«تعفن الدماغ».. حين يموت العقل قبل الجسد!

محرر المنوعات

30 سبتمبر 2025

63

دائمًا ما تُقترن كلمة «التعفن» بالأطعمة والمشروبات التي تمر عليها فترة زمنية طويلة دون أن تُحفظ بعناية، ومن ثم تتعفن؛ فتفوح رائحتها الكريهة، وتشمئز منها النفوس.

إلا أن المشهد اليوم انقلب رأسًا على عقب، فمن كان بالأمس يشمئز من هذه الراحة، أصبح الناس ينفرون من رائحة عقله المتعفن اليوم، ويفرون من آرائه المضللة ومعرفته السطحية، وسرعان ما انتشر هذا الداء في المجتمع، ليعاني منه الصغير والكبير، الشاب والفتاة، المتعلم والجاهل، الأمر الذي جعل كلمة أكسفورد لعام 2024م تُجسد في مصطلح «تعفن الدماغ».  

«تعفن الدماغ».. ما هو؟

يعرف مصطلح «تعفن الدماغ» بأنه عبارة عن تدهور في الحالة العقلية أو الفكرية للشخص، وينظر إلى هذا الداء كنتيجة منطقية للإفراط في استهلاك المحتوى السريع والتافهة وغير المفيد.

وقد اكتسب هذا الداء أهمية متزايدة خلال عامي 2024-2025م، وتم استخدام مصطلح «تعفن الدماغ» من قبل الخبراء والمتخصصين للإشارة للتعبير عن المخاوف بشأن تأثير استهلاك كمياتٍ مفرطة من المحتوى الإلكتروني رديء الجودة، لا سيما المحتوى المنشور على منصات التواصل الاجتماعي.

أسباب «تعفن الدماغ»

يوجد العديد من العوامل التي تؤدي إلى إصابة الدماغ بالتعفن، ولعل أبرز هذه العوامل الإفراط في استهلاك المعلومات الفارغة أو التافهة التي لا قيمة لها، وذلك مثل المحتوى السريع، والأخبار المفبركة، والشائعات، والمنشورات سريعة الانتشار، والانغماس في الترفيه السلبي، والمحتوى المهتم بنشر الفضائح أكثر من العلم، إلى جانب الألعاب التي انتشرت على الشبكة العنكبوتية لتستهلك الوقت دون فائدة.

هذه الأمور تجعل العقل عاجزاً عن طرح أي أسئلة للتحقق من صحة المعلومات، وبالتالي تغيّب عنه الوعي النقدي، وتجعل الانقياد والتقليد الأعمى يحلان محله، الأمر الذي ينعكس سلبًا على نشاط الدماغ ويجعله كسولًا غير قادر على التمييز بين الصواب والخطأ، ومن ثم فإن الغضب المستمر، وضعف القدرة على التركيز، وزيادة الاضطرابات النفسية كلها أمور تدل على الإصابة بتعفن الدماغ.

«تعفن الدماغ».. أعراض وعلامات

يوجد عديد من العلامات أو الأعراض تدل على إصابة الشخص بتعفن الدماغ، وتتمثل هذه العلامات في صعوبة التركيز والتشتت المستمر دون قدرة على الانتباه، وتكرار الخطأ ذاته أكثر من مرة، والانغماس في المعلومات الفارغة دون قدرة على تجنبها؛ كأن يفتح المستخدم صفحات وسائل التواصل الاجتماعي وينتقل من منشور إلى آخر، ومن صورة إلى أخرى وهو يعلم أنه لا يستفيد شيئاً لكنه لا يستطيع أن يتوقف، ومن علامات تعفن الدماغ أيضاً فقدان الفضول العلمي والتفكير النقدي، وعدم القدرة على اتخاذ القرار، ومن ثم الاعتماد على الآخرين في أي شيء يتعلق بالفكر.

«تعفن الدماغ».. ماذا بعد؟

إن هذا الداء لا يضر الفرد فحسب، بل يمتد أثره ليصل إلى المجتمع بأسره؛ فهو يجعل الإنسان عاجزًا عن التفكير السليم واتخاذ القرارات الصحيحة، كما يزيد من انفعالاته السلبية كالغضب والحقد والحسد، الأمر الذي يؤدي إلى إضعاف القدرة على التواصل البناء مع الآخرين، وحينما تتجمع هذه العقول المتعفنة في مجتمع واحد؛ ينتشر الجهل، ويعم الفقر، وتضعف القيم، وتزداد الانقسامات والصراعات، فيصبح المجتمع أكثر عرضة للخداع والتطرف، وأقل قدرة على الابتكار والتقدم، ناهيك عن كثرة الجرائم، وغياب الضوابط لأنك بالأحرى تتحدث عن مجتمع بلا عقل حقيقي.

باختصار؛ فإن «تعفن الدماغ» يحوّل الفرد والمجتمع إلى أرض خصبة للأفكار الفاسدة والانحرافات الفكرية.

«تعفن الدماغ».. كيف نتغلب عليه؟

على الرغم من خطورة هذا الداء، وأثرة الكبير على العقل والجسد، والفرد والمجتمع، فإن هناك عدة إستراتيجيات يمكن من خلالها التغلب على «تعفن الدماغ»، وتتمثل هذه الإستراتيجيات في:

1- تنقية الفكر: وتكون بالاطلاع على المصادر الموثوقة، والمطالعة العلمية الناقدة، والقراءة الدائمة المنظمة، والخلفية الدينية الصحيحة، وعدم تضييع الوقت في المحتوى غير المفيد.

2- تجنب الترفيه السلبي: حيث يجب تجنب هذا النوع من الترفيه لا سيما التافه منه، واستبدال أنشطة مفيدة للعقل به كتعلم المهارات.

3- الاهتمام بالناحية الدينية والروحية: يجب أن يشغل الإنسان نفسه بعبادة الله تعالى؛ لأنه لو لم يشغل نفسه بالطاعة شغلته بالمعصية.

4- التفكير النقدي: حيث يتم تدريب العقل على تحليل المعلومات والتأكد من صحتها قبل تخزينها في الذاكرة أو الإدلاء بها.

من هنا يتبين أن «تعفن الدماغ» أخطر من أي مرض جسدي؛ ذلك لأنه يفسد أعمق ما في الإنسان؛ عقله وروحه، وحتى نحمي عقولنا من هذا الداء لا بد أن نغذيها بالعلم المفيد، والمعرفة الصحيحة، والحق، والفضيلة، لبناء مجتمع صحي قادر على التفكير السليم واتخاذ القرارات الصائبة.


________________

1- https://n9.cl/6xj9jr.

2- https://www.bbc.com/arabic/articles/cje99y2v133o.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة