النسوية وتوزيع الميراث على البنات!

عامر شماخ

07 سبتمبر 2025

272

فجّر حكم قضائي في مصر الجدل من جديد حول قضية توزيع الميراث على البنات، في حياة الأب، وحرمان الورثة الأصليين منه، مدعوماً بأصوات عالية الضجيج من تيار النسوية المتطرفة.

فبعد 4 سنوات من رحيل الإعلامي الشهير وائل الإبراشي، أقرّت محكمة استئناف القاهرة بصحة عقد تنازل الإبراشي بمقتضاه عن أملاكه لصالح ابنته الوحيدة، ورفضت المحكمة دعوى شقيقته التي طالبت فيها ببطلان هذا العقد، وتوزيع التركة من جديد على الورثة المستحقين، بمن فيهم ابنتُه.

والجدل هنا بين من يرى صواب ما يفعله بعض الآباء؛ انطلاقًا من خوفهم على بناتهم بعد رحيلهم، ورغبة منهم في حمايتهنّ وتأمينهن في مجتمع بات لا يرحم؛ وبين من يرى ذلك مخالفة صريحة للشرع، وإخلالًا بميزان العدالة الإلهي؛ إذ المال ليس ملكًا شخصيًّا يتصرف فيه المورِّث كيف يشاء، بل هو حقٌّ إلهي جعله الله تعالى مُستخلَفًا فيه.

الميراث في الإسلام

يعد الميراث في الشريعة الإسلامية أحد أهم فروع الفقه، ويُعنَى بتوزيع أملاك المسلم بعد وفاته على ورثته، وللميراث قوانين وأنصبة فصّلها القرآن الكريم بشكل لا لبس فيه ولا غموض، وشدّد على المخالف لها؛ فقد خُتمت الآيات التي تتحدث عن المواريث في سورة «النساء» بقول الله تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {13} وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) (النساء).

وآيات المواريث في كتاب الله تعالى، المجمل منها والمفصّل، قطعية الدلالة، يحرم الاجتهاد فيها، فهي ثابتة لا تتغير لزمانٍ أو مكان، وأي محاولة لتغييرها هي معصية لله ورسوله وتعدٍّ على شرع الله ربّ العالمين؛ (فَلا ‌تَتَّبِعُوا ‌الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) (النساء: 135).

ميراث المرأة

لمّا جاء الإسلام كان أهل الجاهلية يورِّثون الذكور دون الضعفاء، كالنساء والصبيان، ويحصرون الميراث في الرجال بزعم أنهم أهل حرب وقتال، فنهاهم الله عن ذلك، وأمر بإعطاء المرأة والصبي وغيرهما حقهم في التركة، يقول تعالى: (لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً {7} وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً) (النساء)، فلم تعد الذكورة والأنوثة معيارًا في تقسيم الميراث، ومن ثمَّ بات للمرأة حقٌّ لا ينازعها فيه إلا ذو هوى معرض عن شرع الله.

ومما شاع، وهو خطأ، أن المرأة ترث نصف الرجل على الدوام؛ فميراثها يقع في نحو ثلاثين حالة، ترث نصف الرجل في أربع منها فقط، أما باقي الحالات فإنها ترث مثله، أو أكثر منه، أو قد ترث ولا يرث، أما الحالات التي ترث فيها النصف فهي:

1- وجودها مع أخيها؛ (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ) (النساء: 11).

2- الأم والأب مع ابنهما أو بنتهما المتوفيين وليس لهما أزواج أو ذرية؛ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ ‌فَلِأُمِّهِ ‌الثُّلُثُ) (النساء: 11).

3- الأخت الشقيقة أو لأب مع الأخ الشقيق أو لأب؛ (وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً ‌رِجَالًا ‌وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) (النساء: 176).

4- ترث الزوجة نصف ما يرث الزوج إذا توفي أحدهما؛ (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا ‌تَرَكَ ‌أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ) (النساء: 12).

أما نصيب البنت الوحيدة في ميراث أبيها أو أمّها فقد بيّنته آيات الكتاب الحكيم؛ فإذا انفردت؛ أي لم يكن لها أخ أو أخت، فلها النصف؛ (وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) (النساء: 11)، وإن كنّ أكثر من واحدة فلهن الثلثان؛ (فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ) (النساء: 11)؛ وفي الحالة الشائعة، وهو أن يكون معها فرع وارث ذكر، فترث نصف نصيب أخيها، كما سبق؛ (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ) (النساء: 11).

أما الحكمة من التفاوت في تلك الحالات؛ فلأن الذكر هنا مكلفٌ شرعًا بالنفقة عليها، وهي –في المقابل- غير ملزمة بالإنفاق رغم ما أثبته لها الإسلام من ذمة مالية مستقلة. 

هل يجوز توزيع الميراث قبل الوفاة؟

نعم يجوز للمسلم أن يقسّم ماله بين ورثته في حياته، كما أفتى كثير من العلماء، شريطة ألا يوقع ضررًا على أحدهم، فيمنع بعضهم أو يعطيهم دون حقهم؛ لما روي عن النعمان بن بشير رضي الله عنه، قال: تصدّق عليَّ أبي ببعض ماله، فقالت أمّي عمرَةُ بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على صدقتي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفعلت هذا بولدك كلهم؟»، قال: لا، قال: «اتقوا الله واعدلوا في أولادكم»، فرجع أبي فردَّ تلك الصدقة. (رواه البخاري).

والأفضل ألا يقسّم المسلم ماله في حياته، بل يبقيه معه؛ لأنه لا يدري أحوال البر والعقوق من أبنائه بعد تقسيم التركة، كما لا يدري من يموت أولًا، فربما طال به العمر فاحتاج هذا المال، وربما رُزق بولد، ولأن الحقوق المالية لا تستقر إلا بعد موت صاحب المال، إما لقضاء ديْن أو تنفيذ وصية، فإذا مات فسوف يقسّم على ورثته حسب الأنصبة الشرعية، وذلك أسلم وأعدل، ويجنّبهم الوقوع في النزاعات.

حكم حرمان الورثة من نصيبهم

حرمان الورثة من نصيبهم في الميراث حرام شرعًا، وهو من كبائر الذنوب؛ إذ لا يجوز التلاعب فيما شرعه الله من فرائض وحدود؛ (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ)، ومن فعل ذلك فهو آثمٌ، وآثمٌ كذلك من أخذ أكثر من حقه من الورثة، وآثمٌ من منع غيره –بأي صورة من الصور- من الحصول على نصيبه المقرر شرعًا؛ فتحرم لذلك الوصية إلا بشروطها، وهي أن تكون في حدود ثلث التركة، وألا تكون لوارث، وألا تتعارض مع قواعد الشرع في تقسيم الميراث، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من فرّ من ميراثِ وارثه، قطع الله ميراثه من الجنة يوم القيامة» (رواه ابن ماجة).

عواقب اجتماعية

التوزيع غير الشرعي للمواريث، تحت وطأة تمدد النسوية المتطرفة، لا تقتصر عواقبه وآثاره السلبية على ضياع الحقوق المالية فقط، بل تتعداها إلى تمزيق الروابط الأسرية، وخلق عداوات دائمة، فتنشأ الخلافات بين الإخوة والأقارب، وقد تتحول إلى قطيعة رحم.

كما يؤدي الشعور بالغبن إلى انتشار الحقد والحسد، وإضعاف روح التضامن العائلي، وإفساد الأجيال المقبلة، وفقدانهم الثقة في القيم الدينية والأخلاقية، وفي عدالة الأسرة، وربما في التزام المجتمع ككل بالقيم الشرعية، فضلًا عن التكاليف القانونية للمضرورين في حال لجوئهم للقضاء، والخسائر المادية التي تقع عليهم بسبب تجميد حقوقهم، وتعطيل دورها في التنمية الاقتصادية.


اقرأ أيضاً:

الميراث المعطَّل.. عندما يتحول الحق الشرعي إلى فتنة اجتماعية

قضية نوال الدجوي.. الرَّحِم مقدَّمة على التركة

فلسفة الميراث في الإسلام.. العدل قبل المساواة


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة