استهداف الصحفيين.. وهْم اغتيال الحقيقة!

في جنح الليل،
استهدف الاحتلال الصهيوني -الذي نال لقب النازية الجديدة بامتياز- خيمة صحفيي قناة
«الجزيرة» في باحة مستشفى الشفاء في مدينة غزة، ليرتقي مع الشهداء الصحفي المميز
أنس الشريف، وزميله البطل محمد قريقع، ومعهما المصوران إبراهيم ظاهر، ومحمد نوفل،
وسائقهم مؤمن عليوة، ليضيف الاحتلال جريمة بشعة جديدة في سجله النازي الأسود!
فقد أتم اغتيال 238 صحفياً منذ بدء معركة «طوفان الأقصى»؛ في محاولة يائسة لإسكات صوت الحقيقة وصورتها التي عرّت الاحتلال وأظهرته على حقيقته على مرأى العالم ومسمعه، تلك الحقيقة التي وصلت للعالم عبر الصحفيين الموجودين في قطاع غزة بعد أن منع الاحتلال دخول الصحفيين الأجانب؛ إمعاناً في طمس حقيقة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب التي تجري في القطاع.
يظن الاحتلال واهماً أن استهداف الصحفيين سيغتال الحقيقة، متجاهلاً أن رسالة الصحفيين وصلت للعالم وأثرت فيهم، بل وكانت سبباً في تمييز الصفوف؛ (لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) (الأنفال: 37)، (لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ) (الأنفال: 42).
فعلى المستوى
العربي والإسلامي، كانت تقارير الشريف ورفاقه استنهاضاً للشعوب الحية، فرأينا
التحرك المبارك لقوافل كسر الحصار من شعوب دول المغرب العربي، والعزم على
الاستمرار فيها، وتابعنا المسيرات الضخمة في باكستان وماليزيا وإندونيسيا وتركيا
المطالبة بوقف العدوان وللضغط على الحكومات لتبني مواقف عملية لوقف الحرب وكسر
الحصار تتجاوز الخطابات الرنانة التي لا تسمن من جوع.
وفي الوقت ذاته،
كانت رسالة الصحفيين صفعة قوية على وجوه المتخاذلين والمرجفين والمنافقين، وميزت
بين العلماء الربانيين وما بات يعرف بشيوخ السلاطين، وعرّت أنظمة ارتضت لنفسها أن
تكون شريكة للعدو في حربه المجنونة ضد الإنسانية والحرية، بل تجاوز بعضها الحد
فقام بتزويد الاحتلال بأسباب الحياة والقوة، لقد أقامت رسالة الصحفيين الحجة على
الجميع.
أما على المستوى
العالمي، فكانت رسالة الصحفيين أكثر تأثيراً وأعمق أثراً، فكانت سبباً مباشراً في
انهيار السردية الصهيونية، وأكذوبة الجيش الأخلاقي، بل أصبح «الإسرائيليون»
مطاردين في العالم غير مرحب بهم، وتكررت مشاهد طردهم من المطاعم والمقاهي عبر
العالم شرقاً وغرباً، وغدا جنود جيش الاحتلال ملاحقين في دول غربية كثيرة على
خلفية ارتكابهم جرائم حرب.
وأظهر كثير من الكتَّاب الغربيين وبرلمانيين وأكاديميين في مقالات ومقاطع فيديو عديدة اشمئزازهم من بشاعة الجرائم التي فاقت الوصف والمعقول، وكشفوا زيف عقيدتهم الدينية التي تأمرهم -بزعمهم- بقتل النساء والأطفال والشيوخ وهدم كل مظاهر الحياة، ولقد تابع العالم المسيرات الهائلة الداعمة لفلسطين والمطالبة بتحريرها من البحر إلى النهر في أهم المدن الأوروبية والأمريكية، وفي اليابان ونيوزلندا وأستراليا وغيرها من دول العالم.
إن صوت الحقيقة لن يغيب، ولن تستطيع آلة الحرب اغتيالها، فكلما سقط صحفي ظهر آخر، وليعلم الاحتلال أن مكره سيفشل، فلم يعد العالم بعد «طوفان الأقصى» كما هو قبلها، وما عادت خطابات المظلومية التي كان يروجها الاحتلال مجدية بعد أن رأى العالم ممارسته لـ«الهولوكوست» في غزة، وأن الشعب في غزة سيتحول إلى صحفيين ينقلون يومياً جرائم الاحتلال.
وختاماً نقول: إن
الحقيقة أقوى من محاولات طمسها، وإن العالم أدركها، والمطلوب أن يحدد كل إنسان أين
سيكون موقعه منها.