مجزرة المساعدات وقتل المجوَّعين.. حين يُذبح الإنسان على أكياس الطحين!

في مشهدٍ مأساوي تهتزّ له الجبال وتقشعر له الأبدان، سقط العشرات من الجوعى قتلى على يد من يفترض بهم أن يحفظوا أمنهم ويحترموا إنسانيتهم، لم يكونوا يحملون سلاحًا، ولم يصرخوا بشعارات، بل اصطفوا في طابور طويل ينتظرون شاحنة مساعدات، تحمل ما يقيهم الجوع الذي فتّت أمعاءهم، وهدّ أجساد أطفالهم، لم يكن المشهد ساحة معركة، بل ساحة نجدة، فجعلها الظالمون ساحة مجزرة.

هذه ليست أولى المجازر التي ترتكبها آلة الاحتلال، لكنها واحدة من أكثرها دمويةً في وجه الإنسانية، لأنها جاءت في لحظة ضعف بشري شديد؛ لحظة الجوع.

الجوع.. صورة العذاب الحي

الجوع، حين يُستخدم كسلاح، يصير أكثر فتكًا من أي صاروخ، هو ليس مجرد ألم في المعدة، وإنما إذلال للنفس، وانكسار للكرامة، وتمهيد للموت البطيء، وقد أدركت قوى الاحتلال هذا السلاح، فحاصروا المدنيين، وقطعوا عنهم الماء والغذاء والدواء، حتى صار الوصول إلى ربطة خبز مغامرة قد تنتهي بالموت.

وها هو الموت يأتي فعلًا، لا من المرض، ولا من القصف، بل من الرصاص المباشر على طوابير المساعدات، أي بشاعة هذه؟! وأي قسوة تلك التي تجعل القاتل يضغط الزناد تجاه من يمدّ يده ليأكل؟!

حرب التجويع في غزة! |  Mugtama
حرب التجويع في غزة! | Mugtama
جريمة العصر التي ترتكبها «إسرائيل» سيسجلها التاريخ كواحدة من أبشع الجرائم ضد الإنسان والأحياء في غزة، وسيسجل التاريخ أن الغالبية العظمى من دول العالم وخصوصًا العربية والإسلامية منها قد خذلت غزة
mugtama.com
×

القتل جوعًا ثم رميًا بالرصاص

قتل الجائع جريمة مضاعفة؛ مرة بحرمانه من الطعام، ومرة بإطلاق النار عليه وهو يطلب النجاة، وقد قال الله تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ) (الأنعام: 151)، فأين الحق في قتل أطفال وشيوخ يقفون أمام شاحنة غذاء؟! وأين الرحمة في وجوه أولئك القتلة الذين لم يرعوا ضعف الناس وجوعهم؟!

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من لا يَرحم لا يُرحم» (رواه البخاري، ومسلم)، فأي رحمة بقيت في قلوب هؤلاء؟! بل أين الرحمة في قلوب المتفرجين الصامتين، الذين لم تحرّكهم المجازر، ولم تزعجهم مشاهد الجوعى القتلى؟!

في ميزان الشريعة الإسلامية

قتل النفس المحرمة من أعظم الكبائر في الإسلام، ويزداد الأمر شناعةً حين تكون هذه النفس ضعيفة، مستغيثة، لا تملك من أمرها شيئًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم» (رواه الترمذي).

فكيف حين يُقتل عشرات؟! بل مئات؟! وأمام الكاميرات؟! ثم تُطمس الحقيقة، وتُزيف الروايات.

والأشد من ذلك أن الجريمة لم تقع على ساحة قتال، ولا في صفوف المواجهة، بل على رصيف المساعدات، ومع ذلك، لم يتورع القتلة عن الضغط على الزناد، قال صلى الله عليه وسلم: «من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيسٌ من رحمة الله» (رواه ابن ماجة).

فكيف بمن قتل بيده، وحرّض بلسانه، وصمت حين وجب الإنكار؟!

تجريم الجريمة في كل الشرائع

إن قتل المدنيين العُزّل، خصوصًا أثناء تلقي المساعدات، لا يُدان فقط شرعيًا، بل هو مجرَّمٌ في جميع القوانين الدولية والشرائع السماوية، فكل وثائق حقوق الإنسان تعتبر حرمان المدنيين من الغذاء، ومنع المساعدات، واستخدام الجوع سلاحًا، جريمة حرب، بل جريمة ضد الإنسانية.

ورغم ذلك، لا نرى محاكمات، ولا إدانات جدية، بل يُغض الطرف عن القتلة، ويُلقى اللوم على الضحايا أحيانًا، وهنا يُسأل الضمير العالمي: هل أصبح الدم الفلسطيني أرخص من أن يُحسب له حساب؟ وهل صار الجوعى لا يستحقون إلا الرصاص بدل الرغيف؟!

الصمت العالمي.. مشاركة في الجريمة

حين تقع مثل هذه المجازر، وتخرج الصور الصادمة، ثم لا نرى من العالم إلا الشجب الخافت أو البيانات الباردة، فإن هذا ليس حيادًا، وإنما تواطؤ، الصمت في وجه الظلم خيانة، واللامبالاة أمام المذابح نفاق، بل إن القرآن يربط بين ترك نصرة المظلوم ووقوع العذاب العام، قال تعالى: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً) (الأنفال: 25).

إن من يسكت عن هذه المجازر لا يملك أن يزعم لنفسه إنسانية، ولا أن يدّعي تمسكًا بالقيم، فالحق لا يُعرف فقط في المؤتمرات، بل يُثبت في المواقف، وإن مجزرة المساعدات امتحانٌ حقيقي لمزاعم العدالة في هذا العالم.

مسوِّغات استمرار دعم غزة |  Mugtama
مسوِّغات استمرار دعم غزة | Mugtama
ألا فلتستمر حملات التبرعات لغزة العزيزة المجاهدة، بلا كلل ولا ملل، احتساباً للأجر والثواب، وتثبيتاً للمؤمنين
mugtama.com
×

أين الأمة؟! وأين النصرة؟!

منذ أن وقعت المجزرة، تساءل الكثيرون: أين ردّ الأمة؟! أين العالِم والخطيب؟! أين الإعلامي والكاتب؟! لماذا لا نرى انتفاضة على مستوى الحدث؟! لقد سُفك الدم، وصرخ الجائع، واحترقت قلوب الأمهات، ونحن لا نزال نبحث عن ردٍّ متوازن!

إن أضعف الإيمان أن نكتب، وأن نفضح، وأن نُظهر الحقيقة، وإن من تمام الإيمان أن نُحرك القلوب، وأن نُلهب المنابر، وأن نُربّي الأجيال على كراهية الظلم، وبُغض الجبناء، ومناصرة الحق.

رسالة إلى الشعوب

يا شعوب الأمة، لا تنتظروا الحكومات، بل كُونوا أنتم خط الدفاع الأول عن إخوانكم، أوصلوا صوت الجائع، وانقلوا معاناته، واصنعوا من دماء الشهداء حياة جديدة للحق.

لا تستهينوا بالكلمة، ولا بالصورة، ولا بالدعاء، ولا بالمقاطعة، ولا بالدعم الشعبي، فالظالم لا يخشى الجيوش فقط، بل يخشى صحوة الشعوب أكثر.

مجزرة المساعدات جرح جديد في جسد أمتنا، لكنها ليست النهاية، فكما أن القاتل لم يرحم، فإن ربنا لا يظلم، وكما أن الشهيد سقط دون خبز، فإنه ارتقى إلى ربٍّ كريم لا ينسى أحدًا.

اللهم كن لأهل غزة معينًا ونصيرًا، وارزقهم الأمن قبل الطعام، والكرامة قبل المساعدات، اللهم اجعل شهداءهم في عليين، وانتقم ممن ظلمهم؛ (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) (الشعراء: 227).

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة