المرأة في ظلال الإسلام.. تكامل مع الرجل
جاء الإسلام فأنصف المرأة، أيما إنصاف،
وأعطاها حقوقًا عدة سبقت بها الشريعة الإسلامية كل شريعة أخرى، حتى اعترف بذلك قاسم
أمين بقوله: «أعلن الإسلام حرية المرأة واستقلالها يوم كانت في حضيض الانحطاط عند
جميع الأمم، ومنحها كل حقوق الإنسان، واعتبر لها كفاءة شرعية لا تنقص عن كفاءة
الرجل في جميع الأحوال المدنية، من غير أن يتوقف تصرفها على إذن أبيها أو زوجها،
وهذه المزايا لم تصل إليها بعض النساء الغربيات» (تحرير المرأة، قاسم أمين، الهيئة
المصرية للكتاب، 1993م).
ولَفَتَ الشرع الحنيف الأنظار إلى أن
الحياة لا تكون إلا بالطرفين؛ الرجل والمرأة: (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى)
(النجم: 45)، ولا تطيب إلا بالمعاملة الطيبة القائمة على الحب والاحترام
فيما بينهما: (بَعْضُكُمْ
مِنْ بَعْضٍ) (النساء: 25)، «إنما النساء شقائق الرجال» (رواه أبو داود).
فالمرأة في الإسلام متساوية مع الرجل في
الأغلب الأعم من شؤون الحياة، وكل منهما مكمّل للآخر، متمم لرسالته، شريك له في
الحياة، فيما عدا بعض الخصوصيات المميزة لكل منهما في تكوينه البدني والنفسي.
وهي كالرجل تمامًا في التكاليف الدينية،
كالأمر والنهي، والحلال والحرام، والثواب والعقاب؛ (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ
مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ
بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل: 97).
كما لا تقوم الدعوة الإسلامية إلا
بجناحيها؛ الرجل والمرأة؛ «كانت خديجة أول من آمن برسالة الإسلام بعد النبي صلى
الله عليه وسلم، وكانت سمية أول شهداء الإسلام، وساهمت أسماء في نجاح خطة الهجرة،
وهاجرت المرأة الهجرتين إلى الحبشة صنوًا للرجل».
حقوق تشريعية
أنقذ الإسلام النساء من الوأد، الذي كان
منتشرًا في الجاهلية: (وَإِذَا
الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ {8} بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ) (التكوير)، وحارب من
يحرّضون على كراهية الأنثى، ومنع التمييز بين النوعين، بل حبّب أتباعه في البنات: «إذا
ولدت الجارية بعث الله عز وجل إليها ملكًا يزف البركة زفًّا يقول: ضعيفة خرجت من
ضعيفة، القيم عليها مُعان إلى يوم القيامة» (رواه أحمد).
وقرر لها الإسلام حقوقًا سمت بها إلى
درجة مجتمعية عظيمة؛ فجعل لها ذمّة مالية مستقلة، من البيع والشراء، والهبة
والإجارة، والصدقة والكفالة وغيرها من الأعمال المشروعة؛ وفرض لها حقًّا في
الميراث: (لِلرِّجَالِ
نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ
مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ
نَصِيبًا مَفْرُوضًا) (النساء: 7)؛ ولها الحق في اختيار الزوج، فلا تُرغم
على الزواج بمن لا تحب، ولها الحق -كزوجة- بحسن المعاشرة واللطف: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)
(النساء: 19)، ولها الحق في الخلع كما للرجل الطلاق، والحق في طلب العلم،
والعمل خارج البيت وفق ضوابط الإسلام.
أهلية كاملة وشخصية مستقلة
يقدّر الإسلام حرية المرأة، مثل الرجل
تمامًا، بدءًا من حريتها في اختيار عقيدتها، وانتهاء بحريتها في إبداء رأيها دون
خوف من مساءلة أو إقصاء، لقد عارضت إحداهن عمر رضي الله عنه، وهو من هو، حينما حضّ
على عدم المغالاة في المهور، فلم يزد على أن قال: «أصابت امرأة وأخطأ عمر».
ويقدّر الإسلام مسؤولياتها: (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ
رَهِينٌ) (الطور: 21)، وإذا كان للرجل القوامة عليها، فلضبط الأداء
المجتمعي وحسن التنظيم، وذلك لا يقلل من شأنها وفضلها، فإن لها قوامات أخرى تفوق
قوامة الرجل، وتناسب طبيعتها وتكوينها البدني والنفسي، فهي شريكة لزوجها في أمور
البيت وتربية النشء، بل هي أعظم منه مسؤولية وتأثيرًا في هذا الجانب، كما هي
متساوية مع الرجل في الدم، قصاصًا ودية.. وقد عُرفت المرأة في ظلال الإسلام: داعية
وعالمة وفقيهة، وتميزت بشجاعة أدبية نادرة.
شريكة الرجل في المسؤولية والأجر
والأمر هكذا، فقد تشاركت المرأة المسلمة
الحياة الاجتماعية مع أخيها الرجل، وتقاسمت معه الشدائد والمحن، وتشجّعت، من ثم،
على المطالبة بجميع الحقوق التي للرجال، ولِمَ لا وهنّ يحملن أثقالًا مثل أثقالهم،
ويقمن بأعباء تفوق أعباءهم؟!
فعن «أم سلمة» رضي الله عنها، قالت: كنتُ
أسمع الناس يذكرون الحوْض، ولم أسمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما
كان يومًا من ذلك والجارية تمشّطني، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أيها
الناس»، فقلت للجارية: استأخري عني، قالت: إنما دعا الرجال ولم يدع النساء، فقلتُ:
إني من الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لكم فرط على الحوض،
فإياي..» الحديث (رواه مسلم).
وها هي أسماء بنت يزيد بن السكن تتقدم
بالشكوى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، مطالبةً بحق أخواتها في المساواة بالرجال،
فقد أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، أنا وافدة
النساء إليك، وإني رسولُ مَنْ ورائي من جماعة نساء المسلمين، كلهن يقلن بقولي وعلى
مثل رأيي، إن الله بعثك إلى الرجال والنساء كافة، فآمنّا بك واتبعناك، وإنا معشر
النساء مقصورات مخدرات، قواعد البيوت، ومواضع شهوات الرجال، وحاملات أولادهم، وإن
معاشر الرجال فُضِّلوا علينا بالجُمع والجماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز،
والجهاد في سبيل الله، وإذا خرجوا للجهاد حفظنا لهم أموالهم، وغزلنا أثوابهم،
وربينا أولادهم، أفنشاركهم في هذا الأجر والخير يا رسول الله؟
فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم
بوجهه إلى أصحابه، ثم قال: «هل سمعتم مقالة امرأة أحسن سؤالًا عن دينها من هذه؟»
فقالوا: بلى يا رسول الله، ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا، فالتفت رسول الله
صلى الله عليه وسلم إليها فقال: «انصرفي يا أسماء، وأعلمي مَنْ وراءك من النساء،
أن حسن تبعل إحداكن لزوجها، وطلبها مرضاته، واتباعها لموافقته، يعدل كل ما ذكرت
للرجال»، فانصرفت أسماء وهي تهلل وتكبّر، استبشارًا بما قال لها صلى الله عليه
وسلم.
اقرأ
أيضاً:
حقوق المرأة في عهد النبوة.. تكريم وحماية