متى سيقول أهل غزة كلمتهم؟

قطاع غزة تحت الوصاية الأمريكية لمدة سنتين قابلة للتمديد، وسيكون الرئيس الأمريكي دونالد ترمب هو رئيس مجلس السلام الذي سيشرف على إدارة شؤون حياة المواطنين في قطاع غزة بشكل مباشر، ومن كافة الجوانب الحياتية والسياسية والأمنية.

وسيضم مجلس السلام المذكور عدداً من رؤساء الدول وقادة المجتمع المدني الذين لا يمتلكون الوقت لتسيير الحياة اليومية لأهل غزة؛ لذلك سيشرفون على عمل حكومة التكنوقراط التي سيتم تشكيلها، وسيتابعون بدقة وانتباه شؤون قوات الاستقرار التي ستنحصر مهمتها -وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2803)- في مطاردة رجال المقاومة الفلسطينية، ونزع سلاحهم، بهدف توفير الأمن للمستوطنات الصهيونية، دون أي ذكر لأمن الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال «الإسرائيلي»، ودون أي تحديد لموعد الانسحاب «الإسرائيلي» من قطاع غزة والضفة الغربية.

فهل سيقبل أهل غزة بالحكم الأمريكي وهم الذين رفضوا الحكم «الإسرائيلي» على مدار 58 عاماً من الاحتلال؟

أولويات البقاء في غزة

في تقديري، إن الناس في غزة يفتشون في هذه الأيام عن الخلاص من التهديدات «الإسرائيلية» والأمريكية باستئناف العدوان، وفي التخلص من آثار الحرب النفسية والمادية، التي نقشت بصماتها على مسار حياتهم، وهم يسعون لالتقاط الأنفاس، وترميم بعض ما تهشم من العدوان.

لذلك، لن تجد التنظيمات الفلسطينية في هذه المرحلة أي صدى لرفضها المشروع الأمريكي، الذي صار قراراً في مجلس الأمن، ولن يثير اهتمام السواد الأعظم من أهل غزة كل النقاشات الدائرة عبر وسائل الإعلام عن خطورة المشروع الأمريكي، أو عن محاسن هذا المشروع.

فالمواطن في غزة يفتش اليوم عن رغيف الخبز، وعن الخيمة، وعن الطريق الآمن للمدرسة والمستشفى، وعن احتياجاته اليومية الضرورية للبقاء، والبقاء غريزة، وفي مرحلة البقاء تغيب الاهتمامات الثانوية، ولا سيما بعد أن أدرك أهل غزة أن حياتهم قد صارت ضمن مسؤولية الإدارة الأمريكية، ومن صلاحية الجهات التي سيكلفها مجلس السلام الأمريكي في الإشراف على إدارة حياة الناس.

وقد تستمر هذه المرحلة الانتقالية بعض الوقت، قبل أن يفيق أهل غزة من سكرة الجوع والفزع، ليكتشفوا حقيقة القوى المعادية التي تحاصر حياتهم بشكل لا يقل وحشية عن الحصار الصهيوني، ليأخذ أهل غزة بعد ذلك دورهم في مواجهة المشروع الصهيوني الأمريكي.

أفق الحراك الفلسطيني ضد الهيمنة الأمريكية

وإذا كانت أمريكا قد نجحت في الضغط على الأطراف العربية والإسلامية كي تؤيد قرار مجلس الأمن وفق الحالة السياسية القائمة في الزمن الراهن، هذه الحالة التي تحاكي العجز العربي عن وقف العدوان، ومن ثم خذلان أهل غزة وهم يواجهون الإرهاب الصهيوني، ولكن هذه الحالة التي فرضت على الدول العربية والإسلامية أن تصمت طوال سنتين من حرب الإبادة في غزة، ومن ثم الصمت وهز الرأس بالموافقة على قرار مجلس الأمن الدولي؛ الذي صب قراراته في صالح الأمن «الإسرائيلي».

هذه الحالة العربية والإسلامية ليست مخلدة، وهي مرتبطة بالحالة العربية والفلسطينية المتغيرة، تؤثر فيها، وتتأثر بها، وطالما كان قرار مجلس الأمن لا يصب إلا في صالح الأطماع «الإسرائيلية» في المنطقة العربية ككل، فذلك يعني أن الرفض العربي الفلسطيني لقرار مجلس الأمن وتداعياته لن تطول، ولن يطول زمن الانتظار، قبل أن يبدأ الحراك الميداني العربي والفلسطيني الرافض لقرار مجلس الأمن وتداعياته.

عام 1956م، وبعد الانسحاب «الإسرائيلي» من قطاع غزة جراء العدوان الثلاثي، تحرك أهل غزة في مظاهرات جماهيرية رفضاً لفكرة تدويل القطاع، وطالبوا بعودة الإدارة المصرية كي تشرف على مكونات حياتهم، وكان لهم ذلك، ولكن في هذه الأيام لم يهتم الناس كثيراً في غزة بما يدور من تحركات سياسية بشأن مَن سيدير شؤون حياتهم؛ أكانت إدارة محلية، أو إدارة أمريكية، ولا كثير اهتمام بتركيبة قوات الاستقرار، أكانت إندونيسية أو مصرية وعربية وإسلامية.

أهل غزة منشغلون بأنفسهم، وينتظرون المتغيرات، وهم يراقبون كل مستجد بصمت وحذرْ شديدين، ومتى ما بدت لهم المؤامرة الأمريكية «الإسرائيلية» على حقيقتها، وتلمسوا تأثيرها السلبي على مستقبلهم ومصيرهم، ستكون لهم كلمة.

وبكل تأكيد لن تكون الكلمة لغزة وحدها، ستكون الكلمة لغزة والضفة الغربية والقدس، وفلسطينيي 48، وستكون كلمة قوية جريئة شجاعة، ترفض الهيمنة الأمريكية على القضية الفلسطينية، وترفض دوام الاحتلال «الإسرائيلي» للأرض العربية الفلسطينية.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة