تدمير مساجد غزة.. جريمة لا تُغتفر

د. أحمد عيسى

15 نوفمبر 2025

248

في العدوان على «غزة»، تجرأ الصهاينة على كل حرمة، واستباحوا كل دم، ولم يرقبوا في مؤمن إلا ولا ذمة، ودمروا 20 بيتاً من بيوت أذن الله أن ترفع ويُذكر فيها اسمه.. وكان تدميرهم للمساجد رمزاً لبغضهم لدين الله، والاستهانة بأماكن العبادة والمصلين فيها.. وليس ببعيد عليهم بعد ذلك أن يسعوا إلى هدم المسجد الأقصى، ليس بحفر الأنفاق تحته، وإنما بالقنابل من فوقه، فقد اختبروا جهاز الإنذار الإسلامي الرسمي فوجدوه معطلاً!

ولا ينسى المسلمون حادث إحراق «المسجد الأقصى» عام 1969م، حينما قام يهودي أسترالي بإحراقه والتهمت النيران المنبر الشهير للقائد «صلاح الدين الأيوبي» الذي كان قد أعده لإلقاء خطبة من فوقه بعد تحرير «بيت المقدس» كما أتت النيران أيضاً على مسجد «عمر بن الخطاب» و«محراب زكريا» و«مقام الأربعين» و«ثلاثة أروقة» ممتدة من الجنوب باتجاه الشمال داخل المسجد، وقد أطلقت السلطات الصهيونية سراح الفاعل بدعوى أنه مجنون ولكن هذا «المجنون» قال لدى اعتقاله: إن ما قام به كان بموجب نبوءة في سفر زكريا، كمبعوث من الله، زاعما أن ما فعله واجب ديني أما «المسجد الإبراهيمي» بمدينة «الخليل» فقد تعرض لمجزرة ارتكبها مستوطن يهودي عام 1994م، قتل خلالها 29 مصليا تجمعوا لصلاة الفجر، وما زال المستوطنون يعاملونه على أنه قديس ينظمون الزيارات لقبره ويحتفلون كل عام بذكرى وفاته.

وفي عام 2006م دمرت القوات الصهيونية «مسجد النصر» الأثري في بيت حانون الذي تجاوز تاريخ بنائه 800 عام.

وتقول «مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية»: «إن السلطات الصهيونية هدمت أكثر من 1200 مسجد وحولت عددا من المساجد إلى ملاه وخمارات ودور بغاء، ومقاه، وحظائر للأبقار.. حسبما جاء في الفيلم الوثائقي «مآذن في وجه الدمار»!

ويقول الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية في الداخل إن الهدف من كل هذه الاعتداءات على المساجد في فلسطين إزالة إنجازات الحضارة الإسلامية وتصفية معالم الحق الفلسطيني.

وقفة لا بد منها

ولعل السبب المباشر لهدم المساجد الفلسطينية هو عدم قيام المسلمين بواجب «دفع العدو» كما في قوله تعالى: (ولولا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ الله كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج: 40).

يقول ابن كثير: (وَلَوْلا دَفْعُ الله النَّاسَ بَعْضَهُم ببعض) أي: لولا أنه يدفع بقوم عن قوم ويكف شرور أناس عن غيرهم بما يخلقه ويقدره من الأسباب لفسدت الأرض ولأهلك القوي الضعيف.

وانظر إلى عدل الإسلام وهو ينكر على النصارى تخريب بيت المقدس أيام اليهود في قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ۚ أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (البقرة: 114)، كما ذكر ابن عباس: نزلت في النصارى والمعنى: كيف تدَّعون أنكم من أهل الجنة وقد خربتم بيت المقدس ومنعتم المصلين من الصلاة فيه؟!

ومعنى الآية على هذا: التعجب من فعل النصارى ببيت المقدس مع تعظيمهم له، وإنما فعلوا ما فعلوا عداوة لليهود.

وها هو جزاء هؤلاء اليهود المخربين لمساجد الله: (لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)

أخلاق المسلمين

أما أخلاق الحرب في الإسلام فتمنع إتلاف الزرع والشجر، وتخريب العمران فهي شريعة تستمد نظامها من إله السماء، لا من قوانين الغاب في الأرض، ولا من تحكم القوى في الضعيف، بل هي في جل أحوالها لنصر الضعفاء.

وقد أوصى الخلفاء الراشدون قادة جيوش المسلمين بألا يتعرضوا للرهبان في الصوامع، ولا للزراع في الحقول، ولا للتجار، وكان من وصايا أبي بكر رضي الله عنه لجيش الشام: «ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تجبنوا ولا تفسدوا في الأرض.. ولا تعقروا نخلا ولا تحرقوه، ولا تعقروا بهيمة ولا شجرة تثمر، ولا تهدموا بيعة، ولا تقتلوا الولدان ولا الشيوخ ولا النساء، وستجدون أقواما حبسوا أنفسهم في الصوامع، فدعوهم وما حبسوا أنفسهم له» (البيهقي في السنن الكبرى)(1).

للمزيد: 
مؤامرة جديدة على القدس...!! 
لمن تدق الأجراس في «تل أبيب»؟! 
علاقة الصهيونية بالنازية 
الحركة الصهيونية عوامل النهوض والانهيار



________________

(1) نُشر بالعدد(1836)، 27 المحرم 1430هـ/ 30 يناير 2009م، ص27.  

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة