كيف تحافظ الجمعيات الخيرية على الشفافية والثقة الشعبية؟

الثقة الشعبية
ليست جسرًا يُبنى في يوم، ولا تُمنح بقرار؛ إنها ثمرة سنوات من العمل المخلص،
والتجرد، والالتزام بالقيم، وفي ميدان العمل الخيري، تمثل الثقة رأس المال
الحقيقي، فهي التي تدفع الناس للعطاء، وتمنح المؤسسات الخيرية القوة للاستمرار.
لقد برهنت
التجربة الكويتية على أن الشفافية ليست ترفًا إداريًا، وإنما ضرورة وجودية لأي
مؤسسة خيرية تسعى للاستدامة، فالمجتمع الكويتي بطبيعته كريم، لكنه أيضًا واعٍ
ومتسائل، يريد أن يعرف أين يذهب عطاؤه، وما أثره، وكيف يُدار.
وهنا يبرز دور
الجمعيات الرصينة التي جعلت من الشفافية منهجًا، ومن الإفصاح ثقافة.
ففي نماءالخيرية بجمعية الإصلاح الاجتماعي، وغيرها من المؤسسات الموثوقة، تحوّل العمل
الخيري إلى نموذج مؤسسي دقيق، قائم على الحوكمة والرقابة الداخلية والخارجية.
لم تعد التبرعات
تمر عبر قنوات غير واضحة، بل تُدار من خلال أنظمة محاسبية حديثة ومنصات رقمية
تُمكّن المتبرع من متابعة مشروعه من لحظة الدفع حتى اكتمال التنفيذ.
ومن عناصر
الشفافية أيضًا نشر التقارير الدورية التي تتضمن الإيرادات والمصروفات، والتوزيع
الجغرافي للمشاريع، وأسماء الشركاء المحليين، ومراجعة النتائج ميدانيًا، هذه
التقارير لا تُطمئن المتبرع فحسب، بل تعزز ثقافة المساءلة داخل المؤسسة نفسها.
ولعلّ أجمل ما
في التجربة الكويتية الشراكة المتينة بين الجمعيات الخيرية ووزارتي الشؤون
الاجتماعية والخارجية، إذ تضمن الأولى سلامة الإجراءات والحوكمة، بينما تسهّل
الثانية العمل الإنساني عبر قنوات رسمية في الدول المستفيدة؛ ما يجعل العمل
الإنساني الكويتي ذا مصداقية دولية عالية.
وحتى في الأزمات
الكبرى -كما في كارثة غزة أو زلازل المغرب والسودان- أثبتت الجمعيات الخيرية
الكويتية أنها تتحرك بمهنية عالية، تُعلن أرقامها، وتكشف طرق صرفها، وتقدّم ما
يشبه نموذجًا عالميًا في العمل المؤسسي المسؤول.
إن الحفاظ على
الثقة لا يتحقق بالتصريحات، بل بالفعل المتكرر، فحين يرى الناس أن المؤسسة الخيرية
تعد وتفي، وتقول وتفعل، تصبح جزءًا من وجدان المجتمع.
والشفافية ليست
فقط في المال، بل في الرسالة أيضاً، في وضوح الأهداف، وفي الصدق مع الجمهور، وفي
احترام كرامة المستفيد.
لقد علمتنا
التجربة أن الجمعيات التي تضع الثقة أولًا، تحصد الولاء الشعبي، وتصبح منارات
للعطاء الرشيد، لا مجرد قنوات للتبرع.
وهكذا تبقى
الكويت، بلد الخير والعطاء، نموذجًا يحتذى في بناء الثقة بين العمل الإنساني
والضمير الشعبي.