المساعدات الجوية.. بين الإذلال وقتل المجوَّعين بصمت!

منظر الطائرات وهي تُسقِطُ مساعداتٍ على أهل غزة المحاصرين بات مألوفًا مؤلمًا، وكأن السماء وحدها تملك الرحمة، بينما البشر على الأرض عجزوا أو تواطؤوا، هذا المشهد الذي تتساقط فيه المواد الغذائية بالمظلات يثير أسئلة شرعية وأخلاقية: هل هذا يكفي؟ وهل المساعدات الجوية تسدّ جوعًا أم تُكرِّس إذلالًا؟ وهل الصمت على الجوع القاتل جريمة أم تواطؤ؟

المساعدات.. أداة تخدير أم بادرة نجدة؟

لا شك أن إنقاذ الأرواح واجب، وأن من ألقى طعامًا ليس كمن أدار ظهره للجياع، ولكن هل هذه المساعدات تعالج أصل المشكلة؟ الحقيقة أن المساعدات الجوية، وإن كانت تحمل نوايا حسنة، تُعاني من 3 أزمات كبرى:

1- عدم الكفاية: الكميات لا تسد الرمق، بل بالكاد تثير الصراع على الفتات.

2- عدم الانتظام: تسقط في أماكن عشوائية، وقد تكون سببًا في مقتل من يركض نحوها كما حدث مرارًا.

3- التوظيف السياسي: باتت بعض الدول تستخدمها لتبييض وجهها أمام الإعلام، وهي ذاتها من تدعم العدوان أو تصمت عليه.

ماذا لو وقعت الكارثة المفجعة في غزة؟ |  Mugtama
ماذا لو وقعت الكارثة المفجعة في غزة؟ | Mugtama
كيف يمكن الضغط والنصرة بعد مسيرات الأحد؟بعد صرخة...
mugtama.com
×

شرعًا.. هل يجوز الاكتفاء بإلقاء الطعام من الجو؟

من المنظور الشرعي، فإن:

- السكوت عن المجاعة ظلمٌ وخذلان، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم» (رواه الطبراني).

- وإذا علم المسلم أن أخاه يهلك جوعًا وكان يقدر على إغاثته فلم يغثه، فهو آثمٌ، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة: 2).

- أما من أعطى، لكن على وجه لا يُنقذ ولا يَمنع الهلاك، فهو مقصّر غير قائم بالواجب الكامل.

إلقاء الطعام من الطائرات دون خطة مدروسة، أو بدلًا من العمل السياسي لفك الحصار، لا يُسقِطُ الإثم عن الأمة، فالغذاء حين لا يصل، أو يقتل المنتظرين له، يصبح أداة إهانة لا إغاثة.

حين تصبح المساعدات غطاءً للصمت

العجيب أن بعض الأنظمة التي تروج للمساعدات الجوية، هي نفسها من تمنع القوافل البرية أو تغلق المعابر أو تشارك في الحصار، ولو بالصمت، وهنا يصبح الجوع أداة قتل جماعي ممنهج.

هل نسي العالم أن في غزة:

- مرضى ماتوا بسبب منع الدواء.

- أطفالاً استُشهِدوا وهم يركضون خلف مظلة الطعام.

- آلافاً يأكلون أوراق الأشجار وطحين الشعير وأعلاف الدواب.

إن هذه المآسي ليست قضاءً إلهيًا مجردًا، بل نتيجة حتمية لحصار بشري وجريمة دولية تُنفذ بأدوات الجوع، وتُجمَّل بغطاء المساعدات.

أهل غزة يموتون جوعاً وعطشاً دون أن يغيثهم أحد! |  Mugtama
أهل غزة يموتون جوعاً وعطشاً دون أن يغيثهم أحد! | Mugtama
تشتد الأزمة الإنسانية في قطاع غزة يوماً بعد يوم ج...
mugtama.com
×

صور الإذلال لا تقلّ ألمًا عن صور الموت

ألمُ الجوع لا يُقاس فقط بما يدخل البطن، بل بما يهين الكرامة؛ أن يرى الإنسان أبناءه يتقاتلون على كيس أرز ساقط من السماء، أو يموت طفله دهسًا في زحمة الجياع، أو تتطاير المساعدات فوقه كمن يُعطى صدقة مهينة، فهذا إذلالٌ ممنهجٌ يتعارض مع مبدأ العزة الإسلامية.

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: طمتى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟»، فكيف بمن يُجَوَّع ويُذَلّ ويُمنُّ عليه بالفتات من أعدائه أو المتخاذلين؟

واجب المسلمين تجاه إخوانهم الجائعين |  Mugtama
واجب المسلمين تجاه إخوانهم الجائعين | Mugtama
 نعيش اليوم مرحلة صعبة من أحلك مراحل التاريخ،...
mugtama.com
×

المسؤولية الجماعية.. من المُلام؟

المسؤولية لا تقع على الاحتلال وحده، بل تتوزع بين:

- الأنظمة العربية والإسلامية: التي تمتلك القدرة على فك الحصار لو شاءت، لكنها آثرت السلامة على الكرامة.

- العلماء والدعاة: الذين خفت صوتهم عند الحديث عن غزة، أو التزموا الحياد الجبان.

- شعوب الأمة: التي لم تضغط بما يكفي، ولم تغضب كما ينبغي.

- المنظمات الدولية: التي تتجاهل المجاعة، وتُشرعِنُ التجويع باسم السيادة.

والمسؤولية الشرعية في ذلك واضحة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلمه» (رواه البخاري).

فهل ترك الجائع للموت، إلا صورةٌ من صور تسليمه للعدو؟!

فهل هذا يكفي؟

لا، لا يكفي.

المساعدات الجوية لا تكفي.

الإعلام لا يكفي.

التعاطف لا يكفي.

الصمت جريمة، والتواطؤ جريمة.

وغزة لا تحتاج فتاتًا، بل كسرًا للحصار، وقلبًا للمعادلات، ووقفة عزةٍ لا بكاء ندمٍ.

فهل يُنقذ الأخ أخاه بالفتات من السماء، أم بفك الأغلال من الأرض؟




تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة