلي» في محيط موقع الحادث لحظة وقوع الجريمة.

القاتل المباشر و«إمبراطورية مصاصي الدماء»

تمكن التحقيق من تحديد الهيكل العسكري المتورط في مجزرة هند رجب، وصولاً إلى الضابط الذي أصدر أمر القتل في الميدان:

أ- الوحدة المنفذة للجريمة:

الاستهداف نفذته «الكتيبة 52 المدرعة»، التي تُعرف باسم «بوكيم» (المقتحمون)، وهي تابعة لـ«الواء 401 المدرع».

ب- الضابط الذي أصدر أمر القتل:

كشف التحقيق أن السرية التي نفذت الجريمة تُعرف بالاسم الإنجليزي «فامباير إمباير» (إمبراطورية مصاصي الدماء)، والضابط الذي أصدر أمر إطلاق النار من داخل الدبابة في الميدان هو الرائد شون جلاس، قائد سرية «فامباير إمباير»، وتؤكد المؤسسة القانونية «مؤسسة هند رجب» أنه أعطى الأمر بإطلاق النار، وهو المسؤول عن قتل الشهيدة هند رجب وعائلتها ومسعفيها.

جـ- مسؤولون في تسلسل القيادة:

يشمل تسلسل القيادة للوحدة المتورطة:

  • الكولونيل دانييل إيلا، قائد «الكتيبة 52 المدرعة»، وهو المسؤول الميداني المباشر عن الجريمة.
  • الكولونيل بيني أهارون، قائد «اللواء 401 المدرع»، وهو المسؤول الأرفع في تسلسل القيادة عن وقوع المجزرة.

الملاحقات القانونية الدولية.. ازدواجية الجنسية تقلب المعادلة

تحولت المعلومات الموثقة إلى دعاوى قضائية دولية تلاحق المتورطين، خاصة أولئك الذين يحملون جنسيات مزدوجة، بفضل جهود «مؤسسة هند رجب» التي انطلقت من بروكسل لمقاضاة مجرمي الحرب، وهم:

  • إيتاي شوكيركوف: وهو جندي في سرية «فامباير إمباير»، يحمل الجنسية الأرجنتينية، وتم تقديم دعوى قضائية ضده في الأرجنتين لمشاركته في جريمة حرب بصفته مواطناً أرجنتينياً.
  • شيمون زوكرمان: جندي في سلاح الهندسة ويحمل الجنسية الألمانية، رُفع ملفه إلى القضاء الألماني بتهمة الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية، وذلك لتورطه المباشر في تدمير بلدة خزاعة.
  • آدي كارني: وهو جندي آخر في سلاح الهندسة، حيث أصدرت السلطات في البيرو أمراً بالمتابعة لفتح تحقيق رسمي ضده بعد الكشف عن تواجده في البلاد وضلوعه في جرائم حرب.
  • الكولونيل بيني أهارون: قائد «اللواء 401»، وقد تم رفع دعوى قضائية مباشرة ضده أمام المحكمة الجنائية الدولية.

تحديات الملاحقة.. ضغوط جيوسياسية وسبل الإفلات

على الرغم من التقدم القانوني، فإن التقرير أشار إلى أن مساعي العدالة تواجه مقاومة شرسة، فالضغوط السياسية والجيوسياسية، بالإضافة إلى تورط بعض السلطات المحلية، تحاول عرقلة عمل الملاحقات، وقد تم توثيق حالات تهريب لجنود «إسرائيليين» لتجنب الاعتقال، منهم:

  • يوفال فاغداني: جندي في لواء جفعاتي، تم تهريبه من البرازيل بعد بدء ملاحقته قضائياً في أراضيها.
  • إليشا ليفمان: جندي في لواء غيفعاتي، تم تهريبه من قبرص على متن طائرة خاصة عبر طرق غير رسمية، في محاولة واضحة لتجنب التوقيف والمحاسبة.

هذه الحالات تؤكد ما أشار إليه القاضي دونالد بيتر هيربرت، من أن الأثر العملي للضغوط الجيوسياسية من الولايات المتحدة إلى جانب غياب الإرادة السياسية لدى الاتحاد الأوروبي، هو ما يسمح للمتهمين بالإفلات من العدالة.

قائمة انتظار المحاكمات في دول العالم

في تطور لافت، حصل التحقيق على قائمة مسرّبة تضم أسماء وعناوين ورتب ما يقارب 30 ألفاً من الطيارين والعسكريين والفنيين في سلاح الجو «الإسرائيلي» المتورطين في حرب الإبادة على غزة، وهي أسماء وُضعت على قائمة انتظار المحاكمات في دول العالم.

التحقيق ختم بالتأكيد على أن هذه الدعاوى القضائية ليست فقط وسيلة لمحاسبة مرتكبي الجرائم، وإنما تضيف جانباً يجعل أولئك الذين قد يترددون بالمشاركة في القتل والدمار يردعهم عن المشاركة أو التمادي في ذلك.

ويأتي هذا الكشف في وقت تشتد فيه المعركة القانونية خلف أسوار المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، لتضع العالم وعدالته الدولية أمام اختبار تاريخي: هل سيحاسب القتلة وينصف الضحايا؟

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة