فلسطين.. بين شروط الاستسلام اليهودية وضغوط الأنظمة العربية

الحديث عن الصلح مع "إسرائيل" صار أمرًا عاديًّا تتلقاه هذه الشعوب الخانعة ببرود واستسلام، وفي كل يوم يفاجئنا زعماء من العرب بتصريحات مؤسفة؛ فقبل مدة قال قائلهم بأنه مستعد للتعاون مع غولدا مائير الشجاعة وليس مع رابين.

ولقد قال الحبيب بورقيبة أثناء زيارته للقدس عام 1964 كلامًا أقل من التصريحات الجديدة بمرات.. فكانت ردة الفعل مظاهرات في أغلب البلاد العربية وقطع علاقات و..

والذين كانوا ينكرون على "أبو رقيبة" تصريحاته يقولون اليوم ولا يبالون بعد أن روضت هذه الشعوب وأنهكت، واعترفت بما يسمى «سياسة الأمر الواقع».

فاروق القدومي: نحن على استعداد لإقامة دولة فلسطينية في غزة

فبالأمس نقلت وكالة الأنباء الفرنسية من الأمم المتحدة أن فاروق قدومي رئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية قد وافق من خلال التصريحات التي أدلى بها على الاشتراك في مؤتمر جنيف حول الشرق الأوسط.

وأعلن «قدومي» في حديث أدلى به لمجموعة من الصحفيين الأمريكيين قال فيه: إن منظمة التحرير الفلسطينية على استعداد لإقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية لنهر الأردن بعد جلاء "إسرائيل" عن هذه المناطق.

ومضت وكالة الأنباء الفرنسية قائلة: إن قدومي استخدم كلمة «دولة» في حين أن تعبير «كيان فلسطيني» هو الذي كان مستخدمًا، ومن ناحية أخرى امتنع قدومي عن استخدام العبارة المعتادة القائلة بأن قطاع غزة والضفة الغربية ستمثل مرحلة أولى تواصل منظمة التحرير -انطلاقا منها- جهودها في مرحلة ثانية لإقامة دولة فلسطينية في فلسطين حرة.

وأخيرًا لم يكرر قدومي ذكر الدولة العلمانية التي يتعايش فيها المسلمون واليهود والنصارى.

نحن في مجلة «المجتمع» لم نستغرب تصريحات قدومي لأننا نعرف بأن حرب لبنان أشعل لهيبها «أهل جنيف»، وهذا الإشعال وافق عليه «المارون» لأنه يخدم أغراضهم وأطماعهم في إقامة دولة مارونية، وموافقة منظمة التحرير على إنهاء الحرب يعني أنها وافقت على السفر إلى جنيف وإتمام الرحلة إذا اقتضى الأمر إلى لندن فواشنطن، وبعد موافقة منظمة التحرير انتهت المسرحية وعاد التضامن العربي قويًّا وتعانق المتخاصمون، وذرف المتقاتلون دموع الفرح.

غير أننا لم نفقد الثقة بالشعوب المسلمة؛ لأن الصادق الأمين أخبرنا بأن طائفة مؤمنة سوف تستمر بحمل أمانة الإسلام حتى تقوم الساعة، والله -سبحانه وتعالى- تعهد بحفظ دينه وأنه لا بد أن يهيئ له حملة يذودون عنه ويرعونه حق الرعاية، ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً.

لكل هذا نطالب الشعوب المسلمة في الوطن العربي فالإسلامي فالعالم أجمع أن تستيقظ من سبات نومها العميق وتقوم بدورها المطلوب.

الاحتلال الإنجليزي لفلسطين

هذا وإن تاريخ احتلال الإنكليز لفلسطين ثم رعايتهم لليهود وتنظيم هجرتهم إلى فلسطين حتى سيطروا على أرضنا المحتلة.. هذا التاريخ يحتاج إلى تقويم وتدريس لنعرف كيف نستفيد منه.

احتلال الإنكليز فاليهود لفلسطيننا وقدسنا لم يتم إلا بعد هدم الخلافة الإسلامية وتجزئة الدولة القوية الواحدة إلى دويلات.

وهدم الخلافة الإسلامية لم يتحقق إلا عندما فسدت الأخلاق، وأعرض المسلمون عن دينهم ونادوا بشعارات جاهلية كالوطنية والقومية.

وفي كل هذه المراحل كانت مؤامرات اليهود والصليبيين لا تنقضي، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ) (البقرة: 120).

بعد ما يسمى بعهد استقلال البلاد العربية، طُورد الإسلاميون في البلاد العربية، واشتدت الهجمات الشرسة ضدهم بعد حرب عام 1948؛ ففي هذه الحرب كان لهم موقف بطولي ضد اليهود في فلسطين.

في حين كان الإسلاميون يلاقون أشد أنواع الحرب والاضطهاد، كان وما زال دعاة العلمنة والكفر والإباحية والفجور يلاقون كل مساعدة وتشجيع.

خلال هذه الرحلة القاسية تسلط المستبدون فكتموا الأفواه، وصادروا الحريات، وسلطوا أنصارهم يبطشون بدون رحمة ويضربون بدون هوادة.

ظهرت على الساحة «موضة» مساجد الضرار فأقبل ناس من الناس على استغلال الإسلام والتظاهر بالدعوة إليه فكثرت المؤتمرات والندوات وملأ أصحابها الدنيا جعجعة لكنها بدون طحن.

وإذا كان هذا هو ملخص تاريخنا الذي أُنهي بواقع لا نُحسد عليه أبدًا، وليس الصلح مع "إسرائيل" إلا مرحلة من مراحل الرحلة.

ونحن المسلمون لا يعرف اليأس سبيلاً إلى قلوبنا، ولا نستسلم لأعدائنا، وإن أمة الإسلام شهدت ليالي مظلمة، لكن الفجر كان ينبلج بعد كل ليلة فيظهر عمر بن عبد العزيز، أو نور الدين، أو صلاح الدين، أو قطز.

وما علينا إلا أن نستعلي على ما يدبر لنا ونعقد العزم على استرداد فلسطين وسائر البلاد الإسلامية والحذر من المؤامرة التي تدبر ضدنا.. وفلسطين ملك لكل مسلم ولا يحق لزعيم أن يمنحها لليهود أو يتصرف بها، ومذابح أيلول أو حزيران أو.. لا تزيدنا إلا إيمانًا بالله واعتمادًا عليه وحده، وهو ناصرنا بعد أن نأخذ بأسباب النصر(1).



للمزيد: 

1- وانقلب السحر على الساحر الصهيوني!

2- ماذا بعد الحرب؟! 

3- «هولوكوست» اليهود و«محرقة»غزة.. هناك فرق!

4- رسائل للتبصير والتقدير

5- تدمير مساجد غزة.. جريمة لا تُغتفر 

6- إعمار.. أم استعمار! 

7- المشرَّدون ما زالوا في العراء

 



___________________

(1) نُشر بالعدد(326)، 1 ذي الحجة 1396هـ/ 23 نوفمبر 1976م، ص8.  

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة